العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ

منطقة الخليج والجزيرة العربية فشلت فشلا ذريعا في تدوين التراث الشعبي

علي خليفة في برنامج «مسامرات ثقافية» الذي يبث اليوم على «الوسط أون لاين»: «الوسط» خط حقيقة مغاير

في برنامج «مسامرات ثقافية» الذي يبث اليوم على «الوسط أون لاين» يطل علينا رئيس تحرير مجلة «الثقافة الشعبية» الشاعر علي عبدالله خليفة لنتحدث معه بشأن التراث الشعبي بين ثنائية التدوين والشفاهية، فيبدأ مهنئا الوسط بسنواتها السبع وإشعال شمعتها الثامنة، مصرحا بأن الوسط خط حقيقة مغاير وغير مسبوق، مشيدا بفضاءات وملفاتها الثقافية، عابرا إلى الثقافة الشعبية متحسرا على اضمحلال حكاياتنا الشعبية في البحرين وضياعها وتلاشيها، خالصا إلى أن منطقة الخليج والجزيرة العربية فشلت فشلا ذريعا في تدوين التراث الشعبي.

هل الثقافة العربية الآن عاجزة عن تدوين الثقافة الشعبية بشكل فاعل ومؤثر بحيث تستفيد منه الثقافة الأم بشكل عام؟

- في البداية أحيي وأقدم تهنئة لصحيفة الوسط وهي تطفئ شمعتها السابعة وتبدأ سنة ثامنة من عمرها الأخضر الزاهر الجديد، والحقيقة أن صحيفة الوسط مغايرة عن الصحافة البحرينية وهي خط حقيقة غير مسبوق من ناحية معالجة المادة الصحفية والإخراج الفني ومن ناحية الملاحق، فإصدار الملاحق وخاصة فضاءات يعتبر إضافة إلى حقيقة النشاط الثقافي في البحرين، وأنا أحيي هذه الملفات التي تصدرها الوسط وأتمنى أن تواصل طريقها بنجاح.

في تصوري أن الثقافة العربية في ظل المنجزات العصرية الموجودة قادرة باستفاضة على تدوين كل مظاهر الثقافة الشعبية بشكل فاعل ومؤثر، لكن المسئولين عن الثقافة العربية؛ الأجهزة الرسمية أو حتى بعض المؤسسات الأهلية ليست معنية بشكل جدي بالثقافة الشعبية. فلذلك لا توظف منجزات العصر لخدمة تدوين الثقافة الشعبية.

وأتذكر قبل 20 أو 30 سنة في مركز التراث الشعبي، كانت الأدوات بسيطة وليست كالأدوات الموجودة الآن، لكن المادة كانت تسجل وكانت العادات والتقاليد والنصوص تدوّن، فبعد 20 سنة ومع تطورات التكنولوجيا الحديثة ودخول الرقمنة في كل المجالات، أتصور أن بإمكان الثقافة العربية أن تسجل بشكل فاعل كل مظاهر حياة الثقافة الشعبية.

لكن المشكلة أن كثيرا من الرواد ماتوا، وكثير من الحفاظ ضاعت من ذاكرتهم المواد، فالثقافة غير عاجزة لكن الزمن يتحدى تحديا كبيرا جدا. فالذي ضاع من الثقافة الشعبية لا يمكن استرجاعه، وأكبر دليل على مظاهر ضياع الثقافة الشعبية أن في البحرين بلد اللؤلؤ لا يوجد نهام وهو مغني البحر، فمن العيب ألا يكون في البحرين الآن من توارث هذه المهنة والموهبة ليؤدي فنون الغناء البحري.

ثمة مهن اختفت واختفت معها ثقافتها، هل تعاني الثقافة العربية من نظرة دونية لما هو غير مدوّن، أو لما هو شفوي فتهمله وتمارس الضغط عليه بينما هو يمارس الضغط على الثقافة بشكل آخر؟

- مثل ما تفضلت بأن هناك مظاهر أو موتيفات الثقافة الشعبية مرتبطة بمهن وهذه المهن انتهت، أنا أسأل: هناك فنون مازالت قائمة ومرتبطة بمهن، وهناك فنون مرتبطة بحالات ومناسبات اجتماعية مازالت قائمة إلى اليوم، لماذا اختفت هذه المهن، لماذا اختفت الفنون المرتبطة بها؟

مثلا أغاني السمر، فن السامر، فن الفجري، لماذا انتهى؟ هذا مرتبط بفن السمر على اليابسة، لكن مزاج الإنسان تغيّر، مزاجه في تعامله مع هذه الفنون تغيّر.

ثم إن طغيان المادة التجارية الاستهلاكية على الفنون طبعا مسح الكثير، لأن هذه الفنون تقليدية لا تستطيع أن تواجه الآلات الحديثة والآلات الكهربائية والبث المتواصل من الفضائيات الذي هو يمسح أثر هذه الفنون.

ألا تعتقد حينما نتحدث عن التدوين في الثقافة الشعبية، مباشرة تحضر هذه الفنون، مع العلم بأن هناك فنونا شعبية مرتبطة بالأهازيج الشعبية عند الأطفال، أهازيج الأم حين ولادة الطفل، أهازيج مرتبطة بمناسبات مثل ليلة النصف من شعبان، النصف من شهر رمضان، هناك أهازيج مرتبطة بالعيد أيضا، بالموالد، هناك الكثير من الأهازيج مرتبطة بحالات شعبية ومناسبات دينية وهي غير مدوّنة، بينما عادة يتم التركيز على جهة أو طرف معين، على مناسبة معينة في التدوين؟

- الخطأ شامل، وتقصير الثقافة العربية والأجهزة الرسمية والأهلية، العجز يشمل كل الفنون. أنا أسأل سؤالا آخر: هل هناك أم بحرينية الآن تغني على طفلها أغاني التهويد على الأطفال؟ هل لديها وقت ولديها متسع؟ لا يوجد هذا إلا نادرا وإذا وجدت ربما تحدد لي حالتين أو ثلاث أو ربما عشر أو عشرين أو مئة، لكن هل هؤلاء كل الناس؟

نحن اليوم نحاول أن نستذكر، وعندنا نصوص قديمة لأغاني التهويد على الأطفال، نحاول فقط أن نحققها، نوجد أناسا يعرفون هذه النصوص حتى نتأكد منها إذا كانت صحيحة أو غير صحيحة، فالراويات قليلات، وقلة من الرواة التي لاتزال الذاكرة حاضرة عندهم، وأن ذلك لم يعد يشكل قضية مهمة.

ألا تعتقد ضياع واضمحلال الثقافة الشعبية بسبب أن الثقافة العربية تعاني من نظرة دونية لما هو شعبي، لما هو غير مدوّن، لما هو حالة شعبية عامة؟

- القصور الذي نعاني منه في مجال الاهتمام بالثقافة الشعبية راجع إلى النظرة الدونية التي أشرت إليها، وهذه النظرة الدونية صحيح أنها تغيرت ولم تكن بنفس الحدة التي كانت في يوم ما، لكنها مازالت قائمة ومازالت موجودة، حتى لبعض الفنون.

عندنا فنون وافدة، وعندنا فنون بحرينية أصيلة موجودة، وفنون وفدت إلينا، لكن الشعب البحريني بحسه الحضاري استقبلها وتفاعل معها وأعاد صياغتها وغيّر من وظيفتها. ولكن هناك من ينظر إليها ويقول هذه ليست فنون، وليست لنا علاقة بها. وهكذا هناك من يفرّق بين الفنون، بنظرة فيها شيء من العنصرية، فيها كثير من عدم الفهم، من الجهل بقيمة هذه الفنون، أو بقيمة هذه العناصر في الثقافة الشعبية.

ما المجالات التي تحتاج للتدوين بدرجة مهمة وتحمل صفة الاستعجال عن غيرها، وهل ما يدوّن الآن يحمل قيمة وأهمية، ما أهمية ما هو مدوّن، وهل هو فعلا يستحق تدوينه، ما الشيء الذي يحمل صفة الاستعجال وهل ما هو مدوّن الآن ذو قيمة كبيرة؟

- أقدّر للمدونين القدماء من الشعراء الذين كتبوا في دفاتر وبخطوط بسيطة دوّنوا الكثير من الأشعار ومن القصائد النبطية واللغوية والأهازيج دوّنت بعدها، لكن كما هائلا من التراث الشفوي غير مدون، فالحكاية الشعبية لم تدوّن، ربما الأشعار دوّنت لأنها تروى في المسامرات وفي الجلسات، لكن الحكاية الشعبية هي الآن موضع التركيز لأنها لم تدوّن وإذا دُوّنت فلم تدوّن بشكل علمي صحيح حسب الأصول التي نعلم عنها.

أستطيع أن أقول أن حكاياتنا الشعبية في البحرين تكاد تضيّع وتضمحل ولا نعرف عنها، وإذا كانت موجودة عند أطراف فهي مخبأة لا يحب أن يظهرها ولا نعرف متى يسمح الزمن بأن تخرج هذه الحكايات إلى النور.

فأنا أدعو كل من لديه نص حكاية شعبية أن ينشرها باسمه، كجامع لها حتى تستفيد الناس منها، لأن كثيرا من الدول التي حولنا جمعوا الحكايات الشعبية بشكل أو بآخر.

ما هي الحكايات التي تحس أنها من المهم أن تدوّن قبل أن تضمحل وتتلاشى؟

- كل الحكايات الشعبية مهمة، آلاف الحكايات الشعبية المتصلة بالتربية، المتصلة بالسمر، المتصلة بالحكم، بالأمثال، بالحوادث، بالتاريخ. حكايات كثيرة تم تناقلها من جيل إلى جيل واستخدمت لتهذيب الطفل ولتسليته، ولبث قيم اجتماعية ودينية وقيم سلوكية وأخلاقية، ضمّنت بشكل مباشر أو غير مباشر في الحكاية الشعبية، واستخدمتها الجدة أو الأم لبث هذه القيم للطفل.

ونتيجة وجود المتغيرات الحديثة، كالتلفزيون والراديو وما إلى ذلك، لم يعد هناك من يروي الحكايات، وليس من وقت للحكاية، وإذا وُجدت فهي تقدم بشكل مشوّه تجاري واستهلاكي لا يفي بالغرض منها، ونحن بحاجة إلى أن نحتفظ بالنص الأصلي حتى نستطيع فهم ذلك الزمان، وأخذ ما في هذه الحكايات من قيم سامية صالحة لعصرنا ونرفد بها هذا الزمان.

هناك نصوص مجموعة ومدوّنة لكن ملايين المواويل الضائعة، وأنا أشكر من قاموا بهذه الجهود، وهي كلها جهود فردية، لم تسهم أية جهة رسمية في الوطن العربي بشكل فاعل ومؤثر في أن تجميع أية مادة. ولا توجد خطة عربية لجمع مواد الثقافة الشعبية في أي بلد عربي. صحيح الآن تم إصدار مكانز فلكلورية أو تراثية وهذا شيء حميد وجميل أتمنى أن يستمر وأن نرى يوما ما مكنزا تراثيا في البحرين.

حينما لا يتم الاهتمام بالتدوين لا على المستوى الشعبي ولا الرسمي هل يعكس هذا خللا ما في ثقافة التدوين؟

- هناك جهل مدقع في كل الوطن العربي بقيمة الثقافة الشعبية، والمهتمون بهذا المجال جزء منهم عنده أنانية كبيرة إذ يجمع المادة ولا يطلع الآخرين عليها مع أنه من المفترض أن ينشرها للناس وهذا هو الخلل، الجهل بقيمة هذه المادة إذ يصرف الكثير والكثير من المعاناة وأعذر بعض الجامعيين في حرصهم على هذه المادة لأنهم متأكدون أنهم لو نشروها لن تلاقي ذلك الاستقبال الذي يتمناه فيتعامل معها بشح وحرص شديد

ما رصيد البحرين من عملية التدوين للثقافة الشعبية؟

- هناك جهود فردية على نطاق الأفراد والمهتمين، وتم جمع كثير من المواد بالذات الشعر النبطي، تم جمع المواويل وتم إصدار بعض الكتب المتعلقة بالأمثال الشعبية وهي كلها محاولات فردية.

ما هي جهودكم في مجلة «الثقافة الشعبية» للاهتمام بهذا المجال؟

- أستطيع أن أقول إنه جهد مقل فلا أستطيع أنسب لنا دورا كبيرا لكننا على النطاق الضيق الذي نعمل فيه وفي حدود الإمكانية المالية المتوافرة نحن نشتغل على مشروع مهم بدون أعلام أو ضجيج وهو دورة حياة الإنسان من الولادة إلى الممات ماذا يمر على هذا الإنسان، ونحن الآن في المرحلة الأولى مرحلة الحمل والولادة جمعنا مادة تتعلق بالاستعداد للولادة عند المرأة التجهيزات المعتقدات وما إلى ذلك ما هي الأدوات التي تستخدمها المرأة في الولادة، وبعد ذلك حين يولد الطفل ماذا يجهز له من أدوات، نحن نعمل في هذا الحيز وسننتقل بعدها إلى مرحلة ثانية حينما يكبر الطفل إلى أن يصير مثلا صبيا ثم مراهقا ثم الزواج وما يرتبط بالزواج كل ما يمر على الإنسان من ولادته إلى مماته من عادات وتقاليد وأهازيج وما إلى ذلك.

أين هي نقطة البداية، ما هي الخطوة الأولى في عملية التدوين؟

- للأسف منطقة الخليج والجزيرة العربية فشلت فشلا ذريعا في تدوين التراث الشعبي وراح يحسب لها في التاريخ أنها أنشأت مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية قبل عشرين سنة أو أكثر والذي ظل نحو فترة ثم أقفل، بدليل أن الجهود الرسمية والمحلية والأقليمية فشلت في أن تتفق على جمع المادة، والمادة التي جمعت بعثرت وأرسلت لكل دولة على حدة بدليل تجزيئي للمنطقة وأستطيع أن أقول لك لا شيء موجود بعد عشرين سنة من العمل من سنة 82 إلى 2002 عشرين سنة من العمل ضاعت، على من تعول أن يقوم بهذا الدور؟ على كل فرد كل عائلة أن تدون ما تستطيع أن تحفظ أن تكتب أن تسجل كل ما لديها، لاحظوا العملية ليست صعبة لكنها تريد إرادة، لو كلف كل طالب بأن يحظر من بيته مثلا شعبيا واحدا لاستطعت أن تجمع كل الأمثال التي في البحرين، لو أن كل طالبة تحضر حكاية شعبية واحدة لاستطعنا أن نجمع كل الحكايات التي في البحرين، الإرادة غير موجودة، الاهتمام غير موجود فهذه مادة ليس لها قيمة لا ينظر لها كقيمة علمية ولا قيمة كمادة تراثية ولا ثقافية ولا حضارية، أنها أي شيء مع أن الأداة بسيطة ولا تكلف أي شيء.

العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً