لم يستطع الصهاينة إخفاء انزعاجهم الشديد من التحقيق الصحافي الذي كتبه الصحافي السويدي «دونالد بوستروم» والذي تحدث فيه عن قيام الجيش الاسرائيلي بقتل الفلسطينين وبيع أعضائهم، واستشهد بحادثة قتل الشهيد الفلسطيني «بلال أحمد عبدالقادر» قبل سبعة عشر عاما ثم قام بعض أفراد الجيش بتسليم جثته إلى أهله وهي ممزقة بالمشارط وقد بان وضوح أنها تعرضت لعمليات جراحية متعددة.
استطاع الكاتب ان يلتقط صورة للجثة الممزقة وأخفى تلك الصور فترة طويلة حتى استطاع إظهارها عندما أتيحت له الفرصة.
أكد الكاتب أنه كان عادلا في مقاله ولم يتجن على الصهاينة، لقد تحدث عن الشهادات التي سمعها من أهالي الضحايا كما تحدث في الوقت نفسه عن الأقوال التي دافع بها الصهاينة عن مواقفهم، ولهذا كان مقاله عادلا ومتفقا مع القوانين الصحافية المعمول بها عالميا، كما أن مقاله يتوافق مع الحريات الصحافية الموجودة في السويد.
الصهاينة لم يعجبهم هذا المقال لا لأنه غير صحيح بل لأنهم لم يتعودوا أن يتجرأ أحد على نشر فضائعهم، تعودوا أن يكونوا طفلا مدلا لا يُرد له طلب، بل على الجميع أن يؤمنوا على كل ما يفعلونه، ويقفوا معهم في أسوأ جرائمهم، ولهذا فقد ثارت حفيظتهم كثيرا عندما اطلعوا على مقال فضح بعض جرائمهم التي لم تتوقف أبدا.
لم يجد الصهاينة أمام هذه الحقائق التي أشار إليها الكاتب إلا اللجوء إلى الشماعة التي يعلقون عليها كل آمالهم، والتهمة الجاهزة التي يواجهونها لكل من يتحدث عن جرائمهم، وهي تهمة معاداة السامية، هذه التهمة التي أصبحت مثل تهمة الإرهاب التي اخترعها سيئ الذكر «بوش» فلا أحد يعرف معناها ولا حدودها، فالكل يستخدمونها بحسب أهوائه، وهكذا السامية فقد جعلها الصهاينة وقفا عليهم، فهم الساميون وحدهم، وكل حديث عن مساوئهم هو اتهام للسامية برمتها، أي - باختصار - اتهام عنصري لهم وحدهم!
ولهذا وصفوا ذلك التحقيق بأنه «معاد للسامية» وطالبوا الحكومة السويدية باتخاذ شيء لإدانة ذلك التحقيق.
وإمعانا في الاستهتار بالآخرين فقد منعوا مصدر الصحيفة التي نشرت التحقيق وكذلك مراسلها من دخول غزة، عقابا لهم، ومحاولة للضغط على الصحيفة بل وعلى كل الصحف الأخرى لكي نتوقف عن إظهار جرائمهم مهما كانت واضحة.
ولم يتوقف الصهاينة عند هذا الحد فقد بدأوا حملة مقطاعة اقتصادية ضد السويد من خلال مقاطعة واحد من أشهر محلاتها التجارية «راكيا» كما طالب وزير الدفاع «باراك» ببحث إمكان ملاحقة الصحافي قانونيا، كل ذلك بالإضافة إلى التشديد على دخول كل الصحافيين السويديين إلى «إسرائيل».
الحكومة السويدية كان موقفها محايدا وهذا يشكر لها وذلك في ظل ما نراه من ضعف معظم الحكومات الأوروبية أمام الصهاينة، فقد أكدت الحكومة السويدية أن ما فعله الصحافي يتوافق مع الحريات الصحافية الموجودة في السويد وبالتالي لا يحق لأحد أن يطلب من الحكومة أن تعتذر عن ذلك المقال.
أقول: من حق الصهاينة أن يدافعوا عن أنفسهم بكل الوسائل، فجرائمهم بلا حدود، وتتطلب منهم مواقف صلبة أمام من يفضحهم، ولكن: أين الموقف العربي من كل ما يحدث، وأين الموقف الفلسطيني الرسمي إزاء كل تلك الجرائم؟!
«إسرائيل» قتلت المئات في مخيم جنين ومنعت أهالي الضحايا من الوصول إليهم أياما ولن نر تحركا عربيا أو فلسطينيا يوازي ذلك الحدث.
و»إسرائيل» قتلت المئات في غزة، وأحرقت الأخضر واليابس، وحاصرت - ولاتزال - غزة، وارتكبت جرائم حرب فيها، ومع هذا فيبدو أن العرب والفلسطينيين تناسوا هذه المأساة، وتحدثوا - ومازالوا - عن التطبيع والصلح مع الصهاينة!
وفي أميركا أثبت التحقيق مع مجموعة من اليهود أن بعضهم تاجر بالأعضاء البشرية وهذا يتوافق مع ما ذكره الصحافي السويدي، وكان من الواجب أن يتحرك العرب لمتابعة هذه القضية الفضيحة ولكن لم أسمع عن أي شيء جاد فعله العرب أو الحكومة الفلسطينية للكشف هذه الفضائح والمطالبة بتحقيق جاد فيها.
المؤسف أن الحكومة الفلسطينية تتعامل مع هذه القضايا وكأنها لا تعنيها من قريب أو بعيد، فهنذه الحكومة لاتزال تتحدث عن صلح مع الصهاينة، وأيضا تنسق معهم أمينا ضد كل حركات المقاومة، كل ذلك في ظن كل ما يقوله ويفعله الصهاينة في القدس خصوصا وفلسطين كلها عموما، واستهتارهم بكل ما يقال عن الصلح مع الفلسطينين والعرب.
أما العرب فهم - أيضا - يتحدثون عن تطبيع مذل، والبعض يفتح أجواءه؟ للصهيوني، أما المقاومة فهي - أيضا - من المحظورات عندهم، بل إن بعضهم يقف صفا مع الصهاينة في مقاومة المجاهدين سواء في غزة أو لبنان.
كنا نتمنى - على أقل تقدير - أن يفعل العرب كما يفعل الصهاينة عندما يساء إليهم، أو عندما تنتهك الكرامة والدم الفلسطيني ولكن صمتهم الطويل هو الذي جعل الصهاينة ينفردون في الميدان، وهو الذي جعل الآخرين يقفون مع الصهاينة لأنهم لم يسمعوا أي صوت جاد من الاتجاه العربي أو الفلسطيني.
العمل الجاد هو الذي يحقق نتائج قوية، وهذا - للأسف - ما تفعله «إسرائيل»، أما الكلام والجعجعة فلا أحد يلتفت إليها، وهذا - للأسف - ما يفعله معظم العرب وكذا الحكومة الفلسطينية!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2552 - الإثنين 31 أغسطس 2009م الموافق 10 رمضان 1430هـ