العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ

( رسائل القراء ) : الرأي والرأي الآخر في الحوار الديمقراطي الحر

من بين الأمور المسلم بها هو أن الحوار الديمقراطي أحد مرتكزات الديمقراطية الأساسية والمهمة جدا في تطبيق أبجديات الديمقراطية الحرة والنزيهة، وإن من دونه تصبح الديمقراطية مجرد ضربا من ضروب الترفيه السياسي، فلا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية، إذا لم يتوفر المناخ الملائم والجو المناسب لتطبيق هذه الديمقراطية، التي يكون «الحوار الديمقراطي الحر» أحد أهم شروطها ومسببات وجودها.

لسنا هنا بصدد تعريف الديمقراطية، وما هو مفهوم الديمقراطية المتعارف عليه في مختلف الدول، ولدى مختلف الاتجاهات، وما مدى التطبيق الفعلي والعملي لهذه الديمقراطية، وما هي التجاوزات والتفسيرات المختلفة لهذه الديمقراطية في الدول التي طبقت ومارست الديمقراطية، في شتى المجالات المختلفة وعلى مدى قرون، وهي ما تعرف بدول الديمقراطيات العريقة، لكننا أردنا توضيح بعض السلبيات والمساوئ الناتجة عن التطبيق الخاطئ لمفهوم الديمقراطية والحوار الحر الديمقراطي، والأضرار الكبيرة التي تنجم من جراء ذلك.

إن قمة الديمقراطية بغض النظر عن ماهية هذه الديمقراطية والاختلاف الشاسع لدى الناس عن مفهوم أو تعريف الديمقراطية، تتداخل المصالح والمنافع الشخصية تارة، وربما الظروف والضغوط المتنوعة والمختلفة وما يهدف من ورائها تارة أخرى في قلب الأمور رأسا على عقب، في تفسير وتطبيق وممارسة الديمقراطية بالشكل الذي يتوافق وتلك الأهداف والمصالح، وما يتماشى مع مصلحة المتنفذين وأصحاب القرار في أي بلد كان.

فمن يتشدق بالديمقراطية، ومن يدعي بأنه ديمقراطيا -قلبا وقالبا- عليه أن يكون حضاريا متفها ومتنورا، يتمتع بروح رياضية عالية، ويتقبل النقد الهادف البناء، والرأي الآخر والاتجاه المعاكس والمخالف، ويحاور بأسلوب حضاري بعيدا عن المهاترات والعصبية، وعدم السيطرة والانفعال المشحون بالغضب والمزاج المتعكر، ويجب التمتع بأسلوب وأدب الحوار، والابتعاد وتجنب استخدام الأساليب غير الحضارية والملتوية، من شتم وقذف وسباب، وربما استخدام قبضة اليد ووسائل أخرى، للرد على الطرف الآخر، لكون هذا الشخص لم يتحمل أو يتقبل الرأي الأخر، المخالف له في الرأي والمعاكس له في الاتجاه، وسرعان ما يتحوّل هذا الحوار إلي معركة حامية الوطيس، باستخدام السكين والساطور، وربما السلاح الناري وغيره، كما نشاهد ونسمع ذلك في الكثير من الدول النامية وغير النامية.

والأنكى من ذلك ما يحدث في البرلمانات التي من المفترض على كل من يدخلها أن يتحلى بقمة الديمقراطية وضبط النفس، مهما كان الطرف الآخر، أو الرأي الآخر لاذعا استفزازيا وهجوميا ويفتقر إلى أبسط أشكال الحوار الديمقراطي، لكونه لا يمثل نفسه فحسب وإنما هو يمثل شريحة كبيرة من الناس.

وقد تتطوّر تلك الحالة من فرد إلى أفراد ومن مجموعة أو حزب إلى مجموعات أو أحزاب، وهنا تتصاعد المواجهة، وتتطوّر الآليات المستخدمة في هذه المواجهة، فتصمت وتسكت لغة الحوار، وبالتالي تتكلم فوهات البنادق والمدافع والدبابات وغيرها من الأسلحة، فتزهق الأرواح وتتساقط الضحايا، وتقع الخسائر وتزداد الأضرار، ويظل تأثيرها النفسي والمعنوي على مدى السنوات والدهور.

وكذلك عندما تفشل المباحثات والمفاوضات بين الدول نتيجة لضياع وفشل أسلوب الحوار الديمقراطي الحر، تتحوّل تلك المفاوضات إلى مواجهة دمويّة بين هذه الدول، ويدفع الآخرون الثمن دون مقابل، ويتم تدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية في كلا البلدين وتضيع مليارات الدولارات في مهب الريح، نتيجة لما تحدثه الحروب من دمار وخراب، ويصبح الشعب الذي نجى من حراب الموت فريسة في براثن الفقر والجوع والمرض، وربما الضياع والتهجير والغربة والعيش في المخيمات في العراء، تحت رحمة العوز والحاجة لمساعدات الآخرين، وتحمل مرارة وقساوة الحياة في تلك المخيمات مع تقلبات الأوضاع والأجواء.

إن اللجوء إلى مثل تلك الأساليب والتصرفات يؤدي إلى عواقب ونتائج وخيمة لا تحمد عقباها، ويتكبد الجانبين خسائر فادحة في الممتلكات والأرواح، وينهار الاقتصاد وتتحطم الآمال والمكتسبات في تلك البلدان المتحاربة، وتكون الحرب وبالا على الشعوب والأجيال المقبلة، على مدى سنوات طويلة، وتظل تقاسي وتعاني الويلات نتيجة لأخطاء وحماقات الآخرين، الذين قد يفرون بجلدهم، أو يظلون مهيمنين على زمام الأمور.

فالحوار الديمقراطي بين الأفراد والجماعات، وبين الدول والشعوب هو السبيل الوحيد للوصول للتفاهم والحلول المرضية والمقنعة لكلا الجانبين لتفادي المخاطر والأهوال.

ولقد تبنت هيئة الأمم المتحدة مشروع «حوار الحضارات» الذي رفعه الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي في الأمم المتحدة ، واعتبر العام 2001 م «عام حوار الحضارات» لكون حوار الحضارات طريقا ومنهجا لتلافي الصراعات والنزاعات والمصادمات بين الدول، وبالتالي التوصل للتفاهم والسلام بين الشعوب والدول في عالمنا هذا المترامي الأطراف والمتعدد التوجهات والنزعات والمصالح والتطلعات والأهداف، بما فيها الأطماع والأهداف الخبيثة والمبيتة والنوايا الاستعمارية السيئة.

وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: (اختلاف أمتي رحمة)، وكما يقال: (اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية)، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير: (قد أخالفك في الرأي، ولكنني مستعد للدفاع والتضحية عن رأيك)، وكما يقال أيضا: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب).

وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001 م، لتغيّر المفاهيم والمبادئ والقيم، ويتغيّر بالتالي مفهوم -الحوار الديمقراطي الحر- ويصبح محفوفا بالمخاطر، بل وتصبح الديمقراطية هي الأخرى مهددة، لعلو صوت الوعيد والتهديد، وسيادة منطق القوة والجبروت، الذي ترفعة داعية الديمقراطية والحقوق الولايات المتحدة الأميركية، وتلوح بخيار القتل والفتك والتدمير، وإثارة النزعات الاستعمارية القديمة، وتقديم شن الحروب على منطق العقل والحكمة.

فخيارنا يجب أن يكون خيار السلام ولا يسود السلام في هذا العالم إلاّ بتبني لغة «الحوار الديمقراطي الحر» لأنه السبيل الوحيد للتفاهم والتخاطب بين الدول والشعوب ليعم الأمن والرخاء والمحبة والاطمئنان.

وما تفرضه علينا المرحلة الحالية من تحديات وصعاب تتطلب منا جميعا، أن نبذل المزيد من الجهد والعمل الشاق والمضني، والتكيّف والتأقلم مع هذه المرحلة، وما تتطلبه منا من بدل الجهود المخلصة والبناءة، وعلينا رص الصفوف للمحافظة على المكاسب والمنجزات، وتفويت الفرص على المندسين والمتآمرين، والذين يحاولون جاهدين زرع بذور الفتنة والتفرقة بين أبناء هذا الشعب الواحد ليتمكنوا من تثبيت جذورهم، واستغلال الأوضاع لصالحهم، ولتمرير مخططاتهم البغيضة.

وعلينا جميعا أن نكون حذرين، ومسلحين باليقظة والوعي الوطني لما يحاك في الظلام، للقيام بواجبنا نحو وطننا وشعبنا وأمتنا خير قيام، في سبيل نشر الوعي الثقافي والسياسي بين طبقات الجماهير على مختلف مستوياتها وثقافاتها، لتتمكن من المشاركة والمساهمة في مسيرة الديمقراطية، وللنهوض بالمسئوليات والأعباء الجسام الملقاة على عواتقنا جميعا خير قيام، كل في موقع مسئوليته لخدمة ورفعة وتقدم وازدهار وطننا الغالي.

إن ديننا الإسلامي الحنيف متمثلا في الحديث النبوي الشريف يحثنا، على ذلك (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، وفي قوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة التوبة/ الجزء الحادي عشر.

إن ما يجري اليوم من حروب ومواجهات مسلحة بين أطراف النزاع في البلد الواحد، أو في البلدان المختلفة هو نتيجة لرفض الحوار والجلوس على طاولة المفاوضات أو لفشله نتيجة الإصرار على المواقف المتعصبة، والمطالب التعجيزية الصعبة، لحل الخلافات والوصول إلى حلول منصفة وعادلة لكل الأطراف المتخاصمة -بغض النظر عن حالات الاعتداءات والعدوان على بعض الدول المختلفة، نتيجة لأطماع ومشاريع استعمارية واستيطانية- وعلى الدول والحكومات أن تلجأ إلى الحوار الديمقراطي مع شعوبها، للتوصل للحلول التي ترتضي بها كل الأطراف، ولتتجنب الصدامات والنزاعات والأزمات، التي قد تتحول إلى ما لا يحمد عقباه، وإن كان النزاع أو الصراع لا يمكن أن يصل إلى حد المواجهات المسلحة بينهم .

محمد خليل الحوري

العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً