شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن تخرج العيون دموعها على الخدود، وأن تنهمر تلك الدموع على اللحى، أو تبلل الملابس، ولكن كل شيء يمكن أن يهدأ ويعود لحالته الطبيعية، حتى العيون يمكن أن تجفف دموعها بالمنديل، وتذهب حمرتها بعد قليل من الوقت، وربما ينتهي كل شيء.
في القرآن الكريم آيات كثيرة عن المطر الذي ينزل على الأرض فيباركها ويحيها {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَة فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }.
تفعل الدموع بالقلوب ما تفعله الأمطار بالأرض الهامدة، فتهزها هزا قويا، وتجعل صاحبها حال البكاء يتذكر ما اقترفت يداه، متمنيا لو أنه كان في حالة مختلفة، كأن يكون أكثر قربا من ربه، وأبعد عن هيمنة الشيطان عليه.
لكن الفارق هو أن قلوبنا لا تنبت بالبكاء أخلاقا كريمة وتعاملا حسنا وعلاقات سليمة، بينما تتفاعل الأرض وإن كانت هامدة مع المطر فتنبت زرعا جميلا، طيب المأكل، حسن المذاق.
فاصلة كبيرة بين دعائنا وتضرعنا إلى الله في شهر رمضان المبارك وفي غيره من الشهور وبين التغير المنشود على أثر تلك اللحظات أو الساعات من التضرع التي لا يعلم مقدار ثوابها إلا الله، فهل هي دموع كاذبة؟ وهل هي دموع رياء؟ وهل هي دموع ساذجة؟
وهل هي حالة انفعالية تحدثها أصوات السماعات العالية، وحماسة الحشود المتفاعلة؟
حاشا لله من كل ذلك، بل هي يقظة الضمير في أعماق الإنسان، وإفاقة للنفس اللوامة التي تواطأ الإنسان مع غرائزه وشهواته وهفواته المتكاثرة على وأدها، ولحظة هداية تحتاج لاستنبات ورعاية وسقي كي تتجدر وتعلو فروعها وتؤتي أكلها في كل تصرف وكل سلوك.
هذا هو التفاعل المطلوب بين فيض الدموع وصدق القلوب {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
في إصلاح بين رجل وزوجته قلت للزوج ونحن على صعيد عرفة في أيام الحج: أمن مثلك مع حسن تدينك وشرهك في العبادة ودموعك المنسكبة خوفا من الله تصدر هذه التصرفات؟
أجابني لست أدري لماذا؟ ودائما أعاتب نفسي وكأني بشخصيتين، شخصية العبادة والتضرع، وشخصية أخرى مع زوجتي وأولادي، وعنف أشد مع عمالي المسلمين من جنسية أخرى.
1 - نحن أيها السادة ننسى عبادتنا ودموعنا فور انتهائنا منها، ولذلك اقترحت على الرجل أن لا يرمي المناديل التي يمسح بها دموعه حين الدعاء في عرفة، بل يحتفظ بها في علب صغيرة واحدة في خزانة الملابس، وثانية في السيارة والثالثة في مكان عمله، كل ذلك كي يتذكر ولا ينسى دموعه وعبادته.
2 - ونحن أيها الكرام تأخذنا صغائر الأمور فتحرمنا ما ظفرنا به من بقايا عبادتنا وطاعتنا لله، فالغيبة تمنع دموعنا من التأثير في قلوبنا، والغل الذي نحمله على بعضنا يحجب تأثير الدموع على حواسنا، وثقافة الكره للإنسان تحول بيننا وبين أن نهتدي للخلق السليم في نسج علاقاتنا، وسوء الخلق يحرق كل أشجار الحسنات التي أنبتتها عبادتنا. أما حالة الزهو والتكبر والاستعلاء فهي سرطان قاتل يجرنا إلى كل خطيئة.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ