غياب التخطيط المنهجي والمدروس، مشكلة تعاني منها الكثير من الأجهزة الرسمية في هذا البلد، لذلك يلاحظ أن هناك تخبط في معالجة ملفات حساسة تمس المواطنين بصورة مباشرة، إما لوجود بعض الضغوط أو لإهمال أو تباطؤ في البحث عن حلول جذرية.
ولنا في قضية الصيادين مثال حي للتهاون أمام عمليات التجريف المستمرة لقيعان البحر، والتدمير العشوائي لموائل الأسماك، والتهجير القسري للأحياء البحرية من مواطنها الأصلية.
وكل ذلك من أجل عيون بعض المستثمرين ممن لا همّ لهم إلا النهوض الاقتصادي وجذب رؤوس الأموال على حساب الحفاظ على البيئة، وضمان أرزاق الصيادين، وحماية المخزون الغذائي.
والأدهى أن هؤلاء يؤكدون أنهم نفذوا دراسات بيئية تسمح لهم بعمليات الدفان لمشروعاتهم، ولكنهم لا يمتلكون الضمانات بعدم تدمير الشعاب المرجانية وقتل الكائنات البحرية، ولا توجد عليهم رقابة مباشرة من قبل الجهة الرسمية المعنية.
ندرك أن البحرين تشهد طفرة اقتصادية ملحوظة لكونها تحتل موقعا استراتيجيا مهما من الخليج، وهناك حاجة إلى خلق فرص وظيفية جديدة للعاطلين عن العمل من خلال إقامة المشروعات ذات عائد مجزٍ، غير أن ذلك يجب أن لا ينسينا قضيتنا الأساسية، والمتمثلة في إدخار الثروات الطبيعية كرصيد للأجيال المقبلة التي سنكون مسائلين أمامها عن موقفنا من أعمال الهدر المتواصلة التي تجري حاليا.
نؤمن أن ثقافة الاعتصامات تعد وسيلة لإيصال الصوت والضغط باتجاه تحقيق المطالب، ولكن في الوقت ذاته نرى أن هناك قلوبا بنيت حولها حيطان، وآذان صمها الحجر تجاه اعتصامات الصيادين المحترفين المتكررة، والندوات الحوارية المتواصلة لتسليط الضوء على معاناتهم.
ولم تبادر أية جهة رسمية للاعتراف بتقصيرها أو عجزها عن إيجاد الحلول، كما لو أننا نعيش في وسط المدينة الفاضلة التي لا يمسها الخطأ أو الإخفاق.
وما يؤسف له أن الأخطاء تترك للزمن ليتكفل بعلاجها وتطبيبها، ما يؤدي إلى خلق مشكلة جديدة تجرنا إلى الخلف بدلا من أن تدفعنا قدما للأمام، فملف الدفان لا يزال عالقا وربما مغيب، وكذلك مشكلة بقايا مياه الصرف الصحي التي تلقى في جوف خليج توبلي يوميا، حتى بدا مشهد الأسماك النافقة الطافية على سطح البحر منظرا مألوفا اعتاد عليه الناس، وما عاد يلقى منهم استغرابا أو دهشة، سوى تخوفهم على صحتهم من تناول أسماك ملوثة.
أما الاستغراق في تشكيل اللجان الحكومية والبرلمانية، فأثبت أنه مجرد إجراء شكلي غير مؤثر، إذ إن الاجتماعات الممتدة على مدى أشهر، والزيارات الميدانية المباشرة، والتوصيات المعلمة باللون الأحمر، لم تخرج بأي قرار فعلي ملزم، وبالتالي ما هي إلا تطمينات وامتصاص لحالة من الفوران التي صاحبت المطالبة الشعبية بتصحيح الخلل.
والاستعانة بالخبرات والشركات الأجنبية لتوفير الدراسات البيئية، وإعداد الخطط اللازمة لإعادة إحياء ما أفسده البشر، هو هدر إضافي لأموال يمكن الاستفادة منها في الاستزراع السمكي أو إنشاء محطة جديدة للصرف الصحي للتخفيف من الضغط الذي تعاني منه المحطة الوحيدة الحالية، ففي الغالب تركن هذه الدراسات في الأدراج حتى يعلوها الغبار.
وفي ظل تعذر الوزارات بتداعيات الأزمة المالية العالمية وشح الموازنات، وسياسة الحد من المصروفات التي تنتهجها الحكومة، فإن مشروعات إصلاح الوضع البيئي للبيئة البحرية ستبقى عالقة لسنوات أخرى.
والتعويضات التي تخصصها الشركات الكبرى للبحارة للتخفيف من حدة الأضرار التي لحقتهم، لن ترمم موئلا أو تبني مواطن للأسماك، فالحال سيبقى على ما هو عليه بعد أن تنفق الأموال على احتياجات البحارة المعيشية، وبعد وقت قصير سيجدون أنفسهم عادوا إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2559 - الإثنين 07 سبتمبر 2009م الموافق 17 رمضان 1430هـ
الهدهد
ارجوا ان تضعوا بحوث اكثر ليستفيد الكل