العدد 2565 - الأحد 13 سبتمبر 2009م الموافق 23 رمضان 1430هـ

لعبة الحوافز بين إيران والغرب... التحفيز مقابل التحفيز

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المكان هو وزارة الخارجية الإيرانية. الزمان هو الأربعاء التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري. الموضوع هو ردّ ومقترحات طهران على الطلب الغربي بشأن برنامج إيران النووي. الحضور هم ممثلو كل من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وسفيرة سويسرا في طهران المعنيّة بتمثيل المصالح الأميركية هناك.

خلال ذلك اللقاء قدّم مسئول الدبلوماسيّة الإيرانية منوشهر متّقي ردّ بلاده، بعد مهلة أميركية أوربية بدأت منذ شهر أبريل/ نيسان المنصرف. المهلة تخلّلتها مواقف واجتماعات للوكالة الدولية للطاقة الذريّة لكنها لم تحسم أمرا جوهريا في الأمر.

بعض الردود المنفعلة (الأوروبية والأميركية) وصفت الاقتراحات الإيرانية بأنها «لا تتضمن حتى الحد الأدنى من الفحوى الذي تدفع إلى التفاوض». وبعضها (أي التصريحات) كان أخفّ عندما صرّحت «نراجع الاقتراحات بجدية وبعناية».

أما الروس فقالوا «هي موضع درس، لأنها مدعومة بحجج قوية وتتطلب تقويم خبراء». في حين قال الصينيون «في الظروف الحالية، على الأطراف المعنيين مضاعفة الجهود الدبلوماسية واستئناف المفاوضات في أسرع وقت، لإيجاد تسوية شاملة مناسبة على المدى الطويل».

الإيرانيون في اقتراحاتهم تلك عمِلوا بمسارين مُزدوجين. الأول: إغراق المقترحات بملفّات إقليمية ودولية عالقة لكنها مُلِحّة، كالاستعداد «لمناقشة قضايا سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية ودولية مع الأطراف الأخرى، وإقامة السلام والهدوء والاستقرار في العراق وأفغانستان ولبنان والأراضي الفلسطينية».

والثاني إرفاق مزيد من الرسائل «اللّينة» الصادرة عن القوى الصلبة في النظام الإيراني من قَبِيل المؤسسة العسكرية، وأيضا من قِبَل أفراد النواة القريبة من الرئيس أحمدي نجاد الذي يعتقد الغرب بأنه يقود التيار المتشدد داخل إيران.

في الرسالة الأولى نلحظ ما قاله رئيس هيئة الأركان الإيراني حسن فيروز آبادي عندما تحدّث بأن «إيران تسعى فقط إلى تطوير برنامج نووي سلمي، ويبدو أن هناك نظرة أكثر واقعية مع أوباما، وأن الرسالتين اللتين وجههما في الأشهر الستة الماضية خير دليل على ذلك».

وفي الرسالة الثانية تحدّث مجتبى ثمرة هاشمي، كبير مستشاري الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وأحد أقرب المقرّبين إليه لصحيفة الواشنطن بوست «في استطاعتنا أن نتفق بالتعاون مع جميع البلدان على إطار دولي يمنع إجراء البحوث وإنتاج وحيازة الأسلحة النووية وانتشارها».

في المضمون الأول، تتراكم الرسائل السابقة واللاحقة المرتبطة بالموضوع النووي وبالملف الداخلي. فبعد أحداث ما بعد الانتخابات الإيرانية أعطى بعض المستشارين الغربيين تصوّرا لقادتهم بأن إيران ستنكفأ على داخلها لمعالجة جرحها المفتوح.

إلاّ أن هذا المشورة تبدّدت بعد أحداث أفغانستان ومقتل العديد من الجنود البريطانيين والأميركيين في مدّة قياسية. وقد أتت هذه الاقتراحات لتعيد الاعتبار لأوراق إيران في المحيط القريب منها، والذي تعمل على توكيده كل من أيديولوجيتها وجيوبوليتيكها.

اليوم هناك مشكلة في عديد من البُلدَان. في لبنان أزمة حكومية على التشكيلة الوزارية، وتوتّر أمني في الجنوب. وفي الأراضي الفلسطينية هناك ورقة مصريّة متضمّنة اقتراحات لحل الانقسام الفلسطيني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزّة يُرَاد لها أن تنجح.

في أفغانستان هناك معركة حقيقية وضارية بين الجيوش الأميركية والأوروبية وحركة طالبان، وتقاطع غربي إيراني بشأن الرئيس الأفغاني حامد كرازاي الذي بدأ الغرب يجافيه ويطمح في غيره، في ظل رغبة إيرانية في بقائه على رأس السلطة.

يأتي ذلك في ظل تصريح رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بأن أوباما قد «يواجه معارضة إذا قرّر الاستجابة لتوصية، متوقعة من قائد قوات الاحتلال الأميركي في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال أن يطلب قوات إضافية قد تصل إلى 45 ألف جندي». مع معارضة رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ كارل ليفين.

أما العراق فالتسوية فيه تستولد يوما بعد يوم مشاكل أمنية وسياسية صعبة، تتطلب حلا مُؤلما لخّصه بصراحة السفير الأميركي في بغداد كريستوفر هيل الذي قال، خلال جلسة استماع في الكونغرس «هل العالم العربي السُّنّي على استعداد لإفساح المكان لدولة يقودها الشيعة ولا يهيمنون عليها؟!».

في المضمون الثاني يُدرك الإيرانيون أن مفتاح برنامجهم النووي هو بيد واشنطن، وبالتالي فإن التعامل معها لتقليل عوائق الحوار سيعني إنهاء أزمتهم. لكنهم في نفس الوقت يُدركون بأن هناك مدارس عديدة تتحكّم في السياسات الأميركية تجاههم.

الأولى: تعتقد بأن إنهاء الصراع العربي الصهيوني يأتي قبل تطبيع العلاقة مع إيران. الثانية: ترى بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى نِدّ إقليمي يُبقيها في حال أشبه ما يكون بحرب باردة. الثالثة: تعتقد بأن على واشنطن أن تتعامل وتستفيد من موقع إيران ولكن دون منحها أيّة امتيازات. الرابعة: ترى أنه آن الأوان للاعتراف بإيران والتعاطي معها كقوّة إقليمية.

وبناء على تلك النظرة فهي ترى (أي إيران) بأن الرئيس أوباما ينتمي إلى المدرسة الرابعة، لكنه محكوم أيضا بالقوى المهيمنة على السياسات الأميركية الحالية والتي تنتمي في عمومها إلى المدرسة الثالثة. (راجع حديث صادق خرّازي مع مجلة الدبلوماسية الإيرانية/ 2 يونيو/ حزيران المنصرف).

ما بين المضمونين تحرّكت الدول الغربية نحو التفاوض مع إيران من جديد، حين دعت الدول الست الكبرى طهران إلى اجتماع عاجل يسبق الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والتي ستُعقد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. (راجع تصريحات كريستينا غالاش الناطقة باسم سولانا).

بطبيعة الحال فإن مآل الأمور صَائِرٌ إلى معادلة مُعقّدة ثنائية الأبعاد. البُعد الأول يقضي بإمكانية حلّ الإشكالات الإقليمية بشكل آحادي دون الحاجة لطهران تُنجزه السيطرة على الخلافات الهامشية لصالح الاتفاقات الأكثر اتساعا، وبالتالي لا تفريط في التنازلات وهو خيار غير ممكن.

والبُعد الثاني هو الدفع نحو مزيد من الإجماع داخل القوى الأوروبية وأيضا مع القوى الأخرى كروسيا والصين للخروج بموقف مُوحّد. وهو ما صرّح به علنا أحد المسئولين الأميركيين عندما قال «لا يمكن التفكير في العقوبات إلا بمشاركة الجميع، فنحن لا نبحث عن إجراءات نصفية». وهو خيار خاضع لاعتبارات مختلفة ليس أقلّها وضع واشنطن في القوقاز وأوضاع العلاقات التجارية مع الصين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2565 - الأحد 13 سبتمبر 2009م الموافق 23 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً