تعدُّ مهارات الحياة «Life Skills» من فنون البرمجة اللغوية العصبية «NLP»، والتي يمكن توظيفها في قطاع التعليم، وخصوصا أنها ترتبط مباشرة بمهاراتنا الحياتية واليومية وعاداتنا الدائمة، فهي تمثِّل المهارات العملية التي تمكِّن الطفل أو البالغ من أن يعيش حياة أكثر استقلالا بذاته مندمجا في المجتمع بإيجابية. والحاجة تزداد إلى مهارات الحياة بوصفها تلك الوسائل والطرق التي تثري تجربتنا الحياتية في مجالات التعليم والعمل والعلاقات والإنجاز، لأنها تتناول أساليب ونماذج التفوق وطرق الأداء.
ثمة اعتقاد خاطِئ لدى الكثيرين من الناس عندما يختزلون مؤشر سعادة الطالب أو شقائه بمعدل ذكائه العقلي فقط، أو يصنِّفون الطلاب على أنهم أذكياء أو أغبياء بالنظر إلى تحصيلهم الدراسي، بينما تلعب المهارات دورا أساسيا في صقل شخصية الفرد، فقد يكون التحصيل الدراسي لطالبٍ ما ضعيفا، إلا أنه يمتلك مهارات معينة كالخط أو الرسم أو العزف، أو التصميم في مجالات شتى كالديكور والأزياء والمواقع الإلكترونية وغيرها، ليقوم بتطويرها والتخصص فيها، وهذا ما جعل مفهوم الذكاء أكثر واقعية، فهناك (ذكاءات) ـ إن صحَّ التعبير ـ كالذكاء اللغوي أو اللفظي، والذكاء المنطقي أو الرياضي أو الرقمي، والذكاء الحسي الحركي، والذكاء الاجتماعي، والذكاء الفردي، والذكاء الموسيقي، والذكاء البصري أو الصوري، والذكاء البيئي.
لنأخذ على سبيل المثال تجربة اليابان في مجال التعليم، إذ تقوم المناهج التعليمية في المدارس هناك بتزويد الطلبة بالمهارات الضرورية للعمل بفعالية وإتقان ضمن فريق، فالمهارات التي يجب أن يتقنها الطالب تنقسم إلى نوعين، إحداهما: المهارات الفنية، والأخرى: المهارات اللازمة لعلاقات العمل التي تعزز من إيقاع الإنتاجية والتميز، وهما وجهان لعملة واحدة، كما وأنهما يهيئان الشباب لسوق العمل مستقبلا، وبالتالي تتقلَّص الهوَّة بين ما تقوم به المدرسة من تعليم من جهة، وما يحتاجه سوق العمل من مهارات من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن التعليم في اليابان يطبِّق استراتيجية «المهارات للجميع Skills For All»، في الوقت الذي لازلنا نتحدث فيه عن «التعليم للجميع Education For All» وهي من المفارقات التي تدعو للتأمل.
والسؤال المطروح: لماذا يتخرج بعض الطلبة من المدارس وهم لا يجيدون أدنى مستويات المهارات الحياتية؟
لكي نجيب عن هذا التساؤل علينا أن نتعرف على المتطلبات الحياتية اللازمة لكل مرحلة من المراحل التعليمية الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية).
أولا ـ المرحلة الابتدائية:
ولأن عملية إصلاح التعليم في أي بلد إنما يبدأ من التعليم الأساسي، فإن المهارات التي من المفترض أن يكتسبها الطالب في هذه المرحلة كثيرة، منها: التعاون مع أقرانه لإنجاز الأعمال الصفية واللا صفية، ضمن مفهوم «التعلُّم التعاوني»، حيث يقومون بإحضار وجبة الطعام، ويجمعون الأدوات، ويرمون فضلات أكلهم في الأماكن المخصصة، كما وينظفون المكان بعد الفراغ من الأكل، ويتناوبون فيما بينهم ـ وهنا يبرز دور المعلم الذي يعمل معهم ضمن فريق عمل ولا يكتفي بإصدار الأوامر ـ في تنظيف وتنظيم الفصل الدراسي بعد انتهاء الدوام المدرسي، وإجراء «التغذية الراجعة Feedback» بشكل مستمر تجنبا لتكرار الأخطاء، وبذلك تتشكل شخصية الطالب بشكل متوازن، قادر على خلق علاقات جماعية.
ثانيا ـ المرحلة الإعدادية:
وهي المرحلة التي ينفتح فيها الطلبة على المراهقة ـ التي يتعقَّد منها الكثيرون رغم أنها تتطلب فهما وإدراكا ليس إلا ـ وهي مرحلة تبرز فيها التغيرات الجسدية والعاطفية والأحاسيس الجديدة والتساؤلات الملحة والتحديات.
ما من شك بأن هناك أدوارا متوقعة من الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية ودور العبادة وما إلى ذلك في إكساب الطالب للمهارات التي تجعله يتعامل مع هذه المرحلة بشكل إيجابي، وذلك يتأتى من خلال المشاركة الفعالة في الأنشطة الاجتماعية التي تعزز فيه احترام الذات وتقدير الآخرين، والدفاع عن رأيه تجاه موقف تعليمي معين، ووضع الأهداف وآليات تنفيذها، وإبداء المرونة في المواقف الصعبة، ومزاولة الرياضة، والاعتناء بالتغذية الصحية وغير ذلك.
ثالثا ـ المرحلة الثانوية:
من المتوقع أن توجِّه هذه المرحلة الطلبة للقيم التي تحفِّزهم على الاجتهاد في العمل، وأن تقوم بتدريس المهارات والمعارف الأساسية اللازمة للمهن المستقبلية، بحيث يصبح قادرا على اتخاذ القرارات في تحديد المساق الجامعي الذي ينسجم مع ميوله ورغباته، كما ويكتسب مهارة التفكير النقدي في التعامل مع المواقف والتحديات.
قبل أيام قرأنا في الصحف المحلية خبر مشاركة شابة بحرينية مع نخبة من قادة الثقافة الآخرين من أوروبا وأميركا والشرق الأوسط في برنامج دولي للقيادة الثقافية، وذلك في العاصمة البريطانية (لندن)، لتطوير مهاراتهم ولتأسيس التحالفات المهنية المشتركة.
هذا الخبر يؤكد ما ذهبنا إليه من أهمية المهارة في إعداد شخصيات قيادية قادرة على قيادة الحياة، والتأثير فيها بإيجابية، للمساهمة في بناء المجتمع ونهضة الوطن. تبقى مسألة تلازم ثنائية «المهارة والدافعية» كمعيار لنجاح الفرد، إذ أن الدافع إلى الإنجاز هو الذي يدفع باتجاه تطوير المهارة، لذا يمكن القول: «أعطني عاملا عالي الدافعية ضعيف المهارة، ولا تعطني عاملا عالي المهارة ضعيف الدافعية»
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 2557 - السبت 05 سبتمبر 2009م الموافق 15 رمضان 1430هـ
شكرا
أشكركم لان استفدت من الموضوع وألي هو مهم في حياتنا وتنظيمها..............
شكرا"
شكرا" هذا الكلام في قمت الروعة
المزيد من فضلك
أرجو المزيد عن هذا الموضوع من فضلك وشكرا جزيلا على هذا المقال المفيد
خير ما قيل
نفاجئ غالباً بتلك الشخصيات التي تنظر فيما يتعلق بالطفل وطرق تعليمه والتعامل مع ، وأنا أعرف بعض هذه الشخصيات بمقتضى عملي وهي مجرد فوارغ تدك ببعض المصطلحات والتعابير اللفظية الرنانة التي ((تدوّخ)) سامعيها.
ما تحدث عنه الكاتب هو موضوع هام وأنا بشكل خاص أعمل على تحقيق هذه الشروط في مشروع مستقبلي.
شكراً وأفاض الله عليك يا سيدي الكريم بالخير والبركة
مقال جميل
الله يعطيك العافية
شكرا على المقال
انشاء الله المعنيين يفعلون ما طرحه الكاتب وخصوصا وزارة التربية... ونرى مشاريع رعاية الطالب الضعيف الى جانب مشروع الطالب الموهوب