من منا لم يسمع بـ «حلف الهوامش»؟ حسنا... تدل الحقب أحيانا على مفاعيل زمانها، والعكس صحيح. فحين تذكر الحقبة النازية أو الستالينية أو الروزفلتية فإنك تدرك في أي مكان من التاريخ أنت تتحدث. هكذا يجري المعنى الحقيقي لشئون السياسة.
تشكل حلف الهوامش على يد بن غوريون قبل ثلاثة وخمسين عاما. أعضاؤه كانوا (بالإضافة إلى الكيان الصهيوني) إيران (الشاه) وتُركيا (غورزال/ بايار) وإثيوبيا (هيلاسي لاسي). وهدف المؤتلفون لمناهضة الحكم الناصري والمد الشيوعي في المنطقة.
اليوم لم يبقَ للحلف المذكور من دواعي بقاء تذكر. فالدول العربية في غالبيتها تتجه نحو السلام والمصالحة مع الكيان الصهيوني. والشيوعية تحللت كقوة ونظام ونظرية من على وجه العالم لتصبح تراثا مركونا.
ومكونات الحلف تغيرت، فطهران أصبحت دولة دينية ثورية بعدما كانت علمانية شاهنشاهية. وتركيا بدأت تتخفف من علمانيتها المتطرفة، وأصبحت تدار من قبل حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الدينية وليس من إفاضات جلال بايار أو جمال غورزال أو حتى جودت سوناي.
في حال إثيوبيا الأمر مختلف؛ فإن ذهب هيلاسي لاسي وجاء منجستو هيلا ميريام، أو رحل الأخير لصالح ميلس زيناوي فإن الموضوع الإثيوبي يمكن تكييفه طبقا لحاجات هذا البلد الإقليمية والاقتصادية وحتى الأمنية الملحة. وهكذا كان.
هنا يمكن أن تفسر زيارة وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان لأديس أبابا من هذا الباب، مصحوبة بوقفة ليست خاطفة أمام الأهمية الاستراتيجية لهذا البلد الإفريقي، الذي لم يتجاوزه التاريخ منذ زمن سحيق.
وصل ليبرمان إثيوبيا في زيارة قارية لإفريقيا تشمل (بالإضافة إلى أديس أبابا) كلا من أنغولا ونيجيريا وأوغندا وكينيا، تستغرق عشرة أيام. وهي أول زيارة لوزير خارجية صهيوني لهذا المكان من العالم منذ أزيد من عشرين سنة.
في مسحٍ جغرافي لهذه المنطقة سيتبين الآتي: بالنسبة إلى إثيوبيا يمكن التمركز على هضاب القرن الإفريقي لمراقبة الصومال الذي ينشط فيه الإسلاميون، وفي الشمال الغربي يمكن ملاحظة الجنوب السوداني جيدا، والأهم من كل ذلك هو الاتصال بيهودها الفلاشة الذين يشكلون 18.5 في المئة من يهود الكيان الصهيوني.
وفي حالة أنغولا ينفتح الباب أمام الصهاينة بأن يمخروا في المحيط الأطلسي من خلال برٍّ آمن لمراقبة الملاحة فيه، وخصوصا شحنات السلاح، وأن يتمتعوا بموارد طبيعية ليس أقلها النفط والماس واليورانيوم والذهب والحديد الخام.
وفي حالة نيجيريا سيمنح الصهاينة فرصة أخرى لمراقبة الخليج الغيني، وأيضا (وهو الأهم) مراقبة الجاليات العربية في تلك المنطقة، وبالتحديد اللبنانية التي تتهم بأن سوداها الأعظم هناك هو نصير لنشاط حزب الله في لبنان، ويُمارس الأخير من خلالها نشاطه الدولي.
في حالة أوغندا سيكون للصهاينة موطئ قدم مربح في شرق إفريقيا الوسطى حيث مركز منطقة البحيرات العظمى أو محيطها. وهي نقطة التقاء مع النشاط الأوروبي، وبالخصوص الفرنسي الساعي إلى جانب واشنطن إلى تشييد مشروع القرن الإفريقي الكبير، بعد انفصال جنوب السودان.
أما في كينيا فإن الفسحة قائمة لهم لإطالة النظر ومدِّهِ نحو المراقبة الملاحية في المحيط الهندي عبر الحدود الشرقية لهذا البلد، وأيضا مراقبة الوضع السوداني والصومالي، والوصول إلى بحيرة فيكتوريا. إنها فُرص استراتيجية خاصة.
هنا يُطرح سؤال مهم: أين النشاط العربي والإسلامي الملموس في هذه المنطقة (باستثناء النشاط الليبي والإيراني) حتى مع وجود سلام عربي صهيوني. فعملية السلام تلك لا تمنع من إقامة سياجات إقليمية حليفة لمواجهة الأخطار.
حتى الدول الأوروبية التي يجمعها اتحاد عضوي تمارس سياساتها في العالم من خلال علاقات نديَّة. ليس المطلوب فقط علاقات عربية إفريقية (مُنفردة) وإنما المطلوب علاقات عربية إفريقية متكاملة تكون بحجم حضور الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو أعداء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ
مقال نوعي
مقال مفيد يا أستاذ محمد