العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ

التعليم الافتراضي وانفلونزا الخنازير

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

السنة الدراسية الجديدة على الأبواب، ويستعد تلامذة المدارس، وطلاب الجامعات للعودة إلى فصولهم. من بينهم جميعا هناك 178 طالبا من 49 دولة سيتوجهون، عوضا عن مدارسهم، أو الحافلات التي ستقلهم لها، إلى أجهزة الكمبيوترالخاصة بهم من أجل الانتظام في صفوفهم الافتراضية للدخول، في مشروع يُعتبر الأضخم من نوعه، والأقل كلفة، وباستخدام الإنترنت على حدٍّ سواء. سبق هذا الفوج الجديد، مجموعات أخرى وصل عددها إلى نحو ألفي شخص منذ أن فتحت هذه الجامعة الافتراضية أبوابها في أبريل/ نيسان 2009.

يقف وراء الفكرة، كما جاء على موقع (سي إن إن) العربي، شاي راشيف، وهو أستاذ جامعي يعمل في كاليفورنيا، يقول الهدف من وراء مشروعه الرائد هذا إن «السبب في إطلاق مثل هذه الجامعة هو توفير مصدر للتعليم للذين لم تتسنَّ لهم الفرصة لدخول جامعات أبدا»، وعلى من يريد أن يلتحق بالجامعة أن يتقن اللغة الإنجليزية، ويحمل الشهادة الثانوية العامة، وفي وسعه تحمل رسوم دراسية بين 15 و50 دولارا، يضاف لها ما يقارب من 4 آلاف دولار لتغطية كلفة الامتحانات، على امتداد أربع سنوات، هي الفترة المطلوبة لنيل شهادة جامعية في التخصص الذي اختاره.

والتعليم الافتراضي، أو التعليم عن بُعد، أو التعليم باستخدام الحاسوب، جميعها مسميات لمفهوم متقارب يعبر عن استخدام ما توفره ثورة الاتصالات والمعلومات من إمكانات تساعد على تطوير العملية التعليمية في صفوف أركانها الأربعة الأساسية: الطالب، إدارة المدرسة، المدرس، وأولياء الأمور، والفروقات البسيطة بينها تعود إلى كفاءة مدى التقدم الذي حققته هذه الثورة في نطاق علاقتها مع العملية التعليمية وفق النظرة التي تأخذ بها الجهة التي توفر خدمات التعليم الافتراضي.

يكتسب التعليم الافتراضي أهمية متزايدة، فبالإضافة إلى الخدمات التي يوفرها، والتي تميزه عن مناهج التعليم التقليدية، هناك قدرته على تجاوز العقبات التي يضعاها عنصرا الزمان والمكان في آن. ولكي نقرّب الصورة من ذهن القارئ، نبدأ بالزمان، حيث يبيح التعليم الافتراضي للطالب من الوصول إلى المواد التعليمية، بما في ذلك أسئلة الامتحان، بما يتناسب وأوقات نشاطه هو، بعيدا عن تلك التي يحددها موقع الجامعة أو المكان الذي يقطنه المدرس. إذ يمكن لمدرس ما أن يلقي دروسه على طلاب ينتشرون على رقعة جغرافية مختلفة في أوقاتها، كلاهما، الطالب والمدرس ينتسبان لمؤسسة علمية تقع في مكان آخر ثالث بعيدا عنهما. عامل الزمان يتلاشى، أمام قدرات الاتصال التي توفرها ثورة الاتصالات والمعلومات، حيث بوسع أي من أطراف العملية التعليمية الولوج إلى منصة التعليم الافتراضي والوصول إلى ما يبحث عنه من مواد وخدمات، دون أن يكون هناك تزامن موحد يقتضي منهم جميعا التواجد في وقت محدد، وإلا ضاعت من أمام طالب العلم فرصة التعلم، من جراء ظرف طارئ حال دون تواجده في وقت إعطاء الدرس أو المحاضرة. إن منصة التعليم الافتراضي الإلكترونية قادرة على تخزين كل ما دار في تلك الحصة، أو حتى الحصص الدراسية، من حوارات محتفظة بكل حيويتها، ومواصفاتها التفاعلية، بانتطار المستخدم البعيد الذي يحدد هو، دون غيره، ووفقا لظروفه الخاصة وقت الوصول لها.

الأمر ذاته ينطبق على المكان الذي يفقد أهميته تماما، نظرا إلى ما توفره المنصة معتمدة على تسهيلات ثورة الاتصالات والمعلومات من قدرات تبيح لمّ شمل المدرس وطلبته المبعثرين على رقعة جغرافية لامتناهية، متجاوزة بذلك كل القيود قدرات الانتقال من وإلى المواقع الدراسية، مهما كان تطور وسائل المواصلات المستخدمة، ناهيك عن وضع حدٍّ للمشاكل التربوية التي تفرضها المساحات المحدودة للفصول، مهما بلغ اتساعها.

تتضاعف فعالية التعليم الافتراضي وجدواه الاقتصادية، إبان الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات عندما تَحُول تلك الكوارث دون وصول الطالب إلى مكان دراسته المعين، وفي الوقت المحدد. والأمر ذاته ينطبق في فترات انتشار الأوبئة، كما هو الحال عليه اليوم، عندما أدى انتشار انفلونزا الخنازير، إلى تأجيل تواريخ افتتاح العام الدراسي، ولأكثر من مرة، مع ما رافق ذلك من بلبلة، عانى منها الطلبة قبل أولياء الأمور. كم كانت الحاجة هنا ملحة إلى منصة إلكترونية كفؤة، قادرة، ولو بشكل مؤقت الحلول مكان المدارس التقليدية، بما يشمل ذلك الوصول إلى المباني، وفي الأوقات المحددة. لقد أضاع ذلك التأجيل شهرا من السنة الدراسية، تحمّلت كلفته الدولة من جانب، وارتبكت فيه خطوات الطالب من جهة ثانية.

بقيت مسألة في غاية الأهمية، تلك هي أن التعليم الافتراضي ليس مجرد منصة إلكترونية إستاتيكية قائمة على آخر الصرعات التكنولوجية، كما إنها أيضا ليست مجموعة من الأقراص المضغوطة التي شحنت بالمادة العلمية، وهي أيضا ليست قناة بث متقدمة تعمل بسرعات فلكية. إنها بالإضافة إلى كل ذلك - وهو الذي يشكل البنية التحتية الضرورية لتشغيل منصة تعليم افتراضي كفؤة - استراتيجية متكاملة تبث في كل ما تقدم الحيوية والحياة اللتين تحتاجهما عمليات التعليم الافتراضي.

ولعل الخطوة الأولى على هذا الطريق، قبل بناء تلك المنصة، هي تأهيل الطواقم التعليمية والإدارية القادرة على استخدام تلك المنصة، والتفاعل معها، بكفاءة عالية، إلى جانب توفير المواد التعليمية المستفيدة من كل ما يوفره التقدم العلمي في الاتصالات والمعلومات من إمكانات، من شأنها متى ما استخدمت على نحو جيد، الارتقاء بالعملية التعليمية، وتحسين مخرجاتها على المستويين الكمي والكيفي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً