انسحاب «إسرائيل» في العام 2000 تحت سقف القرار 425 وانسحاب سورية في العام 2005 تحت سقف القرار 1559 أعادا خلط الأوراق ومهدا الطريق نحو تشكيل رؤية جديدة تتعامل مع لبنان بصفته دولة مستقلة ذات سيادة وبالتالي فمن واجب حكومته أن تقوم بالمهمات الملقاة على عاتقها وتنفذ ما تبقى من فقرات نص عليها القرار الكارثة.
ضعف الدولة وعدم قدرتها على ضبط أمنها تحت مفهوم السيادة وسقف القانون الدولي أعطى فرصة للتعامل مع لبنان بصفته ساحة مفتوحة قابلة للتفاوض ومساحة جغرافية مكشوفة لاختبار موازين القوى الإقليمية. وأدى التعاطي الدولي الجديد مع بلاد الأرز إلى تغيير قواعد الاشتباك وتحويل لبنان إلى جبهة عسكرية أمامية يمكن استخدامها لتوجيه الصواريخ أو الرسائل السياسية. «إسرائيل» من جانبها أعلنت أنها نفذت تعهداتها وتخلصت قانونيا من موجبات القرار 425. وسورية من جانبها أعلنت أنها نفذت التزاماتها ولم تعد مسئولة عن ما تبقى من فقرات في القرار 1559. أما لبنان فإنه تورط في مهمات تفوق قدراته وإمكاناته بسبب ظروفه الأهلية وانشطاره الطائفي وانقسامه المذهبي وعجزه عن دفع كلفة بشرية - عمرانية في حال قررت الدولة الذهاب نحو تنفيذ ما هو مطلوب منه بشأن السلاح والمليشيات «اللبنانية» و«غير اللبنانية».
انكشاف لبنان دوليا أعاد إنتاج قواعد اللعبة الإقليمية على أرضه. وهذا المتغير فتح الباب نحو المزيد من التوتر الأهلي وأعطى فرصة لتل أبيب بالتحضير للعدوان. فالضربة العسكرية أصبحت واردة والمسألة كانت مرهونة بالوقت وتلك الذريعة التي يمكن أن تستخدمها لتبرير الهجوم. وهذا ما حصل في صيف العام 2006.
حرب التقويض الجوية التي شنتها «إسرائيل» على لبنان لمدة نحو 34 يوما جاءت في فضاء تحولات دولية وإقليمية بدأت بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 واحتلال أفغانستان في العام 2002 والعراق في العام 2003. وتلك التحولات الدولية والإقليمية لم تكن معزولة عن متغيرات محلية بدأت بقرار رفض التمديد في العام 2004 واغتيال الحريري والانسحاب السوري في العام 2005. فالترابط بين التحولات والمتغيرات شكل الدافع نحو الاحتقان الأهلي والانفجار على الحدود الدولية الفاصلة مع «إسرائيل». فالعدوان الذي تذرع بأسر جنديين داخل «الخط الأرزق» تأسس على قاعدة الفراغ الأمني اللبناني وتحميل الحكومة مسئولية الحادث ما أدى إلى تركيز تل أبيب ضرباتها الجوية والبحرية والبرية على البنى التحتية للدولة باعتبارها الطرف المسئول قانونيا عن كل التجاوزات والاختراقات التي تحصل على أرض تقع في مجال سيادتها.
المسألة إذا مسألة الدولة قبل المقاومة. وهذه المعادلة التي تشكلت قانونيا تحت القرار الدولي 1701 أعطت حماية لبلاد الأرز من جانب ولكنها ساهمت في كشف الدولة لأنها حملتها مسئولية كل ما يحصل على أرضها ومن ضمنها تلقي ردود فعل ضد المؤسسات الرسمية (الحكومة، الجيش، المرافق الحيوية، الحدود والمعابر وغيرها من نقاط تنص عليها قوانين السيادة الدولية).
لبنان الآن دخل فعلا منطقة الخطر بعد إطلاق الصاروخين من الجنوب وهو عرضة للاستدراج إلى «دائرة التأزم» كما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السينورة. فحادث إطلاق الصواريخ والرد المدفعي الإسرائيلي على الجنوب ليس مسألة عسكرية بقدر ما يؤشر إلى تجاذب سياسي إقليمي - دولي قد يعطي ذريعة لعدوان جديد يتركز على تقويض الدولة قبل المقاومة باعتبار أن قوانين السيادة الدولية تنص على ضرورة أن تقوم الحكومة بواجباتها وإذا لم تبادر إلى تنفيذ مهماتها يحق للجهات المتضررة أن تتكفل بالدفاع عن نفسها.
هناك إذا ذريعة قانونية للعدوان تحاول تل أبيب التركيز عليها حتى تعطي لقواتها حق الرد أو الهجوم حين تتخلف الدولة اللبنانية عن القيام بمسئولياتها وواجباتها. وهذه النقطة ليست جديدة على القانون الدولي ولكنها تحولت منذ عدوان 2006 وصدور القرار 1701 إلى ذريعة يعاد إنتاجها حتى تتحول إلى مادة ناعمة يمكن التأسيس عليها للإعلان عن أن لبنان «دولة فاشلة» ويحتاج إلى مساعدة دولية لحمايته لأن حكومته غير قادرة على القيام بمهماتها وتنفيذ تلك الفقرات التي ينص عليها القرار الدولي.
المسألة إذا مسألة وقت (توقيت) وذريعة (خطأ فني أو تقني أو مفتعل) وسياسة دولية تتغطى بقانون السيادة. والمسألة لم تعد تتداول في الغرف السرية بعد أن تكرر اتهام لبنان الدولة بالمسئولية عن كل حادث خرق من أعلى المنابر والمستويات الدولية والإقليمية. حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد لبنان ودولته. المتحدث العسكري الإسرائيلي حمّل الحكومة اللبنانية مسئولية إطلاق الصاروخين. نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايالون قال للإذاعة الإسرائيلية «إن حكومة لبنان ذات السيادة لا تلتزم بواجبها بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1701». الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وجه انتقاداته باتجاه الجانب اللبناني باعتباره الطرف الذي بادر إلى الاستفزاز. والمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي ركز على «الحاجة العاجلة لوضع الأسلحة في لبنان تحت سلطة الدولة».
التركيز على «الدولة» وتحميلها المسئولية المعنوية والسياسية والقانونية والسيادية والدولية عن كل ما يحصل من تجاوزات واختراقات وحوادث مفتعلة كلها نقاط خطيرة تؤشر إلى احتمال حصول انعطافة دراماتيكية في بلاد الأرز تدفع أما إلى أعطاء «إسرائيل» ذريعة للعدوان على الدولة ومؤسساتها وأما إلى إعادة فتح الملف تحت سقف دولي يعلن لبنان «دولة فاشلة». فالمسألة المذكورة لم تعد مستبعدة.
هل يستيقظ اللبنانيون وتبدأ الطوائف والمذاهب بالانتباه إلى الخطر وتسارع إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية متجانسة ومتفاهمة على المبادئ العامة أم يبقى لبنان كما قال أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى عنه «بلد غني اقتصاديا وفقير سياسيا»؟ الأسابيع المقبلة يمكن أن تؤشر على الاتجاه الذي سيسير عليه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2565 - الأحد 13 سبتمبر 2009م الموافق 23 رمضان 1430هـ
لبنان الدولة
الأفضل هو أن يحكم الفرد الذي تعلم الفصحى بالتدريج حتى يصبح هناك دولة, الدولة تتعطل عندما يقاوم ابن الجنوب ويمتلك قوة الردع التي بناها ظل غياب المؤسسين الرئيسين للبلد لأن أبناء الجنوب على الهامش, لن تقوم الدولة إلا إذا حكم الفائزون في دولة يصبح وزن الصوت طائفيا وأخفها وزنا هو للصوت الشيعي, الدولة التي لا تكترث لوجود تهديد للسيد حسن نصر الله وتعتبره في حكم الطبيعي, ,,,,,