العدد 2560 - الثلثاء 08 سبتمبر 2009م الموافق 18 رمضان 1430هـ

الطبعة... سيناريو فيلم آخر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كارثة «طبعة البلاد القديم»، التي نبش أوراقها الوكيل السابق لوزارة الصحة عبدالعزيز حمزة، لا ينقصها شيء لتتحوّل إلى مشروع فيلم سينمائي عظيم.

الوكيل بعد ستين عاما، أعاد الواقعة إلى الحياة، وجعلها محور اهتمام عام، وخصوصا لدى أبناء منطقتنا المنكوبة (البلاد القديم)، التي كانت عاصمة للبحرين حتى قبل ثلاثة قرون، حين نقلها حاكم هرمز إلى عاصمتنا الجديدة (المنامة).

حين غادرت الخيمة حيث جرى تدشين الكتاب والفيلم، كان من أول من لقيتهم امرأة كبيرة في السن، فسألتها عن الطبعة، فابتسمت وقالت: «كنت صغيرة». قلت: «أين كنتِ عندما سمعتِ الخبر»؟ قالت: «كنت أجلس قرب امرأةٍ تطحن الحب، وكنت أشاغبها وأنا أحاول تعلّم الطحن ولكنها كانت تبعدني عنها. في تلك الساعة سمعنا الخبر وأخذنا جميعا بالبكاء من شدة الخوف».

وبحسب رواية جارتنا أنهم ظلّوا يُخرجون الجثث لمدة ثلاثة أيام، وبعضها كانت مشوّهة لأن السمك نال منها. وظلّ الموضوع يثير المزيد من الأسئلة لديّ، إضافة إلى علامة تعجب كبرى لعدم سماعي أي رواية أو سرد في محيط عائلتي، وتذكّرت أن عائلتي الصغيرة لم تتكوّن إلا بعد عشر سنوات على الأقل، وأنها لم تهبط من المنامة إلى البلاد القديم إلا مع مطلع الستينيات.

ما عمله المؤلف ومخرج الفيلم، عملٌ تاريخي كبير، وخصوصا أننا أمام فاجعة كبرى أصابت إحدى بقاع الوطن فأوجعتها طويلا. الكتاب لم يُوزّع في الحفل، ولكن الجمهور اطلع على الفيلم الحزين، الذي جاء أقرب إلى النعي، وسيطرت على الجزء الأكبر من مقاطعه أبيات النعي والموسيقى الحزينة. وهو عملٌ جيدٌ ومقدّرٌ بمراعاة مأساوية الحدث، وكمرحلةٍ أولى ضروريةٍ من التوثيق، وخصوصا أنها كانت ساقطة من التدوين على المستوى الأهلي والرسمي. بل إن المستشار تشارلز بلغريف الذي كان يحكم البحرين ويدوّن بدقةٍ كل شاردة وواردة، فإن أرقام الضحايا الواردة في قصيدة الملا عطية الجمري كانت أدق منه.

في كارثة «سفينة التايتنك» العملاقة، بقيت قابعة في قعر المحيط الأطلسي ثمانين عاما، حتى تهيّأ لها باحثون أعادوا بعث قصتها للحياة، وأصبحت مثار اهتمام عام. وتلقفتها السينما حتى أخرجت واحدا من أعظم الأفلام التي أنتجتها صناعة الفن السابع، وهكذا تفعل الشعوب الحيّة التي تحافظ على ذاكرتها بجانبيها المفرح والحزين.

اليوم، أعتقد بأن الوكيل حمزة والمخرج الشاب قطعا نصف المسافة، ووفّرا مادة تاريخية خاما للقصاصين وكتّاب السيناريو. وهما لا يدّعيان الكمال ووضع النقاط الأخيرة على الحروف، وإنما تركا الباب مشرعا لمن يريد إكمال المهمة. فما كان ينقصهما من معلوماتٍ حاولا تعويضه بالرسوم، وبعض اللقطات التمثيلية والصور المنتقاة.

قبل ثلاثة أعوام، أتحفنا المخرج المبدع بسام الذوادي بفيلمه الجميل «حكاية بحرينية»، للكاتب فريد رمضان، ونقل لنا خلفية غنية عن أوضاع مجتمع البحرين في الستينيات، بتقاليده وأوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهل سيمر وقت طويل، حتى يخرج كاتبٌ بسيناريو جميل يعيد بعث حكاية بحرينية أخرى، ليتلقفها مخرجٌ مبدعٌ يخرج من بين أحضان هذا الوطن الجميل؟ فكل العناصر الدرامية متوافرة، القصة الإنسانية، الحدث، ولا ينقص إلا التفاتة وعزم المبدعين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2560 - الثلثاء 08 سبتمبر 2009م الموافق 18 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:38 م

      أهمية التوثيق 2

      وهناك تساؤل لماذا تأخر التوثيق والعرض كل هذة السنوات الطويلة ولماذا لم يبادر أحد ممن عاصر هذه الكارثة أو من الصحفيين على جمع المعلومات واجراء المقابلات مع الناجين من الحادث؟ نشكر الدكتور عبدالعزيز حمزة و جهد مثمر تشكر عليه سيد ولكن أين مقالاتك بمناسبة استشهاد الأمام علي عليه السلام والتي كنا ننتظرها في هذه الأيام الحزينة من شهر رمضان.

    • زائر 4 | 4:27 م

      أهمية التوثيق

      لسنوات طويلة كنت اعتقد إن سنة الطبعة يقصد بها غرق مجموعة كبيرة من الغواصين الذين كانوا يدخلون البحر من أجل صيد واستخراج اللؤلؤ حتى إن المسلسلات الكويتية التي تحكي عن أيام الغوص وغرق بعض السفن رسخ عندي هذا الاعتقاد إلا أن جاء هذا التوثيق ووضح لنا قصص كنا نسمعها ولم نكن نفهمها بها بعض الغموض وكانت الأمثال الشعبية تضرب لكل شيء قديم لا جدوى منه "انه من سنة الطبعة".

    • زائر 3 | 7:49 ص

      نتمنى ذلك

      نرجو إتمام العمل ورعايته بشكل رسمي حتى يستوفي جوانب أكبر ، وذلك نظرا لتسهيل الإجارءات وتوفير مصادر أكبر للإنتاج السينمائي حينما يكون برعاية سامية

    • مجرد سراب | 6:10 ص

      ولكن للحكاية سراب؟!

      ولكن يا استاذي هل نحن حقا شعوب حية ام ينقصنا الوعي , فكانت سفينة تايتنك بنقطة تحول في النمط الحديث الى العصري القديم. نعم يكون الانتاج عظيما عندما تكون القصة عظيمة وهنا يمكن ان يكون الابداع اما اذا كان العكس فمن يتحمل المسيئولية يا ترى والحقيقة المغيبة ضائعة بين طيات الكتاب والمنجين والمخرجين ..اخ. فاتمنى ردك كيفية تحول الواقع سواء اكان حزين ام مفرح الى عمل يكون قد وضع بصمة على القلوب.

    • زائر 1 | 4:04 ص

      تايتنك البحرين...

      هل هذه مايسمونه اهل البحرين سنة الطبعة ... اذاك كان كذلك فهي موجودة في ذاكرة البحرينين واصبحت كلام الأوليين آنذاك.

اقرأ ايضاً