العدد 2564 - السبت 12 سبتمبر 2009م الموافق 22 رمضان 1430هـ

نفحات من معجزات القرآن الكونية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عندما يقرأ المرء في القرآن الكريم ينبهر متأملا بعض إيحاءات واضحة الدلالة في إعجازها. ورغم أنني لست من دعاة تفسير القرآن الكريم وفقا للظواهر الطبيعية والاجتماعية لأن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد فإنني لا أستطيع إلا أن أقف متأملا أمام دلالات بعض الآيات القرآنية التي تشير وتؤكد بوضوح وبلا لبس إلى أن هذا القرآن من عند الله وأنه معجزة ليس فقط لأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا، بل وأيضا حتى لو كان غير أمي، كما يذهب لذلك بعض المستشرقين، لكي يتخذوا من ذلك مطعنا للإدعاء بأن النبي الكريم كان له علم ومعرفة بكثير من الأحداث وأن تعبير أمي في القرآن الكريم لا يعني عدم المعرفة بالقراءة والكتابة في ذلك الزمن. وهذا الادعاء ليس صحيحا ولكن نقول حتى بافتراض ذلك فإن بعض لفتات وإيماءات في القرآن الكريم تشير إلى أمور وظواهر اجتماعية واتصالية وطبيعية لم تكن معروفة إلا في العصر الحديث.

ولنقرأ معا الآية رقم 44 من سورة الأنبياء «بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون» صدق الله العظيم. وانظر قوله تعالى في نفس السورة ولكن في الآية رقم 31 «وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون « صدق الله العظيم».

هذا نموذج من نماذج الآيات التي تنطوي على دلالات علمية تتصل بالظواهر الطبعية والاجتماعية والاتصالية. وهذه المفاهيم العلمية لم تكن معروفة للشعوب في ذلك الحين. ما هي إذن هذه الظواهر التي تشير إليها هاتان الآيتان الكريمتان. يمكننا القول بأنها تشير للظواهر التالية:

الآية الأولى: «بل متعنا هؤلاء وأباءهم حتى طال عليهم العمر «هذه الآية تشير إلى ظاهرتين: الأولى الظاهرة الاجتماعية المرتبطة بالشيخوخة وهذه ظاهرة جديدة إذ إن طول العمر كان نادرا في عصر نزول القرآن الكريم ولكن الآن في القرن الحادي والعشرين فإن ظاهرة الشيخوخة أصبحت ظاهرة عامة تفرض تطورات وإجراءات في الكثير من المجتمعات خاصة المتقدمة، كما أن الأمم المتحدة منذ أواخر القرن العشرين تبحث هذه الظاهرة. وترتبط هذه الظاهرة بتقدم المجتمعات وتوافر عناصر العلاج والرعاية الصحية والغذاء المناسب الكافي وهذا واضح في دلالة كلمة «متعنا» فالمتعة لا تكون من خلال المعاناة بل من خلال الرفاهية والرعاية، وهذا ما يؤدي إلى إطالة العمر. الظاهرة الثانية في نفس الآية 44 من سورة الأنبياء تشير إلى حقيقتين حديثتين أحداهما طبيعية والثانية اتصالية انظر بتأمل في قوله تعالى «أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها» ونتساءل كيف ينظر الناس ويرون ويلمسون نقصان الأرض. إنه في اجتهادي المتواضع وعلى قدر إدراكي أن نقص الأرض من أطرافها يشير إلى ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكون نتيجة الانبعاثات الحرارية وذوبان الجليد ومن ثم ارتفاع منسوب المياه مما يؤدي إلى غرق كثير من الأراضي المنخفضة عن سطح البحر ويقال إن كثيرا من الدول الجزرية سوف تختفي وأن مساحة كبيرة من دلتا مصر سوف تغرق بمياه البحر المتوسط. وهذا مايفسر لنا ظاهرة نقصان الأرض من أطرافها التي أشارت إليه الآية الكريمة.

أما المعنى الآخر الذي يمكن أن نحمل عليه من تفسير هذه الآية وقوله تعالى «أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها» فهذا قد يشير إلى الظاهرة الاتصالية الحديثة والتي جعلت الأرض بأسرها أشبه بقرية كونية صغيرة حيث تلاشت المسافات والأبعاد وتقاربت الأطراف فكأن الآية الكريمة تشير بنوع من التشبيه إلى هذا الاقتراب بين أطراف المعمورة بأنه نقصان فيها. هل كان في مقدور(محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم) أن يعرف تلك الظواهر الكونية والاتصالية في عصره؟

أما إذا انتقلنا للآية الثانية وهي الآية رقم 31 من سورة الأنبياء في تحليل وافي وواضح للعيان لدور الجبال والوديان وهو دور إرساء الأرض وتثبيتها من خلال الجبال، ودور الوديان كطرف للانتقال لكي يهتدي المرء في كيفية التحرك ويحدد المناطق ويميز بين الأقاليم من خلال ظاهرة الجبال والفجاج التي تتميز بها كل منطقة. وهذه الظاهرة الطبوغرافية لها أيضا دلالة هامة في كيفية تسخير كافة مخلوقات الله الناطقة بآياته والدالة على قدرته لخدمة الإنسان، كما أنها أيضا تشير إلى قاموس من قواميس الكون وتكوينه سواء في الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية بأن الله خلق كل شيء لحكمته وأوجد كل شيء مرتبطا بدوره في الكون في توازن بالغ الأهمية والدلالة فلو انهارت الجبال لاختل توازن الأرض وحدث تغير في البيئة ولو كانت الأرض كلها جبال فإن الاتصال وحركة الإنسان ستكون عسيرة وحياته ستكون شاقة فلا مكان مناسب ومنبسط لكي يزرع فيه ويعيش وهكذا.

تلك تأملات ونفحات روحية من وحي رمضان المبارك حول مغزى ودلالات بعض الآيات بأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يتلقى هذا القرآن منزلا من عند الله. والله سبحانه وتعالى أعلم

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2564 - السبت 12 سبتمبر 2009م الموافق 22 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • بنت الفردان | 6:16 ص

      شكرا اخي على مقالك

      نشكر لك اخي محمد هذه النفحات القرآنية ، فنحن محتاجون الى التعمق بفعل في آيات وسور قرآننا الكريم ، وطبتم مؤمنين ..
      اللهم ثبتنا على دينك ما احييتنا يارب العالمين واجعل القرآن نصب اعيوننا وارحمنا بالقرآن واقضي حوائحنا يارب بالقرآن ويسر امورنا بالقرآن يالله يالله يالله يارب العالمين بمحمد وآله الطيبين الطاهرين

اقرأ ايضاً