العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ

إيناس... ورضا... وإنتاج محلي «هل هلاله بعد غيابه»

رمضان تلفزيون البحرين

في سياق تنافسية ضارية ومتصاعدة بين القنوات الفضائية العربية، الرسمية منها والخاصة، حضرت قناة تلفزيون البحرين الأساسية (44) في مشهد التنافس ضمن الدورات البرامجية الرمضانية بتنويعات ملحوظة تراوحت بين الاختيارات المجلوبة من سوق الأعمال الخاصة، والإنتاج المحلي الذي سجل نشاطا لافتا وفقا لبعض المؤشرات.

وعلى رغم أن باقة البرامج الرمضانية في تلفزيون البحرين قد خلت هذا العام من الإنتاج الدرامي على صعيد المسلسلات المحلية، فإن التشكيلة النهائية للمواد قد رست على ما حاول أن يمثل تعويضا، وإن بشكل من الأشكال، لحضور الدراما على تضاريس الخريطة. فقد تعاقد التلفزيون على شراء أربعة مسلسلات عربية مختلفة، وهو عدد كبير نسبيا قياسا بما جرت عليه عادة تلفزيون البحرين، وقياسا بإمكاناته. تراوحت هذه المسلسلات بين المصري والخليجي، الديني والتراثي والمعاصر. ومن بين أربعة مسلسلات فإن اثنين منها، حازا على نسبة مشاهدة لا بأس بها، إذا أخذنا في الاعتبار أن خيارات المشاهد توزعت ما بين 140 عملا دراميا هجمت بها الشاشات المتنافسة على وقت وتفضيلات الجمهور!

فقد جاء مسلسل «أنا قلبي دليلي» الذي يحكي قصة الفنانة ليلى مراد، الذي عرض بالتزامن في 14 قناة فضائية عربية، ليؤشر إلى ذكاء في الاختيار ورهافة في الانتقاء، حيث استقطب المسلسل، على ما يبدو، شطرا متابعا ودؤوبا من الجمهور على امتداد ليالي رمضان، كما تحقق النجاح نفسه مع المسلسل الديني «صدق وعده» الذي مثل نقلة وفقا لآراء المراقبين، في آفاق ومفاهيم كتابة وتنفيذ الأعمال الدرامية ذات الطابع الديني، وذلك من خلال اقترابه من الملامح الإنسانية للأبطال وإفساح مجال أكبر لتجذير الشخصيات الدرامية عبر تنويع الانفعالات والعواطف، ورصد الشخصية في حالات متراوحة من الضعف الإنساني والقوة الكارزمية للخروج من التنميط المثالي التقليدي في الأعمال الدينية.

وقد عرض تلفزيون البحرين مسلسلا آخر هو مسلسل «جيران»، المسلسل الذي لم توافه حظوظ كافية من النجاح على رغم أن الدافع وراء عرض وشراء هذا العمل هو وجود الكاتب البحريني عيسى الحمر والمخرج البحريني، أيضا، مصطفى رشيد في مصاف الطاقم الأساسي لإنجاز «جيران». ويمكننا سحب الحكم نفسه على مسلسل «حدف بحر» الذي جاء باهتا، على رغم المراهنات والحملة الإعلامية النشطة لتسويق العمل بالاتكاء على الدور المركب لبطلته سمية الخشاب، وهي لم تنجح في حفر صورة عميقة في ذاكرة المشاهد باللجوء إلى تمثيل شخصيتين توأمين في مسلسل واحد.

في كل الأحوال فإن الارتكاز الإنتاجي الأكبر للدورة الرمضانية لتلفزيون البحرين كان مستندا إلى برنامج المسابقات الجماهيري اليومي «صغارنا ضد كبارنا» وهو برنامج خطا بالإنتاج المحلي خطوات لافتة لجهة مفهوم العمل التلفزيوني، ومقومات الإنتاج القائم على الإبهار وتوظيف الإضاءة والمؤثرات والملتيميديا، وقد حقق البرنامج نقلة مهمة على صعيد القدرة على استعادة المشاهد إلى تلفزيون البحرين، سواء عبر ملء مدرجات الصالة الرياضية بالجفير يوميا، التي اتخذت بعد تجهيزها كأستوديو لبث المسابقات، أو عبر حضور البرنامج أمام الشاشات كل ليلة.

البرنامج يقوم على فكرة التسابق بين جمعيات المجتمع المدني من خلال أسئلة توجه إلى فريقين من الصغار والكبار، والجائزة تذهب إلى الجمعية أو النادي الفائز لا إلى الأفراد، وبهذه الطريقة يتم تطعيم الفرق بـ «نجوم مجتمع» من مختلف المجالات، واستطاع البرنامج أن يقدم خلطة تسويقية جيدة، مختلفة في الروح والنكهة، والتكنيك الفني، عن البرامج المعتادة في السنوات الفائتة. البرنامج تكاملت له اختيارات مدروسة على صعيد طاقم التنفيذ بدءا من الفكرة التي وضعها فؤاد خوري مرورا بالإنتاج الذي أحكم رتاجه بشير أشقر، وصولا إلى فريق الإعداد الشبابي الذي تم جلبه من العناصر العاملة في مهرجان «تاء الشباب» الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام في وقت سابق. ويبدو أن الجمهور قد رسم شيئا من التعاطف الذي كان يكبر بشكل متدرج وموارب تجاه مقدم المسابقات الشاب حسين سعيد، المذيع الذي انتقل فجأة من طاقم النشرات الإخبارية إلى تقديم برنامج حي منوع يتعاطى علاقة تفاعلية مع الجمهور وعلى الهواء.

وبالبقاء في حيز ذكر المسابقات الرمضانية لا ننسى الإشارة إلى إقدام قناة البحرين الفضائية على تقديم مقترح آخر، استطاع أن يثبت له مكانا في خانة اهتمام المشاهدين هو برنامج المسابقات «فكر زين»، وهو من تقديم الفنان عبدالله ملك وإخراج حسين الحليبي. وتقوم فكرة البرنامج على تقديم أسئلة متجولة خفيفة بين الجمهور من مرتادي المجمعات التجارية، وتحديدا مواقع شركة «زين» للاتصالات داعمة البرنامج. خفة عبدالله ملك وحضور بديهته، إضافة إلى رشاقة كاميرا الحليبي ومساعده أمين الصايغ، استطاعت أن تؤمن للبرنامج إيقاعا رشيقا يتناسب مع وقت ما بعد الفطور كل يوم، وجاءت «نقازيات» جمال السيب في «تترات» المقدمة الغنائية وأجواء العمل المبهجة لتضفي بسمة خفيفة ومطلوبة على طابع الدورة الرمضانية فيما بين الصلاتين (المغرب والعشاء).

وعلى صعيد البرامج غير اليومية، قدم خالد الرويعي برنامجا موفقا قائما على التوظيف الذكي الجميل للمعلومة والمادة الأرشيفية في «أقبل الليل»، التسمية المنتزعة من أغنية خالدة لكوكب الشرق أم كلثوم، والبرنامج يتكرس في حلقاته الأربع لاستكشاف جوانب من عظمة هذه الفنانة التي شغلت ذاكرة القرن العشرين الفنية من المحيط إلى الخليج، ومازالت أسطورتها تتجدد وتنبعث من الرماد. برنامج الرويعي مؤشر على أن تصدي عناصر ذات ذائقة فنية وكفاءة ثقافية لإعادة إنتاج المادة الأرشيفية بالتلفزيون، وإعادة توظيف المعلومة والحدث، كفيلة بتجنيب التلفزيون مغبة التعامل مع برامج باهظة الكلفة كل مرة، إذ بالإمكان تقديم برامج جيدة ومقبولة جماهيريا من خلال التعاطي الخلاق مع أرشيف التلفزيون المتراكم عبر عقود أربعة سلفت من دون استفادة حقيقية من إمكاناته.

ويصطف في خانة البرامج المحلية التي تم إنتاجها خصيصا لشهر رمضان، عدد آخر من البرامج، لعل أبرزها البرنامج الحواري الشيق الذي قدمه الإعلامي القدير حسن كمال، وهو برنامج اعتمد على سلاسة كمال وتلقائيته، وخبرته المترامية في اقتراح حوارات تستنطق خزين ذاكرة الضيوف من خلال جولات عذبة من التدفق على مختلف الضفاف، وقد كانت خطوة موفقة من تلفزيون البحرين أن يستدرج حنكة حسن كمال ودرايته الكبيرة، لتقديم هذا النوع من الحوارات التوثيقية التي نتمنى أن تستمر.

في سلة البرامج التلفزيونية التي طالعها المشاهدون في رمضان أيضا البرنامج المحلي «مجالسنا»، وهو البرنامج الذي شهد نزول المخرج المتميز أحمد يعقوب المقلة إلى فضاءات تقديم البرامج الحوارية من جديد، وهو برنامج حاول أن يستعيد نكهة الإرث الاجتماعي، الذي لايزال متصلا، والمتمثل في عقد المجالس الجماعية التي تمثل أروقة للتساجل والتزاور وتجول المداولات في مختلف الشئون المحلية. البرنامج من إعداد راشد نجم، وتقديم فايز السادة، وهو برنامج متوسط المستوى، أغنى الحصيلة العامة للإنتاج المحلي وإن لم يحقق الصدى الذي كان متوقعا، ربما لظروف شابت تركيبة البرنامج وتجانس فريق العمل فيما يبدو.

في الزوايا أيضا، عدد آخر من البرامج المحلية التي سعى تلفزيون البحرين لعرضها على المشاهد، فهناك مجموعة من البرامج الدينية، تراوحت بين برامج طعمت بطاقم من الشباب كالمخرجة مريم الذوادي والمقدمين أحمد علي وحمد فاروق في «عالي بأفعالي»، وبرامج دينية مزيج من الخضرمة والتجديد كبرنامج جمال الشوملي «هذا ديننا» الذي بادر إلى خطوة سرعان ما طمست، وهي إسناد مهمة تقديم البرنامج إلى مذيعة شابة، إلا أن الأجواء التقليدية جدا في التقديم والإخراج والسينوغرافيا واختيارات الضيوف قد قضت على أية إمكانية واعدة. وجاء برنامج «جائزة الابن البار» الذي يقدمه الشيخ خالد الشنو، والمنتج في الكويت، في صورة معقولة لجهة اختيار المواضيع وتقنيات تجهيز الديكور والاستوديو وحركة الكاميرا وجرافيك المقدمة والخاتمة.

المقترحان اللافتان بشدة في باقة شاشة البحرين الفضائية لهذا العام، بشكل خاص، هما الفاصل الذي يمزج الموسيقى بالكاليغرافي: «رمضان إيناس ورضا»، الذي تم اتخاذه كثيمة لحزمة ما اختاره التلفزيون للمشاهد، والأذان الذي تم تنفيذه بالأبعاد الثلاثية 3D من قبل الفنان خالد المحرقي، بخمسة سيناريوهات مختلفة بحسب أوقات الأذان في اليوم والليلة.

اجتمعت للفاصل «رمضان إيناس ورضا» عوامل نجاح متضافرة، تمثلت في الكلمات المعبرة المناسبة التي قدمها الشاعر الغنائي حسن كمال، وهي كلمات بسيطة من نمط السهل الممتنع، وقد تجسدت، أيضا، في انزياح ذكي ارتكبه الملحن اللبناني القدير أحمد قعبور، حيث خرج باللحن من أجواء الإيقاع الرمضاني المعتمد على توقيع دوري تراثي منتظم عادة، إلى نمط «المارشات» العسكرية عالية النبرة، والمعتمدة على كورال جماعي بوتائر ذات صليل وتعبئة محتشدة وضاجة. ولعل هذا ما أمن للفاصل روحا مغايرا يعلق بالذاكرة سريعا ويفرض شخصية مميزة خارج نطاق المتشابهات التي تتكئ على الحلول الموسيقية المستريحة نفسها، والمرتبطة بالأداء الديني الرمضاني الوجداني القائم على التكرار. وساهمت خطوط الفنان سلمان أكبر التي نظمت مفردات «رمضان إيناس ورضا» في شكل هلال بادي الصلة برمضان وإقمار لياليه، مع وداعة اللون الليلكي المريح بصريا في الخلفية، ومن خلال تحريك الجرافيكس الراقص للفنان يوسف القصير.

أما الفنان خالد المحرقي فقد قدم جهدا ابتكاريا استثنائيا في شرائط الأبعاد الثلاثية لرفع الأذان في مواقيت الصلاة، فهو قدم كل أذان بسيناريو مختلف يراعي حركة الإضاءة والمؤثرات البيئية المتصلة بالحرارة أو الرطوبة أو حركة الشمس وأوقات الزوال. والجهد المبذول في العمل يتعدى تقديم مهارة تقنية في التحريك والتركيب وفنون إعادة الخلق وزوايا التجسيم والمساقط والتخييل، فالتركيز المنصب على استعادة صورة مسجد الخميس مبن على بحث تاريخي وانثروبولجي متئد وصبور، حاول أن يستفيد من كل المعطيات المتناثرة لتجميع أرضية من البيانات يمكن الانطلاق منها لتصور بناء المسجد تاريخيا وعلاقته بالبيئة المحيطة. وقد مس هذا التدقيق والسير وراء المعلومة مختلف جوانب العمل، واضطر الفنان المحرقي إلى عمل «هوم ورك» ضخم، راجع فيه الوثائق والمتاحف وعددا من الباحثين التاريخيين للاتكاء على نظرية ملائمة. وحتى أداء الأذان الذي قدمه المنشد وليد الحمادي، خضع لنقاش مستفيض بين الاثنين قبل الاستقرار على واحدة من الصيغ العديدة التي تم تسجيلها، حيث جرى الاتفاق منذ البداية على البحث عن صيغة بحرينية طرية يمكن أن تتماثل مع أذان «نقي» مرتجل، خال من العُرب والانتقالات المقامية المبالغ في حلياتها وقفلاتها.

العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً