أحسنت النخب العربية هذه المرة في توجيه الرأي العام بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة بطريقة وضعت المسئولين العرب أمام واجباتهم تجاه شعب يقتل بطرق مختلفة من بينها الحصار المستمر منذ 20 شهرا والقصف الإسرائيلي المباشر منذ يومين.
قضية حركة حماس التي تسيطر الآن على قطاع غزة قضية معروفة، فهي حركة سياسية لا تخلو من الأخطاء والعيوب والتخبط السياسي حالها حال معظم الأحزاب في الدول النامية، لكنها أيضا فازت بانتخابات ديمقراطية على الطريقة الأميركية وباعتراف المجتمع الدولي، وهذا يعطيها الحق الكامل في أن تعيش وتتمتع بكل مقومات الحكومات الديمقراطية التي كانت واشنطن تتهم العرب بأنهم لا يسمحون للشعب أن يختار قياداته بنفسه. أما أن يتحول الفائز بأصوات غالبية الشعب بعملية ديمقراطية إلى إرهابي فهذا موضوع آخر على أميركا والغرب إعادة النظر بشأنه.
هذا الكلام مكرر وذكره غيري مرات ومرات، ومعروف مثلما نعرف أن أميركا ترى أن «إسرائيل» دائما على حق، لكن من حق أيضا الشعب العربي أن يسأل: كيف تقف بعض دوله لتحمّل حماس، ومازالت دماء أبنائها تنزف، مسئولية شنّ الغارات الاسرائيلية على قطاع غزة ومقتل نحو 300 فلسطيني من بينهم أطفال ونساء ومدنيون؟، فهل هذا وقت المحاسبة وتوزيع الملامات على المقتول، أم وقت الوحدة أمام إحدى نكبات الشعب العربي؟
أهو وقت الشماتة، أم وقت مد يد العون لشعب يُقتل ويُشرَّد ويُذبح منذ 60 عاما ولا من معين؟
عندما شنّت القوات الأميركية بأمر من الرئيس جورج بوش هجومها الجوي والبري لاحتلال العراق في العام 2003، خرج الحزب الديمقراطي وهو المنافس الرئيسي للجمهوريين في أميركا، وهم الذين كانوا يمثلون رأس الحربة في معارضة شنّ الحرب على العراق ليقولوا عبر وسائل الإعلام الأميركية نحن اليوم كلنا جمهوريون، في إشارة إلى أن خلافاتهم مع بوش وحزبه مؤجلة لحين انتهاء أزمة جنودهم وبلدهم في جبهة العراق.
فهل قرأ السياسيون العرب ذلك؟
لا أعتقد، فلو قرأوه لعرف أولئك الذين قسموا المنطقة من داخلها إلى جبهتي اعتدال وتشدد، أن الاعتدال والصمت أمام الموت القائم في غزة والمستمر منذ سنتين تقريبا هو انتحار جماعي سيستفيد منه كل من يسمونهم بالمتشددين في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ