بيّنت أحداث إيران بعد الانتخابات أن هناك شخوصا في النظام لم تتّفق على أحمدي نجاد وسياساته. وأن آخرين داخل الأحزاب مُختلفين حوله وبشأنه وفيه. المختلفون كل على حِدة له عالمٌ خاص، يتصل وينقطع مع حلفائه في النِّديّة للرئيس.
بعض المختلفين من سياسيي الحكم والأحزاب له حظّ من القوّة، والبعض الآخر بقي حليفه الضعف، وما بين القوّة والضعف مناسيب مختلفة (صعودا ونزولا) من الحضور والغياب. إنه عالم خفي من النفوذ.
الأهم أن تحت الضعيف هناك من هو أضعف، ولكن فوق القوي هناك أيضا من هو أقوى وأمضى. أظهرت الأحداث أن الأقوى بين من يمتلكون القوّة هو المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. هذا ما أنتجته التجربة وأقرّ به الجميع.
منذ بداية الأزمة حتى نهايتها كان المشهد التالي: صَمَتَ المُرشد، ثم دخل مُتخطيا الرقاب وتحدّث فحَسَم أين يقف. ثم حذّر وتوعّد، ثمّ أَمَرَ فَأُجِيب. ثم شَقّ المهزومين إلى سماطين، أحدهما صديق غافل، وآخر عدو متآمر. ثم أرخى سُدُول القوّة دون أن يقف. فَحَدَّ من قوّة غالبة هنا، وفَتَحَ لأخرى هناك شكيمة لجامها.
رمى بجزءٍ من ثقله على هذا، وآخر على ذاك. ثم غيّر وجها هنا وأتي بآخر هناك دون أن تحكم القادم ذاكرة الحشود عن المكان. ثمَ فَتَقَ الجرح المؤجّل، فنزع من جوفه ملحا وأعاد رَتقَه. ثم لامَ الأصدقاء وتوعّدهم لانتهاكات الحيّ الجامعي. ثم خرج حين مَوضَع الفرقاء كلا في مكانه.
والنتيجة: رئيس منتخب وشرعي. تيار محافظ له اعتبار أكبر من ذي قبل. مهزومان في الانتخابات ومُدانان لكن دون اتّهام مباشر. مؤسسات تُسلّم له، وحوزة دينية مُساندة. تغييرات في موازين القوى تحدّ من غلواء منفلتة. كان ذلك مؤشّر على من هو القوي في إيران.
عندما أُجْرِيت الانتخابات في الثاني عشر من يونيو/ تموز وفاز أحمدي نجاد وهُزِم غُرماؤه، اعترض المهزومون من التيار المُتمرّد (الإصلاحي) على النتيجة بسبق الإصرار وانحازوا إلى الشّارع للضغط على النظام لكي تُعاد النتيجة. حرّكوا الشارع مدّة أسبوع كامل ولا نتيجة.
في التاسع عشر من يونيو/ حزيران أي بعد سبعة أيام على ظهور نتائج التصويت خرَجَ المُرشد الأعلى في صلاة الجمعة وتحدّث. لم يكن حديثه مُبهما. قال للمُرشّحين المهزومين إنكم منّا ولكن أحمدي نجاد هو الرئيس الشرعي وليس أحدا آخر.
من يُشايع أحمدي نجاد من المحافظين التعميريين استقوى بحديث المُرشد. ومن يُعارضه من المحافظين التقليديين والتقدّميين فقد سلّم لأمر الولي الفقيه. ومن يخالفه من المُتمرّدين فقد بدأ فصلا آخر (وأخير) من المعركة: الاتّكاء على الشارع لإثبات الوجود في قِبال المُرشد الذي لم يقبل تسويتهم.
في هذه المعركة لم يعد ميزانها متكافئ البتّة. المُرشد لم يشأ أن يتعامل مع الموضوع بشكل سياسي مادام المهزومان في الانتخابات يُريدان تمييع المؤسسات الدستورية، واستلاب الشرعيات وتحويلها إلى الشارع.
الأكثر أن الموضوع لم يقتصر على الجانب الأمني فقط؛ بل تفرّع فيه بأن تمّ انتهاج الوقائيات الأمنية أكثر من معالجاتها. كانت التجمعات تُحاط بقوى الأمن قبل أن تتقافز على أزقّة شمال طهران.
تقهقر المهزومان في الانتخابات، وبات كروبي يطلب علنا الاجتماع بالرئيس أحمدي نجاد!. من داخل الحكم لم يَقِف معهم أحد. فهم خارج السلطة منذ أربعة أعوام. المنتظم الآيديولوجي والفكري للمحافظين يمنعهم من الخروج عن أمر المُرشد. هم يرون خلافهم مع أحمدي نجاد وليس مع النظام أو الانتخابات.
حتى هاشمي رفسنجاني الذي حاولوا التمترس خلفه لم يكن بطموحهم ومطالبهم. فهو قبل كلّ شيء يُعلِن غير مرّة عن مُحدّدين أساسيين في تحركه السياسي: إطاعة المرشد والاحتكام إلى القانون.
ثم إن خلافه مع الرئيس أحمدي نجاد كان لدواعي تتّصل بقدح الأخيرة له ولعائلته وليس شيئا آخر. قد يختلف مع نجاد في موضوع العدالة الاجتماعية والسياسات الاقتصادية لكن ذلك لم يكن الأساس.
حُشِرَ هؤلاء في زاوية ضيقة. وبات الغالبون في موقع الإملاء. نادى بعضهم بضرورة محاكمتهم (أحمد جنتي، أحمد خاتمي) لكن المُرشد تدخّل وأوقف العجلة. كانت الكوابح وازنة لظرف صعب وليس صكّ براءة مفتوح.
قال بالحرف في محضر طلابي «أنا لا اتهم قادة الأحداث الأخيرة بأنهم أيادي للأجانب بما فيهم أميركا وبريطانيا؛ لأن ذلك لم يثبت لدي، إلاّ أن هذا التحرك بدون شك سواء علم مسئولوه وقادته أم لم يعلموا فهو تحرك مدروس».
ولسحب البساط من تحت أرجل المهزوميْن في الانتخابات قال «حصلت مخالفات كبيرة في حادثة الحي الجامعي، وقد تمّ فتح ملف خاص لها ليتسنى معاقبة المجرمين دون الالتفات إلى انتمائهم الوظيفي».
لكنه استدرك وقال «البعض يتجاهلون الظلم الكبير الذي لحق بالشعب والنظام الإسلامي بعد الانتخابات وانتهاك كرامة النظام أمام الشعوب، ويعتبرون قضية كهريزك أو الحي الجامعي هي القضية الرئيسية، إلاّ أن هذه النظرة هي ظلم واضح في حد ذاتها».
ثم وضع مسافة بينه وبين أحمدي نجاد عندما قال «إن الحكومة الحالية ورئيس الجمهورية كسائر الأشخاص الآخرين لديهم نقاط قوة وضعف، وإنني أدعم نقاط القوة فقط وإن أي شخص آخر يبدي من نفسه مثل هذا التوجه والتحرك والجدية فإنه سيحظى بدعمي أيضا».
جاء المرشد برئيس سلطة قضائية جديد (آية الله الشيخ صادق لاريجاني الآملي) من رحم التيار المحافظ. قام الرئيس الجديد للسلطة بإجراءات التفافية قدّمت للإعلام مادة دسمة لأن يُفسّر ويُحلّل ويربط دون أن يُدرك حقيقة الأمر.
فقد عيّن مدعيا عاما جديدا في المحاكم العامة ومحاكم الثورة في طهران وهو عباس جعفري دولت آبادي بدل سعيد مرتضوي الذي أظهره الإعلام الخارجي وكأنه خلخالي جديد، لكن ما غفل عنه الإعلام أيضا هو تعيين مرتضوي نفسه مساعدا للمُدّعي العام لإيران بصلاحيات أكبر والذي أشغله أيضا لمحسني إيجي الذي كان قاضيا لمحكمة رجال الدين ووزيرا للاستخبارات.
كما عيّن حجة الإسلام أحمد شفيعي في منصب المدعي العام لمحكمة القضاة، وحجة الإسلام أحمد واعظي جزئي مساعدا لرئيس السلطة القضائية لشئون التدريب القضائي، وآية الله غركاني (ممثل الولي الفقيه وإمام جمعة محافظة مركزية) رئيسا للمحكمة العليا، وجميعهم من التيار المحافظ.
هذا الترتيب بين الفرقاء من قِبَل المرشد أفضى إلى ردم الهوة بين الجميع وداخل التيار المحافظ وبالتالي إلى تشكيل حكومة أحمدي نجاد قبل أيام وبأقلّ الخسائر، رغم المُسبّقيات التي توقّعها الإعلام.
فقد أُجِيْز ثمانية عشر وزيرا من أصل واحد وعشرين. في البداية قالوا في الصحف الإصلاحية وبعض الإعلام الغربي والعربي إن عدد النواب الذين سيتغيّبون عن جلسة النقاش هم 215! ثم ظهر أن الحاضرين هم 286 نائبا! بمعنى أن المتغيّبين هم أربعة.
وإذا ما عُلِمَ أن الكتلة الإصلاحية في المجلس قوامها سبعون نائبا واحتساب المتغيّبين منها، فإن من شاركوا منهم في عملية الاقتراع على الحكومة هم ستة وستون نائبا! ثم قالوا إن وزير الدفاع المُرشّح أحمد وحيدي لن ينال الثقة إلاّ أنه حصل لاحقا على أعلى الأصوات وهي 227 صوتا.
وإذا ما عُرِفَ بأن الأوضاع سرت بهذا الشكل الوازن فإن الأيام المقبلة قد تشهد تطورات أخرى، وخصوصا مع بروز «صفقة الود» داخل التيار المحافظ والتي ظهرت خلال المؤتمر الصحفي لأحمدي نجاد وعلي لاريجاني.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ
بغض النظر
في البداية اشكر الكاتب على الموضوع لقد لفته انتباهي بعض التعقيبات التي تشيد بايران والبعض ينتقذ ايران ايران حالها حال اي دولة بها الاخطاء وبها الاميازات البعض ويكتب ويقرر عن الشعب الايراني وهو بعيد كل البعد عن المشهد الايراني ولا يعرف حقيقة النظام في ايران وربما تكون لغايات اخره لاغير لكن الحق يقال ان ايران سبقت الدول العربية بمراحل والذي بيتة من زجاج لا يرمي الناس بحجارة
فحن ليس احسن منهم ان لم نكن اسوء
لا بد من تغيير النظام في إيران
النظام اللاهوتي في إيران لا بد ان يتغيير لكي يتنفس الايرانييون الصعداء فهم يرزحون تحت قمع وقهر لا مثيل له. كذلك فإنه لا توجد حرية للمعتقدات الدينية والسياسية ولا توجد ديمقراطية إلا ديمقراطية الملالي القائمة على مذهب واحد وليس لباقي المذاهب والأديان أي تمثيل لا في البرلمان ولا في الحكومة مثل ماهو عندنا في مملكتنا الغالية البحرين التب بفضل صاحب الجلالة يعيش الجميع في خير بفضل سياسته المعتدلة و تفكيره الثاقب. ادام الله الملك و البحرين لنا.
أين أموال إيران المنهوبة
بغض النظر عن الانتخابات و مدى صحتها انا اتسائل أين خيرات جمهورية إيران ولماذا المواطنين يعيشون في ضنك من العيش وفقر مدقع. إيران تنام على بحيرة عظيمة من النفط و موارد طبيعية وخيرات زراعية لامثيل لها. ملالي إيران ومن يشايعهم يعيشون في ترف و تمتليء بطونهم من خيرات إيران ولهم حسابات سرية ممتلئة وهم لذلك لن يرضوا بأن يقوم مصلح و انسان معتدل بأخذ الحكم من أيديهم لأن في الحكم ثروة طائلة. نحن وباحتكاكنا مع الأخوة الايرانيين في شتى بقاع العالم نعلم بأن حكم الملالي لا يصلح للايرانيين ولا لغيرهم.
لا شك
لا شك انها نار اضرمت وتوقدت لكنها نار يدركون حقيقتها وكيفية التعامل معها. هي بطبيعة الحال معضلة ولكن حتى الان يبدو ان التعامل معها مشى وفق منهج متقن ولا نتوقع اقل من ذلك في ما هو آت...
النار الكبيرة تهدأ ولا تنطفئ
ألا تعتقد معي أيها الخبير المنصف أن تلك النار التي أضرمها الغرب وأميريكا كانت واضحة وقوية وجريئة وواسعة وغنية ومنظمة، وقد استطاعت أن تخترق حجب كثيرة ، وتفتق صفوف شتى من النظام المتراص القوي البعيد عن الأزمات المالية والاقتصادية المتتابعة.. أن الأزمة ستظهر لها روس أخرى هنا وهناك؟؟ عبدالأمير زهير
باركك الرب على اعتدالك
وأخيراً قرأت مقالاً وسطي حول قضية إيران التي كنت متأكداً من أنها تسير لمصلحة الجمهورية الإسلامية حفظها الله من كل شر، وكنت أتألم لقراءة مقالات غير وسطية، أنا لا أطلب سوى أن يتم تناول الموضوع بعقلانية ووسطية صحيفة وسنقرأها ونشكركم.