الحضارة الإنسانية الحديثة مدينة لتطورها الى اختراع المصباح الكهربي المتوهج بواسطة المخترع الأميركي المعروف توماس أديسون في العام 1879 الميلادي. لكن بعد 130 سنة من هذا الحدث قرر الاتحاد الأوروبي وبالتحديد بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول الماضي منع عمليات بيع المصابيح المتوهجة ذات 100 واط في أسواقها الاستهلاكية ومن المتوقع أن يتم منع المصابيح المتوهجة الأخرى ذات القوة الكهربية الأخفض مثل 60 و40 واط في السنين المقبلة. تعتبر الخطوة الأوروبية هي الأبرز بعد أن أخذت كل من أستراليا وكوبا قصب السبق في هذا المضمار.
الأسباب الرئيسية لعملية إبدال هذه النوعية من المصابيح المتوهجة تنبع من الاهتمام بزيادة كفاءة استخدام الطاقة عن طريق استخدام البديل المناسب وخفض فاتورة الكهرباء وأخيرا خفض البصمة الكربونية للمواطن الأوروبي وبالتالي المساهمة في تقليل آثار قضية تغيير المناخ.
المصابيح المتوهجة تعتبر من الأنواع الأكثر شيوعا ورخصا في العالم وبالتالي قلّما غابت عن إضاءة غرف المنازل. لكن هذه النوعية من المصابيح تعتبر الأقل اقتصادية والأخفض كفاءة إذ يتم تحويل 10 في المئة فقط من الطاقة الكهربية إلى طاقة ضوئية أما المتبقي فيتم فقده إلى حرارة لذلك يتم نصح المستهلكين من قبل إدارة الترشيد بوزارة الكهرباء باستخدام أنواع أخرى من المصابيح.
الخطوة الأوروبية قد تعتبر بسيطة نوعيا لكن لغة الأرقام توضح وبدون شك أن استخدام المصباح الفلوري المدمج (compact fluorescent lamp) يستهلك أقل من 80 في المئة من الطاقة مقارنة بالمصباح المتوهج الشائع مع زيادة في العمر الافتراضي، فالمصباح المتوهج يستمر لمدة تتراوح بين 750 و1000 ساعة أما المصباح الفلوري فيستمر لمدة تتراوح بين 6,000 و15,000 ساعة. حسابات الخبراء تؤكد أنه من المتوقع أن تنخفض فاتورة الاستهلاك الأوروبية بقيمة 5 مليارات يورو كل عام وهذا سيساعد الدورة الاقتصادية؛ لأن المستهلكين سيضخون هذا المال في الأسواق المحلية. أما السبب الرئيسي لعملية الانقلاب على المصباح المتوهج فهو خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 15 مليون طن.
الصورة ليست وردية لهذا التحول؛ فالمصابيح الفلورية المدمجة تحتوي على كميات بسيطة من غاز الزئبق وبالتالي من الضروري أخذ هذا في الحسبان عند القيام بعملية التخلص منها كإحدى المخلفات الصلبة خاصة عند استخدام عملية الحرق؛ لذلك هناك توجه من قبل الحكومات الأوروبية لتشجيع صناعة هذه المصابيح لخفض تركيز الزئبق. المناظرات وحلقات النقاش أقنعت الناشطين البيئيين على تشجيع هذه الخطوة؛ لأن عملية توليد الكهرباء من الطاقات الأحفورية تنتج كميات أكبر من الزئبق، وثانيا تركيز الزئبق المخفف في هذه المصابيح لا يسبب خطورة فعلية لصحة الإنسان.
التوجه الحكومي والبرلماني في الدول الغربية نحو إقناع الرأي العام باستخدام تكنولوجيا أحدث وفي الوقت نفسه أكثر كلفة للمستهلك في سبيل خفض الطاقة والبصمة الكربونية، لهو دليل على اهتمام أصحاب القرار بالتحديات البيئية والمناخية والحفاظ على أمن الطاقة. لا يدعو صاحب المقال إلى نسخ السياسات الأوروبية لكن هناك ضرورة للقيام بسياسة الخطوة خطوة نحو تشجيع العامة ومن ثم الإلزام بالقوانين الملزمة. وأخيرا من المتوقع أن تقوم مصانع المصابيح المتوهجة بتصدير كميات أكبر إلى الدول «النائمة» بعد خسارتها للأسواق الأوروبية!
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ