التقى أمس السبت، الموافق 5 سبتمبر/ أيلول 2009، في لندن، وزراء مالية مجموعة العشرين، التي تضم الاقتصادات الأكبر في العالم، لبحث وضع الاقتصاد العالمي، والسياسات التي ينبغي تبنيها والإجراءات التي ينبغي اتخاذها من أجل انتشال هذا الاقتصاد من أوحال ذيول أزمته التي لايزال، رغم كل الادعاءات، يتخبط فيها.
سبقت المجتمعين إلى لندن مجموعة من القضايا التي فرضت نفسها على ذلك الاجتماع ومن بين أهمها:
1. استمرار تخبط الاقتصاد الأميركي في أزمته، رغم الجهود التي بذلتها إدارة أوباما الجديدة من أجل وضع حد للتدهور الذي عانى منه هذا الاقتصاد جراء سياسات الإدارة السابقة.
عبرت عن ذلك الفشل مجموعة من الظواهر من أبرزها: ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت خلال شهر أغسطس/ آب نحو 10 %، وهي أعلى نسبة منذ 26 عاما، حيث فقد 216 ألف أميركي وظائفهم في ذلك الشهر وحده فقط، إغلاق السلطات الأميركية، قبل يوم من ذلك الإجتماع خمسة بنوك جديدة، ليصل عدد البنوك التي تم إغلاقها في الولايات المتحدة 89 بنكا منذ مطلع العام 2009، التهم الموجهة لهيئة السندات والبورصة الأميركية، وفشلها في التعامل مع قضية الاحتيال ذات العلاقة بالمستثمر برنارد مادوف، رغم أن العاملين في الهيئة نجحوا في كشف كذب مادوف وتحريفه مباشرة، لكنهم فشلوا في تعقب هذه التناقضات، مما أضاع على الهيئة فرصا كثيرة لاكتشاف الاحتيال».
2. مطالبة الدول ذات الاقتصادات الناشئة (Emerging Markets) مثل روسيا والصين والهند والبرازيل «بتغيير في تركيبة صندوق النقد الدولي يسمح باضطلاعها بدور أكبر في السياسات المالية العالمية»، مؤكدة على ضرورة أن تكون الأزمة المالية وتداعياتها درسا بليغا في فشل آلية عمل المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، وهياكلها الإدارية، ومن ثم ضرورة إجراء تغييرات جذرية عليها، بما يضع حدا للواقع المهمش الذي تعاني منه تلك الاقتصادات، ويعطيها دورا فاعلا ومؤثرا في تلك المؤسسات.
ولابد من الإشارة هنا إلى الموقف الجديد المتميز لدولة مثل المملكة العربية السعودية التي جاء على لسان وزير ماليتها إبراهيم العساف، وقبل يوم من انعقاد اللقاء قائلا «إن المملكة تؤيد خططا لزيادة نفوذ الدول الصاعدة في صندوق النقد الدولي، وينبغي ألا يكون ذلك على حساب الدول الصاعدة والنامية الأخرى، يجب أن يأتي من حصص الدول المتقدمة التي يزيد تمثيلها على الحد اللازم».
هذا الموقف السعودي المتميز، من شأنه أن يشجع دولا أخرى، وخاصة دول الخليج العربية الأعضاء في أوبك، على الحذو حذوه.
3. الاختلاف على الأولويات، فبينما تركز دول الاتحاد الأوروبي على ضرورة إعادة النظر في مكافآت مدراء البنوك، وعلى وجه الخصوص الأميركية منها، نجد واشنطن، في موقف شاذ عن الدول الأخرى، تصر على أن تكون الخطوة الأولى على طريق الإصلاح هي زيادة الاحتياطي النقدي للبنوك لتجنب تكرار الأزمة المالية الحالية.
وهنا لابد من التوقف عند بوادر خروج دول متقدمة مثل اليابان وفرنسا والمانيا من الركود الاقتصادي رسميا، وتفكير تلك الدول نحو سحب المليارات التي ضختها الحكومات في اقتصادات بلادها على هيئة مساعدات وحوافز تنشيط، وهو أمر غير مطروح على بساط البحث، عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد الأميركي.
يكشف الموقف الأوروبي من الهدر غير المنطقي من أموال المؤسسات الاقتصادية على مدرائها، من خلال المكافآت التي يحصلون عليها، ما جاء في تصريح وزير الخزانة البريطاني اليستر دارلنج أمام اتحاد الصناعات البريطانية في سكوتلندا حين أكد على «أن المكافآت ليست مشكلة إذا كان مقابل النجاح طويل الأمد أو العمل الشاق (لكنه)، لا يجوز أن تكون المكافآت مضمونة، بل يتعين العمل للحصول عليها».
من بين جميع هذه القضايا تبرز قضية حيز دول الاقتصادات الصاعدة في صنع القرار كأهم موضوع يثير الجدل والخلافات بين المشاركين في الاجتماع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بدولة مثل الصين التي استطاعت خلال الربع الثاني من هذا العام أن تضيف إلى احتياطياتها من النقد الأجنبي 178 مليار دولار، لتتجاوز بذلك احتياطيات الصين من النقد الأجنبي حاجز تريليوني دولار. هذا الأمر يجعل في يد الصين المفاتيح الرئيسية التي تحرك الاقتصاد العالمي.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاحتياطي الدولي من العملات، والتي باتت الصين تمتلك اليوم حصة الأسد منه، هو العامل الأساسي الذي يستخدم في إجراءات تسعير السلع التجارية الدولية مثل الذهب والنفط وغيرها، يمكننا فهم الدوافع الكامنة وراء مساعي الصين، لاستخدام اليوان كعملة دولية بديلة للدولار في تسوية المعاملات التجارية.
وبالقدر ذاته بوسعنا أن نرسم صورة لمستقبل الآليات التي ستحكم العلاقات بين الدول في تلك المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي، أو تلك المؤسسات الأخرى المماثلة المنبثقة عن الأمم المتحدة أو التكتلات الإقليمية مثل السوق الأوروبية المشتركة.
في ضوء كل ذلك ليس من المتوقع أن يتجاوز المؤتمر حوارات اعتيادية روتينية تحضر لقمة العشرين القادمة، دون أن يتوقف جديا للخروج بقرارات جذرية تأتي بحلول ذات جدوى لأي من القضايا الجوهرية، المشار إليها أعلاه، والمطروحة على بساط البحث. وقد بدأت هذه النهاية جلية في تصريح وزير الخزانة الأميركي تيموثي جيثنر الذي أطلقه على أبواب انعقاد المؤتمر قائلا إنه «لا يتوقع الإعلان عن شيء مهم بعد اجتماع لندن»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2557 - السبت 05 سبتمبر 2009م الموافق 15 رمضان 1430هـ