العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ

التطرّف والتصرّف... والقياسات المفاجئة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مركز «غالوب» لقياس الرأي العام نَشَرَ استطلاعا مهمّا. المركز أبدى تصورا يقضي بأن الشعوب التي تستظل بأنظمة حكم ديمقراطية هم أكثر الناس ترجيحا للسلوك السياسي السلمي، وتراجع تلك النسبة لدى الشعوب التي تعيش تحت ظلّ أنظمة قمعيّة وشمولية.

سؤال الاستطلاع كان: هل تعتقد بأن الجماعات المقهورة التي تعاني من الظلم يُمكن أن تُحسّن أوضاعها بالوسائل السلميّة؟ من قالوا نعم في الدول الأقل ديمقراطية هم الأكثر تصويتا من غيرهم. قرغيستان (77 في المئة) هاييتي (71 في المئة) باكستان (70 في المئة).

دول تعتقد أنها متقدّمة من ناحية النظام السياسي الديمقراطي قالت نعم ولكن بنسب أخرى. السويد (59 في المئة) الولايات المتحدة (54 في المئة). (راجع استطلاعات غالوب 2008 والمنشورة في مجلّة الفورن بوليسي).

هذه التقديرات تُعطي مؤشرات تُفنّد الحديث عن نمو التّشدد في المناطق العربية والإسلامية حصرا لدواعي بات الغرب يُروّج لها ويسنّ قوانين لمحاربتها ويدعو الأنظمة في المنطقة لمحاربة التطرف عبر التعليم والإعلام.

بطبيعة الحال فإن ذلك لا يمنع أبدا من بقاء الملف مفتوحا لمعرفة أسباب ظهور نتوءات تخالف ذلك التقدير حين تظهر جماعات متطرفة بائسة هنا أو هناك، رغم أن بعضها بات مرتبطا بالفعل وردّاته.

في باكستان تكتّل القرويون وجزء كبير من قبائل وزيرستان ضد حركة طالبان. وفي العراق ثارت عشائر الأنبار العربية السُّنيّة ضد تنظيم القاعدة. وفي الصومال تحوّل شيخ شريف شيخ أحمد إلى مناهض ومقاتِل ضد حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي تُسانده حركة صوفيّة وسلفيّة نشِطة.

قبل ذلك كان قد تحرّك الجزائريون في باب الواد والقبّة وبن طلحة وفي الأرياف ضد الجماعة الإسلامية المسلّحة، وتاليا ضد الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال، وقلبوا موازين القتال بعدما أسالتا دما غزيرا هناك.

وفي نهاية التسعينيات قدّمت الجماعة الإسلامية في مصر مُراجعات فكرية مهمة لمبانيها السياسية والأيديولوجية، وأعلنت قياداتها من داخل السجون المصرية نبذها للعنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

وقبل أيام فاجأت قيادات من الجماعة الإسلامية المقاتِلة الليبية الجميع بتقديمها اعتذارا إلى العقيد القذافي لاستخدامها العنف ضد نظامه السياسي في عقد التسعينيات وأعلنت نبذها للعمل المُسلّح، بل ووصف منتسب سابق لها العقيد القذافي بأنه «صمّام أمان للمجتمع والدولة» في ليبيا.

ما أقوله بات أمرا واقعا وليس نسجا من خيال. وإذا أريدَ فَهْم أو وزْن تلك التغييرات في مجال الإدراك السياسي في هذا التماثل سواء للتنظيمات أو للمجاميع الشعبية وقطاعات المجتمع، فيجب قراءة ما كانت تقيمه تلك التنظيمات مع معارك دامية مع أنظمتها السياسية.

هنا يتوجّب التفريق بين نمو العنف السياسي (أو العسكري) ضد الداخل والوطن والعنف الآخر المُمارس ضد الغزو الأجنبي، ومآل ذلك بالنسبة إلى نفسية الشعوب. فمساحة الجدل حين يُقاتل الناس غزوا أجنبيا أقلّ بكثير عن مشاريع الاحتراب مع الأنظمة.

باستثناء تنظيم القاعدة في العراق فإن تنظيمات مُختلفة مناهضة للأميركيين باتت لا تستهدف قوات الشرطة العراقية فضلا عن المدنيين. بل إنها باتت تُصدر بيانات إدانة لما يجري من تفجيرات في الأسواق والشوارع. هذا الفرز يعيد فهم مُحددات العنف لدى جماعات وشعوب تعيش تحت ظلّ أنظمة غير ديمقراطية وبلدان محتلة.

قبل خمسة وثلاثين عاما تنبأ سفير بريطاني سابق لدى سورية والمملكة العربية السعودية وهو جيمس كريغ بتزايد «المد الإسلامي في الشرق الأوسط» رغم استخفاف عدد كبير من الدبلوماسيين البريطانيين آنذاك لهذا الاستنتاج.

كان ذلك التنبؤ حاضرا لدى السفير البريطاني لدواعي فشل الأحزاب القومية العربية في تلك الفترة وليس شيئا آخر. وهو ذات الحال بالنسبة لتكهنات السفير البريطاني السابق لدى الجزائر ر. آ. بروز، فالرؤية لهما كانت عامّة فيما يتعلّق بحلول الدين محلّ القومية وليست خاصة بالشأن السياسي ومعالجاته.

السؤال المهم الآن هو لماذا تخلّفت الولايات المتحدة والسويد (وهما من أكثر البلدان استقرارا) في أن تُعطِيا نسبة عالية في تأييدهما للعمل السلمي؟ رغم أنهما لا تعيشان مُسبّبات احتقان سياسي من ضغوط ديمغرافية ولاجئين وتراجع اقتصادي وخدمات عامّة متهالكة؟!

ربما لا يكون الجواب واضحا في ذلك لكن الموضوع يحتاج إلى الإمساك بإرهاصات تحوّل جديدة باتت تجتاح أجزاء من أوروبا. فالمدّ اليميني بدأت بوادره تظهر في السنوات الأخيرة في أكثر من مكان. فرنسا، النمسا، وهولندا، وباتت أحزابه تنال أصواتا جيدة في الانتخابات العامة.

التفسيرات في ذلك متعدّدة، وقد تنحو صوب امبرياليات ثقافية أحيانا وأخرى ضد مشاريع تخصّ العولمة والاستئساد الرأسمالي الفاحش، ثم تتّصل بشئون قومية ملحّة. وأمام كلّ ذلك لا يبدو الأمر أكثر من خلط لم يتم فرزه بعد. وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:32 ص

      السبب هو

      فمساحة الجدل حين يُقاتل الناس غزوا أجنبيا أقلّ بكثير عن مشاريع الاحتراب مع الأنظمة.
      والسبب في ذالك هو غياب العداله الاجتماعيه . وغياب الامن العام .فبين هذا وذاك تتغير الحكومات والانظمه وتظهر الثورات .
      عبد علي عباس البصري

اقرأ ايضاً