مدي بساطي.. واملئي أكوابي
وانسي العتاب، فقد نسيت عتابي
عيناك يا بغداد، منذ طفولتي
شمسان نائمتان في أهدابي
لا تنكري وجهي.. فأنت حبيبتي
وورود مائدتي، وكأس شرابي
بغداد.. جئتك كالسفينة متعبا
أخفي جراحاتي وراء ثيابي!
استحضرتني قصيدة نزار قباني، وأنا أحلّق على أجواء بغداد التي لا تخلو من الغيوم...
إنها بغداد المتخمة بالجراحات...
لن أخفيكم سرا بأن قلبي كان يخفق لها، كيف لا وأنا أحلّق على مدينة صداها ملأ الخافقين!
ليس في بغداد ما يدعو لغير الشوق والحنين، وإن كان الوصال بعيدا...
الدموع المتناثرة على وجنات بغداد دموع أزلية وليست وليدة لحظتها...
بغداد تفيق كعادتها على الصراخ دائما، ولكنها تكسب المعركة، وتعلو الابتسامة محياها كلما شارفت أسنة النهار على الاغتراب.
بغداد حضن الذاكرة الإنسانية وموطن الحضارات وموئل المعرفة حينما كانت الأرض تغرق في متاهات الظلام.
أن تكون في مطار بغداد الدولي لبضع ساعات من النهار هذه الأيام، ليس حدثا عاديا، بحكم المكان والمكين، وبالنظر لظروف الزمان والمكان.
أخذت أحدق البصر بعيدا... وأقلب عيني ذات اليمين وذات الشمال... شرفة المطار الزجاجية ربما أضحت الشيء الوحيد الشفاف في بغداد، ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على بنائه، إلا انه يذكر بمرحلة ذهبية من تاريخ العراق ما قبل الحماقات.
بغداد، لقد أتاح لي القدر أن أشم نسيم الصبا الذي يعطر أريجك... وأشخص إلى عينك المكحلة بمعاناة السنين.
بغداد... فيك ندى وطراوة... وبشاشة تنتصر على الألم... وعزيمة لا يغلبها زبانية الشر.
أن تكون في بغداد يعني أن شريان الزمن لم يتوقف، ويعني أن النحل لا تزال تراود أزهارها وإن كان على رحيق من الدم.
إنه من البديهي جدا، أن يدرك المرء أن تدشين الخط الجوي المباشر بين المنامة وبغداد خطوة رمزية لها من الدلالات ما يصعب حصره. فحضارتا دلمون وسومر كانتا المهيمنتين ليس على الشرق فقط، وإنما أصبح الكون أسيرا لتاريخهما الحضاري المشترك.
بالأمس كان يوما تاريخيا في ديوان العلاقات الضاربة في أعماق الزمن... أحمد الله أن أتيحت لي فرصة الصعود على أول رحلة لتدشين الخط الجوي المباشر إلى بغداد سبقتها مراسم احتفالية مميزة في مطار البحرين الدولي، ومثلها جرت في مطار بغداد.
وفي تلك اللحظات، عادت الذكريات للمسئولين في البلدين إلى العهد المزدهر لهذا الخط المهم والحيوي، لأن بغداد والمنامة، مترابطتان تاريخيا وثقافيا واجتماعيا، وكل منهما مكمل للآخر، وسكانهما يعشقان الآخر.
ولم يفت الرئيس التنفيذي لشركة طيران الخليج سامر المجالي الإشارة إلى تاريخ الشركة التي كانت مملوكة لدول مجلس التعاون الخليجي في نقل مواطني المنطقة من وإلى بغداد، وهذا الخط يعود لسبعينيات القرن العشرين، واليوم بعد عقود من التوقف القهري يعود هذا الخط بقوة مجددا ليستعيد عافيته السابقة وبزخم أكبر مع فرص هائلة في السوقين البحرينية والعراقية من دون إغفال حجم التحديات.
هذا الخط سيعزز من التوأمة الأزلية بين البحرين والعراق، والعراقيون يقدرون كثيرا الخطوة البحرينية، وينظرون لها بكبير من الاعتزاز، خصوصا وأن الانفتاح البحريني على العراق الجديد تمثل في صور شتى، أهمها قرار البحرين بإعادة افتتاح السفارة البحرينية في بغداد، وتعيين أول سفير خليجي مقيم، ومن حسن الطالع أنه شاب يمتلك رؤى طموحة لدفع دفة العلاقات المشتركة قدما إلى الأمام.
وليس بعيدا عن هذا الحراك الدافئ تبادل الوفود الحكومية والبرلمانية بين البلدين، وتوجت الخطوات البحرينية الإيجابية المتتالية نحو العراق بالتوقيع على اتفاقية النقل الجوي المشترك والسماح لشركات الطيران بالتنافس في تشغيل خطوط برحلات منتظمة إلى بغداد ومواقع أخرى في العراق.
ولن نستغرب بعد ذلك إذا طرق أسماعنا بأن أكثر من 25 ألف بحريني قد زاروا العراق خلال أقل من عام واحد وجلهم من قاصدي المراقد الطاهرة لأهل البيت(ع). ومن المؤمل أن ينمو هذا العدد بصورة مطردة مع افتتاح الخط الجوي المباشر.
لذلك، يمكن القول بوثوق تام إن تدشين الخط الجوي مع بغداد لا تنحصر دلالته في المواصلات والربط الجغرافي فقط وإنما تعبير عن إرادة بحرينية صادقة رسمية وشعبية في مساعي إعادة العراق إلى أحضان أشقائه الذين لا يزال بعضهم مصمما على وقف نبض الحياة في بغداد السلام.
بلا ريب، فإن الحضور البحريني المميز الرسمي والاقتصادي والإعلامي في بغداد أمس شكل رسالة تحدٍّ واضحة للأيدي التي لا تريد للعراق أن يستقر... والخطوة المقبلة المنتظرة من الدبلوماسية البحرينية هي حشد التأييد لبغداد في المنابر الأممية كافة لمطالبة العالم بإخراج العراق من البند السابع، ولنقف مع العراق حتى يستعيد سيادته ويقوى عوده على تجاوز المحن.
قدرك يا بغداد أن تكوني عروسة الأرض، لكنك سرعان ما تفجعين بغدر العريس... عروس ترتدي جلبابا أحمر... وما زلت تنتظرين جلبابك الأخضر الذي خبأته الغيارى خوفا من جمالك الفاتن.
يا أيتها العذارى... أقدمن إلى زفاف بغداد التي تنتظر الحناء والشموع ليوم عرسٍ آت...
وبقي أن أقول: سأعانق دجلة والفرات ولو بين السحاب، لأقول لمدينتهما (بغداد) مهد أجراس الحضارة، ما قاله جواهري العراق الكبير:
«أبغدادُ» اذكري كم من دموع
أزارتكِ الصبابةَ والغليلا
خذي نفسَ الصبا «بغداد» إني
بعثتُ لكِ الهوى عرضا وطولا!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2553 - الثلثاء 01 سبتمبر 2009م الموافق 11 رمضان 1430هـ
عاطفه يشكر عليها
مقال عاطفى يشكر عليه الكاتب. لكن كما نقول لا يودى و لا يجيب. لا يغير العراقيين و لا يطرد المحتلين و لا يقوم الفاسدين المتسلطين على الحكم و لا ينهى الذين يقتلون هذا الشعب باسم المقاومة و لا يصلح أى شيء. و تشغيل حركة طيران الى بغداد لا يحل المشاكل. نحن هكذا نصرح، نشجب ، نبكى و نستنكر و الفعل فى الماضى و تاريخنا المجيد الذى نتغنى به. " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"