في ليلةٍ رمضانيةٍ تاريخية الطابع، استقبلت البلاد القديم مساء الأحد الماضي، حشدا من الضيوف والوجهاء والأهالي، في حفل تدشين كتاب وفيلم «طبعة البلاد»، لوكيل وزارة الصحة السابق عبدالعزيز حمزة.
المؤلف أثناء إعداده لكتاب «دموع على جزيرة»، عن أبرز الكوارث التي وقعت في البحرين، اصطدم بكارثةٍ هزّت مشاعره بعد ستين عاما من وقوعها، فأثارت لديه الرغبة بالبحث عن تفاصيل الحادثة، التي بخل عليها التوثيق بمساحة تتناسب مع ما اكتنفته من حزن وألم وأسى كما قال.
الأمسية أثارت الكثير من الأشجان لمن عاصروها من كبار السن، وقدّمت لوحة شبه متكاملة للمهتمين بالتاريخ والتراث، ولمن سمعوا نتفا متفرقة عنها من أمثالي. فقد كانت كارثة كبرى هزّت البحرين، أودت بحياة 41 من النساء والرجال والأطفال من منطقةٍ سكنيةٍ محدّدةٍ في قريةٍ مزدهرةٍ كالبلاد القديم.
المجموعة ركبت البحر إلى جزيرة النبيه صالح يوم الجمعة السادس من مايو/ أيار 1949، في سياحية دينية داخلية كانت رائجة آنذاك، للمساجد والمواقع التاريخية. فإلى جانب الترفيه، هناك الصلاة والأدعية وتقديم النذور في مناسباتٍ معينةٍ كالختان أو البلوغ أو ختم القرآن، أو بقاء الطفل حيا، في زمنٍ كانت نسبة وفيات الأطفال والأمهات عند الولادة مرتفعة، بسبب ضعف الرعاية الصحية وبدائية طرق التوليد.
الرحلة كانت في يوم ربيعي، فسار المركب سيرا حسنا، والركّاب في غبطةٍ من أمرهم، يردّدون جلواتٍ يقول مطلع أحدها بلغة شعبية طريفة:
جينا إليك يا نبيه صالح..... إنت حلو والبحر مالح!
المركب الصغير كان محمّلا فوق طاقته من الأمتعة والركاب، الذين رفضوا عرض الملاح بنقلهم على دفعتين، خوفا من فوات جزءٍ من اليوم، ولم يكونوا يدركون أن القدر يخبئ لهم يوما طويلا حالك السواد. ولما قطع ثلاثة أرباع المسافة غيّر مساره لينزل قريبا من المسجد الشهير بالجزيرة، في هذه الأثناء هبّت فجأة ريحٌ عاصفٌ فأطاحت به وقلبته رأسا على عقب. النساء اللاتي يرتدين ملابس أكثر وأثقل من الرجال، كن أكثر الضحايا، وخصوصا أن بعضهن وقعن تحت الشراع فانحبسن تحته فعجّل ساعة الفراق.
الركاب كانوا في حدود الثمانين، نجا منهم النصف، من بين هؤلاء فتى صغيرٌ مكفوف البصر، تشبث بقطعةٍ من الخشب، وشاء له القدر أن ينجو، لينشأ لاحقا خطيبا اشتهر بصوته الجهوري، هو الملا عبدالله أبوطاهر، ظلّ يرتقي المنابر الحسينية عشرات السنين حتى توفي قبل سنوات. كما كان من الناجين طفلةٌ رضيعةٌ هي الآن في الستين، تدعوك قصتها للتأمل في الآية الكريمة: «وكان أمر الله قَدَرا مقدورا».
أحد الناجين أيضا، اسمه حسن الستراوي، ألقى كلمة صوّر فيها أجواء تلك الكارثة، التي ضربت تلك القرية الوادعة، وتركت فيها ندوبا عميقة، ظلّت تتذكّرها بعد سنوات وسنوات، حتى باتت تؤرّخ بها مواليدها وزواجات شبابها وسفرات أهلها. وبينما أصابت الكارثة أفرادا من عوائل معينة، كالجزيري والشعباني والسيهاتي والستراوي والتاروتي وبن عبود، إلا أن الأكثر إيلاما في الفاجعة أن بيوتا عدّة أُغلقت تماما لوفاة عوائل بأكملها.
أهالي البلاد القديم، برجالاتها ومثقفيها وأجيالها الطالعة، يشعرون بالامتنان الكبير لما قام به المؤلف ومعاونوه من جهدٍ توثيقي كبير، يحفظ به جزءا من الذاكرة الوطنية المنسية، ويبادلونه مزيداَ من الحب والتقدير.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2559 - الإثنين 07 سبتمبر 2009م الموافق 17 رمضان 1430هـ
الله يرحمههم
انا لله وانا اليه راجعون حقا انها حادثة مؤمله
شكرا لك وللمؤلف على التوثيق
نحلم بيفلم انساني
كنا ننتظر تعليكم سيدنا عن الموضوع، تصور سيد ان النسوة الكبيرات في السن اللواتي حضرن امسية عرض الفيلم تعالت اصوات بكائهن اثناء استعراض تفاصيل الحادثة وذكر اسماء الغرقى ، لقد كنا نسمع بعض التفاصيل من ابائنا وامهاتنا في قريتنا البلاد لكن رؤية الفيلم الوثائقي وسماع بكاء النسوة تلك الليلة كان له اثر كبير في نفوسنا . ولا ننسى الشكر الجزيل الى عائلة المدحوب (الجيران )على جهدهم المتميز ونتمنى من المهتمين ان يصنعوا لنا فيلما انسانيا عن قصص الضحايا وتسليط الضوء على جهود المنقذين افضل من مسلسلات هلايام
آه يا سنة الطبعة
رحمهم الله وتوفاهم لجنانه
آمين
نعم لتوثيق تاريخنا
مشكور يا قاسم حسين على هذه المعلومات القيمة، نتمنى المزيد من الكتابات التي تحفظ تاريخنا و تراثنا و تحفظه من التزوير أو النسيان.و بارك الله فيك.
شكرا للمؤلف
شكرا للمؤلف على العمل لتوثيق تاريخ البحرين بما فيه من أفراح و أحزان
كوارث
كوارث أهل البحرين لا تنتهي , ليت المؤرخون يؤرخون لكارثة التجنيس , كارثة إحلال شعب مكان شعب , كارثة إستيلاء الأجانب على الأعمال , كارثة نشر الفساد , كارثة تسليم وبيع أراضي أهل البحرين للأجانب ... ولا ننسى كارثة قتل شهداء أهل البحرين بدم بارد في سبيل المصالح الشيطانية .