في الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال يكون عدد شهداء غزة قد تجاوز الثلاثمئة شهيد، وأكثر من ألف جريح، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في ظل التهديد الصهيوني باستمرار عملية الإبادة التي يقوم بها حاليا في غزة وحتى تحقيق الأهداف التي يتحدثون عنها.
لا ألوم الصهاينة كثيرا على ما يقومون به من مجازر إبادة جماعية للمواطنين في غزة سواء حصارهم شبه الكامل لغزة، ومنعهم كل الحاجات الأساسية عن الأهالي، ثم البداية بمرحلة قتل لا يعرف مداها... الصهاينة أعداء وهم يمارسون عدوانيتهم البشعة على أهالي غزة وتحت ذرائع واهية ومنذ سنوات طويلة... كما أنني لا ألوم - كثيرا - إخوانهم الأميركان الذين يتحدثون بنفس الكلمات وكأن الصهاينة والرسميبن الأميركان وجهان لعملة واحدة! لكنني أضع اللوم كله على الحكومات العربية التي مازالت لم تقم بواجباتها - ولا بعضها حتى الآن - الصهاينة يقولون إن «حماس» هي التي تطلق عليهم الصواريخ، وانها لم تقبل بتجديد التهدئة، وان من حقهم الدفاع عن أنفسهم، وانهم سيواصلون حربهم حتى القضاء على حماس وكل بنيتها التحتية!.
وزيرة الخارجية الأميركية اتهمت حماس بكل ما يحدث في غزة، وبرأت الصهاينة، ومثلها فعل المتحدث باسم البيت الأبيض وأعلن - فض الله فاه - أنه يتفهم ما يحدث في غزة، ومثله فعل الناطق باسم الأميركان في الأمم المتحدة!
أقول: كل تلك المواقف المخزية ليست جديدة على الأميركان والصهاينة، لكن كيف لي - ولسواي من العرب - أن نتفهم تصريحات وزير الخارجية المصري، والرئيس الفلسطيني وبعض مستشاريه؟.
أليس من العار أن تقف وزيرة الخارجية الصهيونية بجانب الوزير المصري وفي مصر لتهدد بتصفية حماس وتصفها «بالإرهابية» وسعادته بلتزم الصمت إزاء هذه التهديدات؟.
أليس من العار أن يقول سعادة الوزير أنه وجه إشارات تحذيرية بأن الصهاينة سيفعلون شيئا في غزة وأن الذي لا يفهم عليه أن يتحمل نتيجة سوء فهمه! أليس من العار أن يقول الوزير في مؤتمر صحافي أن كل ما قد تفعله مصر بعد كل هذا الدمار ثلاثة أشياء منها إعادة التهدئة التي كانت موجودة فعلا ولكنها قطعت! في إشارة واضحة لتحميل حماس مسئولية كل ما يحدث في غزة!
ما كنا ننتظر من وزير خارجية مصر أن يفعل هذا ولا شيئا منه في هذه الظروف المحزنة التي تهدر فيها دماء الفلسطينيين... لكنه الهوان ولا شيئ سواه!
أما الرئيس الفلسطيني فيبدو أنه نسي أنه رئيس لكل الفلسطينيين - كما يقول - فلم يبتعد عن ترديد ما يقوله الصهاينة - إلى حد كبير - فحماس هي السبب، ولولاها لما حدث ما حدث في غزة... بل إنه أطلق العنان لبعض مستشاريه فأطلقوا أوصافا شديدة السوء على حماس، وحملوها كل المآسي التي جرت في غزة، وكأنهم بهذه الأقوال المخجلة يعطون رسالة واضحة للصهاينة ليستمروا في عملية الإبادة التي يمارسونها.
أعرف أنهم طالبوا بوقف المجازر «فورا» وأعرف أنهم يقولون أنهم اتصلوا بالكثيرين من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن كيف نوفق بين هذه الأقوال وتلك؟! هل كان أحد يتوقع من الرئيس الفلسطيني أن يكون هذا موقفه وفي هذه الظروف بالذات؟ أهذا وقت المحاسبة؟ ألم يكن باستطاعته أن يصبر حتى ينجلي الموقف؟
هؤلاء الذي يتحدثون عن حماس وأنها أوقفت التهدئة، وأنها السبب في كل ما يحدث في غزة ألا يعرف هؤلاء جميعا أن إسرائيل هي التي لم تلتزم بالتهدئة، ألم يشاهدوا كيف أن إسرائيل هي التي أغلقت كل المعابر ولفترات طويلة، وأنها أوصلت أهالي غزة إلى حد الجوع الشديد وفقدان كل الأساسيات الإنسانية، هل هذا تطبيق للمقررات المتعلقة بالتهدئة؟ لماذا يطالبون حماس بقبول شروط التهدئة التي لم تطبقها إسرائيل ويصمتون إسرائيل وكل ما تفعله؟
ماذا فعل العرب جميعا تجاه ما يحدث في غزة؟ قالوا: إن وزراء الخارجية سيجتمعون يوم (الأربعاء) لكن ماذا سيفعلون في هذا الاجتماع؟ وقالوا: إن الزعماء قد يجتمعون بعده بأيام! والزعماء لم يتفقوا بعد على هذا الاجتماع، ولكن وحتى إن اتفقوا فما هو المتوقع منهم؟!
والسؤال: هل ما يحدث أمام الجميع يحتاج إلى اجتماعات وقرارات واستنكار وشجب؟! أليس بإمكانهم أن يفعلوا شيئا ذا قيمة قبل اجتماعهم الموعود؟
أليس من المخجل أن تستمر مصر في إغلاق معبر رفح تحت ذرائع غير مقبولة؟ بل أليس من العار أن تقفل مصر هذا المعبر قبل تلك الحرب الغادرة بحجة الالتزام بالمواثيق الدولية؟ أين الصهاينة من هذه المواثيق؟ هل المطلوب من مصر وحدها أن تكون ملتزمة؟ لماذا تمنع مصر أهالي غزة البائسين من دخول مصر في هذه الظروف العصيبة؟!
الكل يعاتب مصر، بل يجعلها سببا في كل ما يحدث وكل ذلك لأن العرب جميعا يعرفون أنها تستطيع أن تفعل الكثير، فلماذا لا تفعل ما بإمكانها أن تفعله؟ عليها أن تتناسى كل خلافاتها مع حماس، فهذا ليس وقت المحاسبة بل وقت العون والنجدة وهذا أقل شيئ مأمول من مصر.
على الدول الأخرى أن تتحرك بإيجابية، وأن تترك الكلام الذي لا قيمة له، فأهالي غزة بحاجة إلى طعام ودواء وأطباء وسلاح يدافعون به عن أنفسهم ومن واجبات كل العرب أن يقدموا لهم كل ذلك مهما اعترض الصهاينة أو الأميركان.
حماس تدافع اليوم عن كل العرب تجاه الأطماع الصهيونية التي لن تتوقف؟ الصهاينة لهم أطماع في كثير من الدول العربية فإذا ما سقطت حماس اليوم فقد يتبعها سقوط أنظمة أخرى هنا أو هناك.
الشكر لدولة قطر على كل ما قامت به، وعلى كل مساعداتها لأهالي غزة، والأمل أن لا تتوقف هذه المساعدات حتى يتم النصر لأهالي غزة إن شاء الله.
والأمل أن تفعل مصر الشيئ نفسه فعليها الأمل الكبير باعتبار مكانتها الكبيرة، وعليها أن تدفع غيرها للتحرك الفعال الجاد.
والشكر للحكومة السعودية التي تعهدت بعلاج كل المرضى، وبالاتصال بالرئيس «بوش» لإيقاف كل الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الصهاينة، لكن الأمل أن تواصل الحكومة السعودية هذه الأعمال وأن تقدم لأهالي غزة كل ما يحتاجونه إن السكوت اليوم عن جرائم الصهاينة عار على كل الحكام والشعوب، ومن واجب الجميع أن يتحركوا بكل طاقاتهم لإيقاف التهديدات الصهيونية، وعليهم أن لايخضعوا للرغبات الأميركية، وهم قادرون أن يحققوا النصر لإخوانهم انفراديون إن وقفوا معهم بصدق، فهل يفعلون ذلك؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ