العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ

حل الاضطرابات: شمال ايرلندا نموذجا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كل مواطن ومقيم في البحرين يلحظ ظاهرة قيام بعض الشباب بحرق إطارات والدخول في مصادمات مع رجال الأمن بين فترة وأخرى، ومثل هذه الحال يمكن النظر إليها على أساس أمني بحت، ويمكن النظر إليها على أساس سياسي بحت، ولكن ما نحن بحاجة إليه هو أن ننظر إلى الموضوع من الجانبين الأمني والسياسي، على أن نُغلِّبَ الجانب السياسي ونقوم بتفعيل الحل السياسي لإنهاء هذه الظاهرة التي بدأت تتفرع إلى قضايا أخرى لا نود للبحرين أن تستمر فيها.

حل الاضطرابات سياسيا له نماذج عديدة؛ لأن الاضطرابات الأمنية ظاهرة متكررة في مجتمعات عديدة، وحتى مؤخرا فإن بلدا مثل اليونان بدأ يعاني منها. ولأنني ذكرت يوم أمس نموذج شمال ايرلندا، فبودي أن أضيف التعليق الآتي: إن الاضطرابات الأمنية في شمال ايرلندا استمرت نحو ثلاثين سنة حتى العام 1998، وتلك الاضطرابات كانت أكثر بكثير مما شهدته البحرين. شمال ايرلندا تابع للمملكة المتحدة، وهو يحتوي على مجتمع يتكون من طائفتين مسيحيتين: البروتستانت والكاثوليك. الكاثوليكيون يقولون إن جهاز الشرطة في شمال ايرلندا منحاز ضدهم، وإنه يسرب أسماء الناشطين الكاثوليك لمجموعات بروتستانتية لتصفيتهم، وبالتالي فإن الحل كان في تأسيس «الجيش الجمهوري الايرلندي المؤقت» في 1968 الذي كان يستهدف أجهزة الأمن والجيش التابعة للدولة البريطانية، وذلك سعيا لاستقلال الإقليم.

ورغم أن أكثرية الطائفتين كانت تجنح نحو السلم والتفاهم إلا أن متطرفي البروتستانت الذين كانوا يملأون الأجهزة الرسمية في شمال ايرلندا كانوا هم الذين يحددون أولويات الطائفة البروتستانتية، كما ان متطرفي الطائفة الكاثوليكية الذين لجأوا الى الكفاح المسلح كانوا هم الذين يحددون أولويات الطائفة الكاثوليكية، وكانوا يفرضون ما يشاءون على الجميع. كانت وجهة نظر الحكومة البريطانية الرسمية أن قواتها الأمنية والعسكرية «محايدة في الصراع»، وأنها كانت تدعم «حكم القانون وحفظ النظام في شمال ايرلندا»، غير ان الكاثوليكيين كانوا يعتبرون تلك القوات مجرد أجهزة لاضطهادهم وإخضاعهم سياسيا.

لاحقا، فتحت السلطات البريطانية تحقيقا في ادعاءات الكاثوليكيين، ووجد التحقيق الرسمي أن بعض أجهزة الأمن والشرطة كانت تتواطأ مع المجموعات البروتستانتية الإرهابية الموجهة ضد الكاثوليكيين، وأنها بالفعل عرقلت سير العدالة. انطلقت الحكومة من ذلك إلى تحريك الجمود في العمل السياسي ونشّطت دور الأحزاب السياسية الرئيسية في شمال ايرلندا من الذين أدانوا العنف، وبدأوا حوارات جادة حول مستقبل الوضع في ذلك الأقليم المضطرب، وتواصلت الحوارات إلى 1998 عندما تمكنت من الحصول على إعلان من قادة المنظمات التي كانت تتبنى العنف بوقف عملياتها العسكرية وتدمير ما يتوافر لدى جماعاتها من أسلحة. وبعد ذلك بفترة أصبح أعداء الأمس شركاء في تحمل مسئولية الأمن والسياسة في ذلك الإقليم الذي لم يعرف أمنا وهدوءا على مدى ثلاثة عقود. وقبل فترة زار أحد قادة منظمات العنف الكاثوليكي «مارتن ماك - جينيس» العراق ليعرض تجربته للعراقيين وكيف تحول من «قائد إرهابي» إلى «قائد سياسي»، اذ أصبح الآن نائب الوزير الأول في الإقليم منذ 2007، و يجلس جنبا إلى جنب مع الذين كان يستهدفهم من ذي قبل. الأمثلة قد لا تنطبق على البحرين، ولكن ذكرها قد يعيننا على تخطي ما نمر به، لأنه أقل بكثير مما كان يمر به شمال ايرلندا.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً