فيما كانت وسائل أنظار العالم مسلطة على ما يدور من مجازر في «قندز»، أو مراسم دفن ملك موسيقى البوب مايكل جاكسون وسط شائعات تشكك في احتمال وجود جريمة وراء وفاته، أو حتى عدد ضحايا انفلونزا الخنازير في هذه الدولة أو تلك، جاءت أخبار الغرامة البالغة 2.3 مليار دولار، والتي وافقت إحدى شركات الأدوية الأميركية على دفعها، فيما اعتبر «أكبر تسوية لقضية غش وفساد في قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة».
يكمن وراء هذه القضية ترويج الشركة بشكل غير قانوني لأربعة أنواع من الأدوية مما أدى إلى تقديم طلبيات دفع مزورة لبرامج الرعاية الصحية الحكومية لعلاجات غير مقبولة طبيا. المثير للفزع هو محاولة محامي عام تلك الشركة التخفيف من خطورة هذه الجريمة والاكتفاء بالقول «أننا نأسف على بعض الأفعال في الماضي، لكننا فخورون بالإجراءات التي اتخذناها لتعزيز الرقابة في الشركة».
لعل هذا الموقف هو الذي دفع القائم بأعمال المحامي العام لمنطقة ماساشوستس إلى اللجوء إلى التصعيد، حيث وجدناه يؤكد على «أن حجم وخطورة هذا القرار، بما فيه الغرامة الجنائية الهائلة، يعكس خطورة ونطاق جرائم (تلك الشركة)».
أسوأ ما في هذه القضية أن الأمر، وكما تناقلته وسائل الإعلام، لا ينحصر في الأدوية فحسب، بل يشمل أيضا اتهامات تلك الشركة بدفع «رشاوى لشركات الرعاية الصحية لحثهم على وصف أربعة أدوية محددة للمرضى».
ليست هذه هي المرة الأولى التي تغرم فيها الحكومة الأميركية هذه الشركة. كان ذلك في العام 1994 عندما قامت الشركة بإنتاج صمامات قلب تالفة أودت بحياة 500 شخص على وجه التقريب. وقبل عام من اليوم أقامت الحكومة النيجيرية دعوى ضد الشركة ذاتها لقيامها بإجراء تجارب على 200 طفل نيجيري، لاختبار عقار جديد مضاد لالتهاب السحايا، أدت إلى وفاة 11 منهم، وتضرر العشرات الآخرين.
وكما يبدو فإن الأمر لا يقتصر على شركة واحدة، فهناك الكثير من أمثال تلك الشركة التي تروج للأدوية المغشوشة في الأسواق الأميركية. يدلل على ذلك الأرقام الرسمية التي تشير إلى أن «إجمالي ما تحصله الحكومة الفيدرالية من التسويات لقضايا شركات الأدوية، بعد تسوية شركة فايزر الأخيرة، إلى 11.7 مليار دولار، منها 2.98 مليار دولار غرامات».
بالطبع ليست الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تعاني أسواقها من غزو الأدوية المغشوشة. ففي دولة مثل بريطانيا، وهي التي تحرص على وضع سياسات، وإتباع إجراءات صارمة فيما يتعلق بالرقابة على سوق الأدوية فيها، نجد أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة في أسواقها تقارب قيمته من 48 مليون دولار.
وكما يبدو فإن هذه التجارة باتت منتشرة على المستوى العالمي، إذ أصبحت تجارة الأدوية المغشوشة من أكثر أنواع التجارة ربحا، نظرا لكونها غير مكلفة، جراء بعدها عن أي إلتزام في مجال عمليات البحث والتطوير المكلفة التي يقتضيها الالتزام بقضايا ضمانة الجودة، والتي تجعل إحدى الشركات العالمية تضطر، في العام 2007، إلى إنفاق ما يقارب من 8.1 مليار دولار أميركي (نحو 17 في المئة من حجم مبيعاتها في ذلك العام) في مجال الأبحاث على الأدوية.
ليست هناك أرقام دقيقة تحدد الحجم الحقيقي لهذه التجارة على المستوى العالمي، لكن تجمع التقديرات على أنها تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات سنويا.
بعض المصادر تقدر حجم الأدوية المغشوشة بما يقارب 73 مليار دولار سنويا. وهناك دراسة أميركية تقدر «أن حجم مبيعات الأدوية المغشوشة عالميا سيصل خلال العام 2010 إلى 75 مليار دولار، بزيادة قدرها 90 في المئة عن العام 2005 و75 في المئة عن العام 2007».
مقابل ذلك نجد ان أرقام المنظمات الدولية تقدر حجم الأدوية المزيفة في الأسواق العالمية، وحسب إحصاءات منشورة للعام 2000، «بنسب تتراوح بين 10 إلى 15 في المئة بما يساوي من 26 إلى 48 مليار دولار من قيمة سوق الدواء العالمي التي تبلغ 317 مليار دولار».
مصادر أخرى (صحيفة الشرق الأوسط اللندنية)، نقلا عن مصادر موثوقة، ترفع نسب الأدوية المغشوشة في العالم «إلى ما يتراوح 30 إلى 40 في المئة»، وتقدر أن «حجم مبيعات هذه الأدوية سيتجاوز 90 مليار دولار في العالم».
من جانبه يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة فايزر (Pfizer) للأدوية، أن «شركات الأدوية العالمية ووكلاء هذه الشركات يتكبدون خسائر مالية فادحة من وراء عمليات غش وتقليد الأدوية، مما ينعكس بدوره على الاقتصاد القومي للدول، إذ تلتهم جرائم غش وتقليد الدواء 10 في المئة من كعكة الدواء في السوق العالمية».
الأمر الذي يتفق عليه الكثير من الخبراء، ممن يتتبعون هذه الصناعة، من أجل كشفها وفرض العقوبات عليها، هو أن الدول النامية، وتحديدا دولة تملك سوقا محلية كبيرة مثل الهند هي الأسوأ من بين دول الأم الأخرى، إذ تشهد الهند اليوم وجود أكثر من 20 ألف شركة أدوية مرخصة على أراضيها.
ووفقا لتقديرات الأمين العام لاتحاد الصيادلة الهنود ديليب شاه تصل «نسبة المزيف من العقاقير المبيعة في الصيدليات الهندية بما يتراوح بين 15 - 20 في المئة، وأن النسبة ترتفع مع بعض الماركات في بعض المدن إلى ما بين 35 - 40 في المئة».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2559 - الإثنين 07 سبتمبر 2009م الموافق 17 رمضان 1430هـ
الله يساعدنه
اذا كان هذا في دولة كبرى مثل امريكا فما يحصل في دولنا فساد وحماية للمفسدين في الارض وعفى الله عما مضى