استضاف برنامج «شئون بلدية» الناشط البيئي وعضو التكتل البيئي البحريني غازي المرباطي للحديث بشكل عام عن ملف المخزون السمكي المحلي، إلى جانب أهم العوامل المتسببة في انخفاض المخزون سنويا، وأفضل الحلول التي تحول دون ذلك.
* غازي؛ كيف يرى البيئيون المخزون السمكي الحالي في البحرين؟
- طبعا نحن في البداية نشكر الإخوة في صحيفة «الوسط»، وخصوصا في برنامج «الوسط أون لاين» على هذه اللقاءات المثمرة ودائما.
يعاني المخزون السمكي في مملكة البحرين لعدة عوامل، ومنها عملية الردم التي تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة بسبب الدفان القائم والجزر القائمة، وهذا ما يترتب عليه العديد من الأمور السلبية على البيئة البحرية، و خصوصا أن عملية الردم تبدأ بتعكير مياه البحر ومن ثم تبدأ الأسماك والمخزون السمكي يتقلص، ونحن خصوصا في 2007 حذرنا من خلال التقرير الاقتصادي العربي الموحد الذي أشار إلى أن هناك تقلصا في حجم مخزون الأسماك في حوض الخليج العربي عندما، و التقرير بيّن أن استهلاك الفرد على سبيل المثال في مملكة البحرين مقارنة بالدول المجاورة، يضاهي عشر دول عربية، ففعلا ركز على هذا الأمر، وقال التقرير إن حجم المخزون المستهلك حاليا من حوض الخليج العربي يعد تقريبا قرابة الـ 165 طنا هذا بشكل سنوي، وباستطاعة الصيادين أن يرفعوا سقف المخزون إلى 216 ألف طن.
فبالتالي ليست هناك جهة رقابية تراقب حجم المستهلك من المخزون العام في حوض الخليج العربي الذي أثر بشكل مباشر على تقلص هذا المخزون، و خصوصا أن حجم المخزون المتكامل الموجود في حوض الخليج العربي يقدر بستمئة ألف طن، فبالتالي هذا تترتب عليه أمور كثيرة، ولاحظنا في الآونة الأخيرة أن هناك ارتفاعا جدا جدا غريب وارتفاعا تاريخيا في بعض الأنواع من الأسماك التي يقبل عليها المستهلك البحريني، على سبيل المثال الهامور حيث وصل الكيلو إلى 10 دنانير، وأيضا الصافي قفز قفزة تاريخية ووصل من دينارين إلى دينارين ونصف إلى 6 و7 دنانير. طبعا هناك عوامل أخرى وعملية التلوث التي دائما تتعرض لها البيئة البحرية خصوصا بيئة مملكة البحرين بسبب عملية إلقاء المخلفات، و خصوصا خليج توبلي الذي يصنف بأنه أكبر جهة ملوثة في مملكة البحرين، و خصوصا في البيئة البحرية، كذلك وجود بعض العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على تعكير المياه مثل مركز توبلي للصرف الصحي وأيضا بعض الشركات التي تحيط بوسط خليج توبلي.
* عند الحديث عن أبرز العوامل التي أسهمت في شح المخزون السمكي، هناك بعض الصيادين يتجهون إلى الصيد خارج المياه الإقليمية مثل السعودية أو المياه القطرية، هل هذا يعني أنه حتى في المياه العميقة للبحرين يوجد تلوث أو هناك تدمير للبيئة أسهم في حدوث هذا الشح؟
- طبعا نحن لا نستطيع أن نفصل المحيط الإقليمي لمملكة البحرين عن المحيط الذي يحيط الخليج العربي ككل، فهو حوض واحد وخليج عربي واحد، فبالتالي لا نستطيع أن نفصل. هناك مؤخرا كان في 2004 أواخر 2003 كان مؤتمر منعقد في إمارة دبي يتكلم عن مياه التوازن التي أقصد بها مياه ناقلات النفط، تكلم هذا المؤتمر وطرح أرقاما خطيرة وبيّن في تلك الفترة بأن مياه التوازن التي تحمل مركبات النفط وتحمل مخلفات مركبات كيماوية ومركبات مخلفات وإلى آخره يلقى سنويا في حوض الخليج العربي ما يقارب بين 140 إلى 150 مليون برميل سنويا في حوض الخليج العربي.
إذا، نحن نتكلم عن موضوع جدا خطير وربما في السنوات المقبلة تحدث كارثة جدا خطيرة خصوصا أن صنف حجم التلوث في حوض الخليج العربي بالنسبة للمحيطات وبالنسبة للخلجان الموجودة في الكرة الأرضية بأنه يأخذ 30 في المئة من حيز التلوث. تخيل هذا الحجم، وهذا ما دعا المنظمة الإقليمية للبحار (برومي) التي أكدت هذه النسبة المئوية، و خصوصا في حوض الخليج العربي ملوث بقرابة 30 في المئة. اليوم نحن نعاني في البحرين من تقلص مساحة المياه الإقليمية، وكنا نبحر في السابق في حوالي مساحة تقدر بـ 10 أو 12 ألف كيلومتر، اليوم تقلصت المساحة وباتت من 6,5 إلى 7 كيلومترات مربعة، أي فقدنا النصف من مساحتنا الإقليمية بعد التخطيط الذي صار مؤخرا ورسم الحدود بين الأشقاء في المنطقة فقدنا الكثير من مصادر إنتاج الأسماك التي تسمى بالعامية «الهيرات»، بعدما كان لدينا 14 مصدرا لإنتاج ولصيد الأسماك واليوم أصبح لدينا 4 مصادر فقط، فبالتالي نحن لا نستطيع أن نتحدث عن وجود محافظة على ثروة سمكية في ظل الوضع المزري الذي تعانيه البيئة البحرية، وفوق ذلك فإننا فقدنا مساحات كبيرة، لذلك نحن نعتقد بأنه يجب أن يعالج هذا الموضوع لكي نستطيع أن نتعامل مع ارتفاع الأسعار خلال السنوات المقبلة ولا نريد أن يخلو بحر المملكة من أصناف أسماك يرغب فيها المواطن البحريني.
* عند الحديث عن العوامل الطبيعية، يُفهم من كلامك أن لا علاقة مباشرة لها بهذا الموضوع، أم أن هذه العوامل لعبت دورا كما لعبت العوامل المصطنعة - إن صح التعبير - في شح المخزون؟
- طبعا هناك الكثير من التحذيرات التي تبنتها منظمات عالمية، حذرت بأن كوكب الكرة الأرضية عانى خلال المئة سنة الماضية من دمار شبه كامل في الكثير من البيئات سواء كانت الغابات أو بيئات الحياة الفطرية أو البحرية، تخيل الكرة الأرضية موجودة قبل ملايين السنين لم تتعرض لمثل هذا الدمار كما تعرضت له خلال القرن الماضي بسبب التدخل البشري.
نحن نعتقد أن ما يحدث في مملكة البحرين وفي بيئة البحرين بسبب التدخل البشري وعدم وجود تنمية صريحة وواضحة تخدم العنصر البشري، بل وعدم وجود نية لتسخير الثروات والطاقات الموجودة الطبيعية في مملكة البحرين لصالح المواطن البحريني، بل العكس سخر المواطن البحريني أو سخر العنصر البشري لصالح هذه الثروات.
العنصر الطبيعي أو العامل الطبيعي لا نستطيع أن نسلط الضوء عليه خصوصا بأننا دولة موسمية، نحن نعاني أحيانا من وجود كوارث طبيعية بسبب ارتفاع أحيانا درجة الحرارة، وأنا أتذكر في سنة 1997 ارتفعت درجة الحرارة ووصلت إلى معدل جدا كبير أثر هذا الارتفاع على الشعاب المرجانية وتعرضت إلى الموت، ولكن تستطيع الشعاب المرجانية في ظل وجود بيئة صالحة للنمو أن تنمو وأن تحيى مرة أخرى، على اعتبار أنها مواد حيوانية ووريقات تنمو تدريجيا.
ولكن هذه المراحل نحن نتجاوزها بين الفترة والأخرى، ونتعرض لها كل بين 10 أو 15 أو 20 سنة خصوصا أن لدينا موسما ترتفع فيه درجة الحرارة في أغسطس/ آب، وهذا الارتفاع في درجة الحرارة نستطيع أن نتحدث عن أسبوعين أو 3 أسابيع أو شهر في السنة، هذه لا يعرض البيئة البحرية لدمار كما يعرضها الدفان ورمي المخلفات وعدم وجود سياسة واضحة لعملية الحفاظ على هذه البيئة.
البيئة البحرينية هي أساسا انتعاش لهذا المخزون، فبالتالي إن لم تكن هناك بيئة خصبة منتجة لا نستطيع أن نتحدث عن مخزون سمكي استراتيجي وهو يؤمن لنا الأمن الغذائي الوحيد في مملكة البحرين. لا نستطيع اليوم أن نتحدث عن أمن غذائي في ظل وجود هذا التدمير، لا نخيل، لا مزارع، لا مياه جوفية، لا بحر فبالتالي كيف نستطيع أن نؤمن أمنا غذائيا للمواطنين خصوصا أن النمو السكاني في البحرين يزداد تدريجيا وسيصبح خلال السنوات المقبلة غير طبيعي.
* البعض يعوّل على الصيادين في طرق الصيد، في تدمير الهيرات، هل هذا هو سبب مقنع، على اعتبار أن الجهات الرسمية كانت تعول على هذا الاتجاه غالبا؟
- أحد أهم الأسباب هو وجود أحيانا وسائل صيد نصنفها نحن جائرة، ولكن استطاع التشريع في البحرين أن يعالج هذه الأمور، لا نستطيع أن نسلط الضوء عليها بأنها السبب الرئيسي، ولكن نحن اليوم تجاوزنا هذه المرحلة وبدأت المشاريع الاستثمارية العقارية اليوم تتجه باتجاه تدمير كل ما تبقى من بيئة بحرية، وخصوصا إنشاء المشاريع الكبيرة في أعماق البحار، اليوم عندنا جزر قد امتدت لعشرات الكيلومترات في أعماق البحر، هذه الجزر بحاجة إلى رمال، بحاجة إلى صخور. أين تذهب اليوم الحفارات والشفاطات، عندما تذهب على بعد 50 إلى 60 كيلومترا من ساحل الجزيرة الأم في عمق البحرين، يعني أنت تتكلم عن أن الحفارات وصلت اليوم إلى نهاية المياه الإقليمية لمملكة البحرين لجلب هذه الرمال، بعد سنوات أو بعد سنتين إلى 3 سنوات من أين نجلب هذه الرمال، بعد أن تم تدمير كل هذه المساحة التي لا تقدر سوى بـ 6 آلاف إلى 6500 كيلومتر مربع؟ لا تتحمل هذه المساحات الضيقة لجلب هذه الرمال التي تقدر بمليارات الأمتار المكعبة. نحن نوجه هذا السؤال إلى الدولة، نوجه هذا السؤال إلى المسئولين، أنت تتحدث عن خطة، خطة لخمسين سنة قادمة، خطة لثلاثين سنة قادمة، أنت بحاجة لمشاريع إسكانية قادمة، أنت بحاجة لزيادة الرقعة اليابسة، من أين ستجلب الرمال بعد قضاء هذه الرمال؟ الرمل ثروة، الرمل لا يمكن أن يبقى ويتراكم إلا بوجود فترة زمنية، الرمل لا يأتي من مكانه إنما ينتقل عبر تيارات المياه ويتجمع في مواقع معينة تختارها البيئة يتجمع ويأخذ عشرات بل مئات السنين حتى يتراكم.
العدد 2560 - الثلثاء 08 سبتمبر 2009م الموافق 18 رمضان 1430هـ