العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ

البطالة والأمن القومي العربي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تُجمع التفارير السكانية على أن المنطقة على أبواب انفجار سكاني، إذ تجاوزت نسبة الزيادة في السكان 40 في المئة خلال العقد الماضي. يضاعف من خطورة هذا الانفجار كون هذه المنطقة من أكثر شعوب العالم شبابا، ذلك لأن 60 في المئة من أفرادها هم دون 25 عاما، وهذا يجعل الدول العربية بحاجة إلى توفير مئة مليون وظيفة بحلول العام 2020، لاستيعاب تزايد الأيدي العاملة. يشخص النائب الأول لرئيس البنك الدولي للشئون الخارجية مروان المعشر هذا التحدي الذي ينتظر المنطقة العربية قائلا «التحدي الأكبر لا يتمثل في الأزمة المالية العالمية الراهنة، بل بمعالجة مشاكل الشباب. لدينا منطقة 70 في المئة من شعوبها دون 30 سنة وهم يدخلون سوق العمل دون امتلاك المهارات المطلوبة». هناك بعض التقديرات الأكثر تشاؤما، وتقدر عدد العاطلين عن العمل في البلاد العربية هذا العام بما «يتراوح بين 10 و15 مليون شخص، وسط تقديرات بأن تصل إلى 25 مليون عاطل بحلول العام 2010». ما يثير الفزع على المستوى العربي، هو أنه في العام 2009 سينال العالم العربي بطولة العالم في البطالة، وأن عدد العطلين عن العمل هذا العام سيفوق 15 مليون عامل. هذا ما اعترف به المدير العام لمنظمة العمل العربية الذي حذر بوضوح من «ارتفاع معدّل البطالة بين الشباب العربي، بعدما بلغ نحو 14 في المئة ليصل عدد العاطلين عن العمل هذا العام إلى نحو 18 مليونا». هذه النسبة يقابلها 6.3 في المئة فقط على المستوى العالمي. تقارير أخرى مثل تلك الصادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، تقدر نسبة البطالة في الدول العربية بين 15 و20 في المئة.

ليس هناك من ينكر أن أحد أسباب تفشي البطالة في سوق العمل العربي، وعلى وجه الخصوص في صفوف القوى العاملة الشابة مصدره الأزمة المالية العالمية والانهيار المالي الذي واجه العالم منذ مطلع العام 2008، حيث شهد العالم إفلاس أو تعثر شركات صناعية ومالية عملاقة وفي سوق متطورة من مستوى السوق الأميركية، وفي أقوى قطاعاتها الاقتصادية والذي هو قطاع العقار والسيارات، وما تلا ذلك من فصل تعسفي لملايين الأجَراء في أنحاء العالم كافة، دون أي استثناء، وفي حالات أخرى شهدنا، أيضا، قبول ملايين أخرى من العمال بالعمل لبعض الوقت وبأجور زهيدة.

ولذلك فمن الطبيعي أن لا تكون هذه الحالة العربية ظاهرة استثنائية، فوفقا لتقارير مكتب منظمة العمل الدولية فإن «نسبة البطالة في العالم ارتفعت خلال العام 2008، وإن عدد العاطلين عن العمل في العالم يزيد على 1500 مليون شخص وإن غالبية هؤلاء يعيشون ما دون خط الفقر». لكن ما يثير الفزع العربي، هو أن النسبة العربية هي الأعلى عالميا، هذا إلى جانب انعكاساتها السلبية العميقة على الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

ولكي نرى فداحة سلبية هذا الانعكاس بشيء من الوضوح، نستعين بتقرير منظمة العمل العربية الذي يؤكد أن كل «زيادة في معدل البطالة بنسبة 1 في المئة سنويا تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5 في المئة، أي نحو 115 مليار دولار».

ما يزيد الطين بلة، هو أن نسب تفشي البطالة العربية أعلى في صفوف أنصاف المتعلمين، وأنصاف العمال المهرة منها في صفوف الأميين. هذا ما يؤكده تقرير منظمة العمل العربية الذي يقول، وبالحرف الواحد: «إن معدلات البطالة بين الأميين هي الأدنى في غالبية البلدان العربية، وترتفع هذه المعدلات لذوي التعليم الثانوي والمتوسط والجامعي، لتبلغ عشرة أضعاف في مصر، وخمسة أضعاف في المغرب، وثلاثة أضعاف في الجزائر؛ ما يعني أن غير المتعلمين أكثر حظا في الشغل من المتعلمين في البلدان العربية».

هناك الكثير من المدارس المختلفة التي تنظر لأسباب تفشي البطالة، وطرق معالجة تلك الأسباب وأساليب استئصالها، بدءا من تلك التي تركز على العلاقة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، مرورا بتلك التي تركز على وضع حد للتمييز القائم على الجنس النوعي (الجندر)، انتهاء بتلك التي تركز على تعزيز الشعور بالمواطنة. لكن رئيس تحرير تقرير الاتّجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الذي يصدِره مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ «الأهرام»، أحمد النجار، يربط بمهارة بينها وبين تفشي ظواهر العنف والإرهاب وتصاعدها في الآونة الأخيرة في البلاد العربية، التي تطورت هذه الظاهرة في بلدانها، فباتت مصنفة على أنها «أفضل بؤرة لتصدير الإرهاب» في العالم. نجد النجار يحذر قائلا بأن «الشباب الجالسين على المقاهي هم قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في أية لحظة»، مضيفا «أن أحدَ أهمّ أسباب بروز ظاهرة الجماعات المتطرفة في العالم العربي، هو تفشي البطالة، ولو لم تكن البطالة، ما كان هناك تطرّف أبدا». ولذلك نراه يدعو إلى ضرورة النظر إلى البطالة على أنها «قضية أمن قومي، يجب تكاتف الجميع لصدّها والعمل على حلِّها».

وطالما أن البطالة، وكما يراها النجار «قضية أمن قومي»؛ فمن الحري بالحكومات العربية، كلٌ في بلده، أن تُقبل على معالجة هذه الظاهرة من هذا المنطلق، عوضا عن تحجيمها وحصرها في نطاق اقتصادي محض، لا تتجاوز فعاليته حدود المخدر الذي يضع حدّا مؤقتا للألم، لكنه لا يستأصل جذور المرض.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً