نقلت «رويترز» عن صحيفة الـ «فايننشال تايمز» البريطانية قول المدير العام لقسم المالية في حكومة دبي ناصر الشيخ: «إن حكومة دبي تعتزم زيادة الانفاق العام نحو 20 في المئة في 2009، وذلك لتحفيز الاقتصاد المعتمد على قطاع الخدمات وإنه سيزيد من انفاق عام يبلغ 8.17 مليارات دولار في موازنة العام 2008، وإن دور الحكومة هو زيادة الانفاق في الاوقات الصعبة وتحفيز الاقتصاد».
يأتي هذه التصريح بمثابة الرد غير المباشر على ما تناقلته أجهزة الإعلام بشأن الأزمة المالية التي ألمت بدبي. وكانت تلك التوقعات مبنية على ازمتين متتاليتين ألمت بالإمارة خلال الأشهر الستة الماضية، عبر عن الأولى بتباطؤ الحركة في سوق العقار، واضطرار البعض منها إلى الإعلان عن عزمها إرجاء تنفيذ عدد من مشروعاتها قيد التطوير، والثانية أزمة سيولة مالية نشأت عن إشاعات مفادها احتمال فك ارتباط الدرهم بالدولار، والتي وضع حدا لها نفي البنك المركزي الإماراتي ذلك.
ولتسليط المزيد من الأضواء على ما يجري في دبي، تجدر بنا العودة إلى تقرير صدر قبل يومين، من إعداد «أكسفورد بزنس غروب» تتنبأ فيه بمستقبل غير مظلم للإمارة. إذ يرى التقرير أن «دبي تبقى واحدة من الاقتصادات الأسرع نموا في العالم... وعلى العكس من بعض البلدان المجاورة، أقل تأثرا بصورة مباشرة بانخفاض أسعار النفط»، بالإضافة إلى «الإنفاق الحكومي الضخم على البنى التحتية، إلى جانب الاستثمار الواسع الذي كرس لترسيخ مكانة الإمارة كوجهة تجارية واقتصادية عالمية، يعني بكل بساطة أن دبي ستكون في الطليعة، عندما تبدأ الاقتصادات العالمية والإقليمية في الخروج من نفق الأزمة الحالية».
على أنه لا يمكننا فهم أو حتى مناقشة ما جاء في التصريحات أو التقرير من دون العودة إلى خطة دبي الاستراتيجية الثانية التي تستمر حتى العام 2015، والتي كان من أهم ما ورد فيها العمل من أجل مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 189 في المئة كي يصل الى 108 مليارات دولار، مقابل 37 مليارا في العام 2005، والتي تشمل، أيضا، «تقليص اضافي في الاعتماد على النفط ضمن اهداف الخطة من 7 في المئة في 2005 الى 3 في المئة بعد ثمانية اعوام»، كما جاء على لسان حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وجاءت تلك الخطة في أعقاب نجاح الأولى في تحقيق أهدافها المركزية في «الوصول بالناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى 30 مليار دولار»، إذ تم تجاوز هذا الرقم في العام 2005، عندما بلغ الناتج 37 مليار دولار.
لكن ما يدفعنا إلى التوقف عند إلتزامات ناصر الشيخ، وتفاؤل التقرير، هو اعتماد دبي، وإلى حد كبير على سيولة مصدرها الديون المرتكزة أساسا على ثقة المستثمرين في متانة الاقتصاد الدبوي، إن جازلنا القول، والضمانات التي طالما تقيدت بها الحكومة من جهة ثانية. لكن الظروف التي تسود اليوم تختلف عن تلك التي كانت سائدة خلال إعداد وإقرار خطتي الاستراتيجية، فالعالم تلفه أزمة اقتصادية بنيوية تتسع حدودها كي تشمل حتى اقتصادات دول صغيرة مثل دبي.
هذا على الصعيد العالمي، أما على الصعيد المحلي، فهناك إلى جانب الهبوط في أسعار النفط، الذي وإن نجحت دبي في تقليص الاعتماد عليه، فإنها لن تستطيع أن تمنع تأثيراته السلبية على مواطني الدول المنتجة للنفط ممن يستثمرون وبرساميل كبيرة في دبي.
أضف إلى كل ذلك اعتماد دبي، في معظم مشروعاتها التي أكسبتها هذه المكانة العالمية على الديون، والتي قدرت بحسب أرقام 2006 بنحوالي 47 مليار دولار وهو ما يعادل 103 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
إذا راعينا كل هذه الأمور، فمن الطبيعي أن تبرز علامة استفهام كبيرة أمام قدرة دبي، وبإمكاناتها الحالية أن تتجاوز الأزمة كما جاء في تصريح المسئولين، أو بعض التقارير.
تبقى ورقة أخرى لاتزال بيد دبي، ولم تلعبها بعد... تلك هي الاحتياطيات النقدية والسيولة الكبيرة التي لاتزال بحوزة أبوظبي، عاصمة الاتحاد، فقد تكون هي الأخرى من العوامل التي تضعها دبي في الحسبان، عندما تقول إنها ستضخ المليارات من الدولارات لسد العجز المتوقع. لكن تبقى دبي إمارة المعجزات ولذلك لا نستبعد أن نرى معجزة دبوية في القريب العاجل.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ