العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ

«الوسط» فتاة الربيع السابع

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل سبعة أعوام تلقى المواطن البحريني بفرح شديد بشارة ولادة صحيفة «الوسط».

أطلت «الوسط» على جماهيرها تتلمس طريقها وسط ظروف جديدة. فبعد مرحلة من المعاناة استمرت ما يقرب من نصف قرن، عاشت خلالها البحرين تحت وطأة قوانين تعسفية، كان من أبرزها «قانون أمن الدولة»، لم تكن تختلف في جوهرها عن تلك المعمول بها في أعتى الأنظمة القمعية في العالم، جاء صدور «الوسط» ليعبر عن دخول الصحافة المحلية، مرحلة جديدة في تاريخ البحرين المعاصر، دشنها جلالة الملك بإطلاقه مشروعه الإصلاحي الذي انتشل البحرين من تلك الحالة المعتمة إلى أخرى توافرت فيها الكثير من الحريات العامة، بما فيها تلك التي تمس العمل الصحافي مباشرة.

ومنذ ذلك التاريخ، وحتى يومنا هذا، انطلقت في ساحة الإعلام البحريني مجموعة أخرى من الصحف اليومية، لكل منها نكهته الخاصة، التي تخاطب دائرة جمهور تم تحديد معالمها بعناية فائقة.

نجحت «الوسط»، على امتداد السنوات السبع من حياتها، من تحقيق حضور إعلامي مختلف له نكهته السياسية المتميزة، وعززت «الوسط» كل ذلك بانتشار جماهيري واسع، رافقه نجاح مهني ملموس، حققت من خلال كل ذلك ربحا تجاريا، على رغم محدوديته، لكنه يشكل علامة متميزة في سماء عالم البحرين التجاري في المجال الإعلامي. واليوم و «الوسط» تطفئ شمعتها السابعة، فمن حقها علينا أن نبدي رأينا في تلك التجربة الصحافية، القصيرة بعمرها الزمني، الغنية بتجاربها الميدانية.

وكي نحيط بالموضوع من جوانبه المختلفة، لابد لنا قبل الحديث عن «الوسط»، من أن نعرج على الظروف السياسية والاقتصادية التي واكبت انطلاقاتها، وتفاعلها مع محيطها البشري، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها من خلال النقاط التالية:

1 - انشطار سلوك المواطن البحريني، بين قطبي جذب مصدرهما قوتان:

الاولى، ذكريات سيئة ومرهقة، لمرحلة منهكة عانى فيها ذلك المواطن من سياسات قمعية مظلمة كممت فيها الأفواه، وامتلأت فيها السجون بالنزلاء، وتلقفت المنافي بعض من أرغمتهم تلك الظروف على الهجرة، وفقد البعض الآخر أبسط حقوق مواطنيته، بما في ذلك تجريده من حقه في الاحتفاظ بجواز سفر صالح للاستخدام.

القوة الثانية، الوعود المشرقة التي جلبها معه المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك.

كان المواطن حينها بحاجة إلى من يضمد جروح الماضي، وتفتح أمامه أبواب آمال المستقبل، بما تحتاجه من صمامات أمان تضمن لذلك المواطن حماية ما جاء في بنود الميثاق الوطني، وما تعهدت به مواد الدستور، وضمان استمرارية العمل بها.

جاءت «الوسط» حينها كي تمد المواطن - القارئ بجرعة من الأمل، انعكست في شفافية منهجية تغطية الأخبار، ومعايير اختيارها.

2 - معاناة وسائل الإعلام المحلية والأجنبية القائمة حينها، بما فيها الصحف والمجلات من سياسات قمعية صارمة، تمرست في تطبيقها أجهزة الدولة، ومؤسساتها الأمنية، أدت إلى تجريد الصحافة والصحافيين من أبسط حقوقهم التي يستحقونها ويحتاجون إليها كي يمارسوا دورهم الإعلامي على النحو الذي تقتضيه أخلاق المهنة، وتفرضه قوانين السوق، ويتمسك به، في حالة الصحافة، القارئ العادي.

جففت تلك السياسات أقلام الصحافيين، وأرغمت البعض منها على الهجرة إلى الخارج، بحثا عن مساحة من الحرية وفرتها له بعض الصحف والمجلات غير البحرينية، كان من بينها الخليجية. فتحت «الوسط» حينها الباب على مصراعيه أمام الأقلام المهاجرة والمكممة، كي تفتح أفواهها وتفجر طاقاتها، على صفحات صحيفة حددت خياراتها السياسية والمهنية بوضوح.

3 - حاجة المشروعات السياسية التي انطلقت حينها للعمل، مستفيدة من الأجواء الصحية التي جلبها معه المشروع الإصلاحي، إلى قناة تواصل إعلامية، تحظى بثقة كل من المواطن وتلك القوى السياسية في آن، كي تشيد جسور علاقة متينة وراسخة ومستمرة وبناءة بين ذلك المواطن والقوى السياسية المعارضة التي يبحث هو عنها، وتفتش هي عنه.

لم تكن تلك بالمهمة السهلة، لصحيفة ناشئة مثل «الوسط»، التي كان عليها أن تميز نفسها، وأن تسير بحذر وسط ألغام زرعتها في طريقها أفواج القوى المتضررة من ذلك المشروع الإصلاحي، ورأت في «الوسط» عدوا مباشرا لها، وخطرا حقيقيا يكشف عوراتها، ويهدد مصالحها.

4 - بوادر فورة أسعار نفطية، بدأت تهب رياحها على المنطقة، أدت فيما أدت إليه، إلى زيادة الموازنات الإعلانية، الأمر الذي أتاح امام «الوسط» بداية انطلاقة في ظروف اقتصادية منتعشة، قلصت آلام الولادة، وخففت من مخاضات الانطلاقة. تضافر ذلك مع وجود سيولة نقدية بين أيدي أصحاب الأعمال البحرينيين، تبحث عن مجالات استثمارية مختلفة عن تلك التي دأبت على الانخراط فيها، من نمط المشروعات العقارية أو المؤسسات المالية.

أتت «الوسط» كي تفتح أمام هؤلاء المستثمرين، ما كان ينقصهم، وما كانوا يبحثون عنه، فالتقت تطلعاتهم الاستثمارية الذاتية بشكل إيجابي مع الظروف الاقتصادية السائدة حينها.

تلك كانت أهم العناصر التي مدت صحيفة «الوسط» بالأرضية الصلبة التي كانت تحتاجها مرحلة التأسيس والانطلاق.

لكن الذي استفاد من زخم الانطلاق، وحرص على المحافظة على استمراره، هو الفريق العامل الذي كتب بعرقه وجهوده قصة نجاح «الوسط»، منذ أن كانت في المهد تبحث، بجد، عن خطها السياسي والمهني الذي يلائمها، إلى الآن، وهي بنت الربيع السابع، بما تضعه هذه السنوات السبع من مسئوليات جسام على المستويات كافة: مهنية كانت أم سياسية، بل وحتى تجارية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً