العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ

البحرين «المشكلة المركبة» وفرص الحلول الضائعة!

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

علم المنطق، علم منهجية التفكير وإعمال أداة العقل، تسجل فيه ظاهرة من ظواهر سلوك التفكير البشري، ظاهرة الجهل المركب، فالجاهل الذي لا يشعر بجهله أو ينكره، فيعد نفسه عالما، يكون جهله مركبا من جهلين، جهله بالموضوع أو بالحكم، وجهله بكونه جاهلا، ومن هنا نشأ مفهوم الجهل المركب، وبمقاربة هذا المصطلح المنطقي، بما يطلق عليه هنا بـ «المشكلة المركبة»، يمكن القول، إن المشكلة المركبة هي تلك المشكلة الموجودة، ولكن لا يوجد إقرار بوجودها فتكون بذلك مشكلتان، مشكلة وجود المشكلة، ومشكلة عدم الاعتراف بوجودها، فهي بذلك «مشكلة مركبة»، وهذه الحالة تعد واحدة من أكبر العوائق التي تقف حائلا أمام إمكان الخروج من الطوق الضارب حول المشكلة والمانع لحلها.

ومن هنا لابد من الإشارة إلى أن وجود المشكلات في النظم السياسية وتجذرها أحيانا، يعد أمرا طبيعيا واعتياديا، فما من نظام سياسي إلا ويعاني من مشكلة أو مشاكل، فنجد من المشكلات التي تعاني منها الأنظمة ما يختص بالحالة السياسية ومنها ما يختص بالوضع الاجتماعي ومنها ما يتعلق بالاقتصاد والمعيشة، ومنها ما يختص بالاستقرار الأمني الداخلي أو الخارجي المهددان لكيان السلطة أو المجتمع أو الأرض أو السيادة أو جميعها، ومنها ما يتعلق بالتنمية والتطوير ومنها ما يختص بالبيئة والموارد ومنها ما يتصل بالخلافات الاقليمية بين الدول وجيرانها، وهلم جرا، ولكن وجود المشكلة شيء، والاعتراف بوجودها شيء آخر؛ ومن هنا فإن الاعتراف بها يمهد لوضعها على طاولة التداول والنقاش والبحث عن حلول على الدوام، وتوجيه أجهزة الدولة ومواردها البشرية والمادية في مسارات البحث عن الحلول والمعالجات، يقود للوصول إلى مخارج عبر خطط استراتيجية أو تكتيكية تقود إلى حالة من الاستقرار والثبات نحو طريق التنمية المستدامة.

وفي حالتنا البحرينية فإن الهروب إلى الامام - أي القفز فوق المشكلات وتجاهلها بدلا من مواجهتها وإعمال أدوات حلها - والاستغراق في إطلاق التصريحات الرسمية، بأن كل شيء على ما يرام، ولا ينبغي القلق والخوف، وأن الوضع القائم مطمئن ويبعث على التفاؤل، كل ذلك هو ما التزمت السلطات بالإفصاح عنه وتكريره، دون أدنى إشارة الى الاعتراف بوجود مشكلة أو مشكلات حقيقية، حيث إن الاعتراف بها ليس عيبا والإفصاح عنها بشجاعة يمثل حالة صحية، أما إنكارها وتجاهلها يتسبب في حالة من الاسترخاء الرسمي، فتكثر بذلك من الوصفات المسكنة والمهدئة، وهو ما دأبت عليه وبرعت فيه السلطات التنفيذية على مدى أكثر من ثلاثة عقود. هذه الحالة تمثل مصداقا لما نطلق عليه أن المشكلة في البحرين «مشكلة مركبة».

أزمة الثقة بين السلطة والمجتمع مشكلة مسكوت عنها، سياسة التجنيس التي تلقي بظلالها الثقيلة على المواطنين في جانب الموارد، والخدمات، والأمن، والهوية والانتماء وغيرها، هي الأخرى مشكلة خطيرة، الأزمة الإسكانية مشكلة خطيرة أيضا لا تقل عن سابقتها، بل قنبلة موقوته، هيمنة أفراد من العائلة الحاكمة على مراكز صنع القرار بل واتخاذ القرار كالسلطة التنفيذية والأجهزة المساندة بل وأجهزة لا يطالها القانون تعتبر واحدة من المشاكل، الطوق المضروب على السلطة التشريعية المفضي إلى تقييدها ومنعها من ممارسة التشريع الحقيقي والمراقبة الفاعلة التي تكرس لواقع اجتماعي سياسي متقدم، مشكلة ضاق المجتمع بها ذرعا.

عدم توازن توزيع الثروة بشكل رسمي أو غير رسمي، أي تخصيص موازنات عالية للمصروفات العسكرية والأمنية على حساب التنمية البشرية والخدمية، وغير الرسمي متمثلا في وصول الثروة لمن لهم حظوة ومقربين من الحكم وهم القلة، وحرمان السواد الأعظم من هذه الثروة تعتبر مشكلة، لم يعترف بها بعد؛ وأم المشكلات التي تعاني منها الحالة البحرينية هي أن السلطة السياسية مقتصرة على النخبة الحاكمة، ولا مجال لمشاركة النخب الشعبية لا في صنع القرار ولا حتى في اتخاذ القرار.

ومن هنا فإن الاعتراف بهذه المشكلات وغيرها، يمكن اعتباره جزءا من حلها، واقتراب بدرجة من درجات الميل نحو إحداثيات الطريق الأنسب لتصحيحها، أما تجاهلها وعدم الاعتراف بها فإنه يكرس لتفاقمها، ويجعل مفهوم «المشكلة المركبة» أمرا واقعا في بلادنا الصغيرة الجميلة.

مقولة جميلة يرددها خبراء معالجة المشكلات وهي «إن لكل مشكلة حل، وفي كل حل تبرز مشكلة» وهذا ما يجعل خيارات حل المشكلات ومعالجتها أمرا معقدا لدى صانعي القرار أو الذين يتخذون القرار، إذ ينتابهم الخوف من الفشل في الانتقال من الأسوأ إلى الأفضل، أو الخوف من الوقوع تحت ضغط تحمل مسئولية القرار الذي تم اتخاذه، ولكن الفرص كبيرة أمام حلول المشكلات في مجتمعنا السياسي، وأكثر الفرص حظا ونصيبا من الرضى الجمعي هي تلك التي تفسح المجال لمكونات المجتمع للمشاركة في صنع القرار واتخاذ الأنسب منه لحل المشكلات السياسية في المجتمع، إذ إن المشاركة في صنع القرار أو اتخاذه تفرض الاشتراك في تحمل نتائجه.

أما ضياع الفرص ومرورها دون اقتناص، فإن المشكلة رغم كونها مركبة، فإنها ستزداد تعقيدا في تركيبتها، لا تقل عن حالة تساقط قطع الدومينو التي تتتابع حالات السقوط الرتيب بمجرد سقوط القطعة الأولى ولن تتوقف حركة السقوط إلا عندما تصل حالة الارتداد إلى آخر قطعة.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً