العدد 2560 - الثلثاء 08 سبتمبر 2009م الموافق 18 رمضان 1430هـ

( رسائل القراء ):هل لنا نصيب من مشروع «تصويم فاطر»؟

يتميز شهر رمضان المبارك عن بقية الشهور في المعنى العام أنه شهر العبادة، وشهر الصيام والقيام، وعليه يقوم كثير من الناس في هذا الشهر الفضيل بأعمال متميزة، ولعل السنوات الأخيرة برز بشكل لافت مشروع إفطار صائم، وتقوم بعض المساجد والجمعيات الخيرية، وبعض الميسورين على رعاية هذه العادة السنويّة.

تحكي المرويات عن الأجر الكبير لمن يُفَطِر صائما مؤمنا، وتؤكد على الأجر المضاعف لمن يسعى في إفطار المؤمنين، والوعود بالتعويض يوم القيامة بأضعاف ما بذلوه من نفقّة، لذلك يسعى ويحرص الكثير لإحياء هذه العادة كل سنه.

ولاشك في أن إفطار الصائمين المؤمنين له من الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولكن إذا تحققت الغاية من ذلك الإفطار، إذ كان مقصد تلك المرويات التركيز على الصيام وليس على الأكل والشرب.

يحسب الأجر في الأعمال على أساسيين رئيسيين الأول خلوص النية لله تعالى، ومن ثم تحقيق الغاية من العمل، وإن كانت صدق النوايا هي العماد، خصوصا إذا عرفنا أن بعض الأحكام ليست موقوفة لزمانها، لأن ما يلزمنا منها المقاصد التي علينا إحرازها، فلكل زمان ظرفه الذي يناسبه من الأعمال.

ولو رجعنا إلى زمن تلك المرويات وتفقدّنا أحوال الناس، لوجدنا أن إفطار الصائمين هي بمثابة التكريم للصائم، خصوصا وأن الصيام بمفهومه يحمل كثير من المعاني، لأن حكمة الصيام ليست متفردة بالصيام عن الأكل والشرب.

صحيح أن تعريف الصيام هو الإمساك عن المطعم والمشرب، إلا أن العبرّة والغرض لا يتحقق بالإمساك عنهما فقط، بل يجب أن يفهم الصائم الغاية من هذه الفريضة، فالصيام له عدة أبعاد يجب على المرء أن يحوزها، وإلا لأصبح الصيام مجرد جوع وعطش لا ينال البعض منه إلا العناء، كما قال الرسول(ص) (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش).

ولأن الصيام هي عملية تهيئة للنفس وترويضها على لجم جموحها، من هنا حينما يقال إن الصيام هو صيام الجوارح، وصيام اللسان عن اللغو (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، والصيانة السنوية للنفس ومراجعتها، وتهيئتها لإصلاح ما فسد من عامها المنصرم، من ذلك فإن ليلة القدر في شهر رمضان هي ليلة فارقة في عمر الإنسان، ووقفة للتأمل وتحديد الأولويات التي ينبغي على الإنسان الصائم تحقيقها وإحرازها في سنته إن كان له عمرا جديدا.

لكل تلك الاعتبارات يجب أن نفهم أن لكل زمان ظرفه، فإن تغيّر الظرف يظل المقصد من أي عمل هو المعيار، فلما كانت الناس تفعل سُنة إفطار صائم، فما هي إلا إكرام للصائم الصائن للنفس، ومن ثم هي عملية محاكاة مصغرّة لفوز الصائمين حقا في اليوم الآخر، ولأن زمن المرويات كانت الناس في عسرة من حالها، لذا كان شهر رمضان فرصة عظيمة للتكافل الاجتماعي من هذا الباب، ومشاركة المحرومين والمستضعفين في الشعور بأحوالهم، والإحساس الفعلي بما يعانونه تحت ضائقة الفقر والجوع.

ليست هذه دعوة لأن تلغى فكرة إفطار صائم، لكن يجب أن يتحقق الغرض منها، وتُقننّ وتصب الموارد التي تنفق عليها في أعمال أكثر نفعا، إذ إننا لا نعاني ولله الحمد كما تعاني بعض البلدان من أزمة الغذاء، كحال الصومال مثلا، وأفغانستان وبنغلادش، فمشكلتنا الأساسية هي افتقاد روح وجوهر الصيام، من أثر عمليات تجريده من هويته الأصيلة، وتهجينه وتغريبه من معانيه المعنوية، وحصره في ممارسات مادية.

إن الغاية المفقودة هي اختلاف بوصلة الصيام عن الوجهة التي وجهت إليها، وفقد الصائم كثير من المكتسبات، ولأننا نحتاج إلى عملية صياغة صحيحة لمفهوم الصوم، وعملية تركيز وشحذ الهمم على قيمة الصيام وليس على الإفطار، صوم عن المحارم والكف عن أذى الناس، صوم عن العداوة المذهبية، صوم عن التعرّض لأعراض الناس، صوم عن كل ما يحطّ من كرامة الآخرين، صوم عن المغريات المحرّمة، ليعود الصائم كما كان ويراد له، ولا يخرج من الشهر إلا وهو مغفور له.

طاهر عبد الكريم

العدد 2560 - الثلثاء 08 سبتمبر 2009م الموافق 18 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً