العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ

بعضهم يطلب صيد!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان عمرو بن عبيد من علماء المعتزلة، وأحد متكلميهم وزهادهم، ولم يكن عربيا وإنما من الموالي، وكان جدّه من السبي المجلوب من كابول.

أما أبوه فكان يعمل في الشرطة ذات السمعة السيئة، في أزمنةٍ لم تعرف مفهوم المواطنة ولا حقوق الانسان، فكانوا كلما رأوه مع أبيه قالوا: «هذا خير الناس ابن شر الناس»، وكان أبوه يجيبهم: «صدقتم، هذا إبراهيم وأنا آزر» والعياذ بالله!

كان ممن اعتزلوا مع واصل بن عطاء، رأس المعتزلة، المذهب الذي سعى لفرضه على الناس المأمون بالقوة والجبر، ولم يبق منه اليوم غير بعض القصص المتناثرة في كتب التاريخ التي تروي صراع المذاهب والتيارات، وما فيها من عِبَرٍ وحكايات.

اشتهر عمرو بن عبيد بقصصه ومواقفه مع الحكام والولاة، فعندما طلب الوالي الأموي على العراق عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز، من عامله على البصرة، أن يرسل وفدا منها، اختار جماعة من بينهم عمرو، فامتنع عن الذهاب، فلما ألحّ عليه قال: «إن أول ما سيسألني عن سيرتك فماذا أقول له»؟، فتركه خشية الفضيحة والتشهير.

أما في العهد العباسي، فكان بعيدا عن السياسة، رغم علاقة صداقة قديمةٍ كانت تربطه بأبي جعفر المنصور، وتذكّره يوما بعد توليه العرش فاستدعاه. ومن باب المجاملة انتقل من قصره ليستقبله في حجرةٍ متواضعةٍ، وعانقه وقبله وجلس معه على حصير، ثم فاجأه بطلبٍ غريب: «عِظني»، فوعظه بكلماتٍ استهلها بسورة الفجر: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يُخلق مثلها في البلاد... (حتى بلغ) إن ربك لبالمرصاد». ثم قال: «لو بقي هذا الأمر بيد غيرك لما وصل إليك. والله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها». فقاطعه أحد الحاشية المرتشين: «رفقا بأمير المؤمنين، فقد أتعبته»! فضحك عمرو وقال: «ويلك! خزنت نصيحتك عن أمير المؤمنين، ثم أردت أن تحول بينه وبين من أراد نصحه»؟ ثم التفت للمنصور وقال: «إن هؤلاء اتخذوك سلّما لشهواتهم، فأنت كالآخذ بالقرنين وغيرك يحلب، فاتق الله، فأنت ميتٌ وحدك، ومحاسَبٌ وحدك، ولن يغني عنك هؤلاء، من ربك شيئا».

فلما قام أمر له المنصور بعشرة آلاف درهم، فقال: «لا حاجة لي بها». فحلف عليه أن يأخذها، فردّ عليه: «والله لا آخذها». فاستنكر ابنه المهدي قائلا: «يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت»؟ فالتفت عمرو إلى المنصور وسأله: «من يكون هذا الفتى»؟ فأجابه: «ولدي والخليفة من بعدي». فقال: «أما لقد ألبسته لباسا ما هو من لباس الأبرار، وسمّيته باسم لا يستحقه». ثم التفت للصغير وقال: «نعم يابن أخي، إذا حلف أبوك أحنَثهُ عمّك، لأن أباك أقوى على دفع الكفارات منه»، فبيتُ مال المسلمين تحت الطلب لتلبية كل الرغبات والشهوات، ودفع كل الكفارات.

قبل أن يخرج سأله المنصور: هل من حاجة؟ فأجابه: «أن لا تطلبني حتى آتيك». ففهمها المنصور فقال: «إذا لن ألقاك»! فقال: «هي حاجتي»! فلما خرج من المجلس تلفّت بعض الحضور مستنكرين جرأته، وأخذوا ينهشون في لحمه تقرّبا للمنصور، فرماهم بطرفه قائلا:

كلكم يمشي رويد

كلكم يطلب صيد

غير عمرو بن عبيد!

في الأزمنة التي يكثر فيه المتعصبون والمرتشون، والمتملقون والمتساقطون، من الصعب أن تحمل الغارقين في لجج السياسة على سبعة محامل من الخير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:33 م

      الأستاذ قاسم

      الاستاذ قاسم هذا ما نحتاجة من قراءة للواقع المعاش بشيئ من الحوار العقلي للقارء البسيط لنترك مساحة للقارء بأن يستنبط من ما قرء من سير وعبر ووقائع تاريخية . حيث في إعتقادي بأننا في حاجة لمثل تلك المقالات لتحريك عقولنا وذواتنا من التبعية التي تؤدي إلي الغائنا ككائنات حية أكرمها الله تعالي بنعمة العقل كي يميزها عن سائر المخلوقات .

    • زائر 11 | 12:36 م

      أولاد عم وينجازون

      سلام يا سيد... لا أرى فيما ذكرت أي خطأ، فما دام السيد الستري ممثلاً للشعب فهو غير منزه عن لإنتقاد.. وما نطق به قد تم رفضه حتى من العلماء.. وأنا أقول للأخوة المداخلين: السيد يرد على ولد عمه "يهني أولاد عم و ينجازون" وتركوهم ياكلون عيش

    • زائر 10 | 9:33 ص

      الامام على يأمرنا ان نحمل اخانا

      السلام عليكم
      الامام على عليه السلام يأمرنا يا سيد ان نحمل اخينا المؤمن على سبعين محمل من الخير وليس على سبعة محامل فقط ؟ واكثر من ذلك ان لا نحمله على سوء ونستطيع ان نجد له فى الخير محملا . حتى ولو من ناحية بلاغية !!!!!!!. اذا كان من العصب عليك ذلك فهذه ليست مشكلة الاخر وانما مشكلة الكاتب
      الله يهدى الجميع

    • ابراهيم العـرب | 7:45 ص

      أجتنبوا كثيرا من الظن ، ان بعض الظن أثم

      بالرغم من أن السيد قاسم حسين ، لم يصرح باسم أحد فى مقاله ، الأ أن بعض الردود جاءت سلبية و مثيرة للشكوك و الظنون ، أتصور أننا بحاجة الى أن نحمل السيد قاسم و غيره من المؤمنين و خاصة الذين يختلفون معنا على سبعين محمل من الخير ، فحسن الظن بالآخرين و أن تحب لهم ما تحب لنفسك و تكره لهم ما تكره لها أخلاق رفيعة ينبغى تجسيدها خارج الاطار الحزبى ، و ما الاستغفار لأربعين مؤمن فى صلاة الليل الا انطلاقا من هذا المفهوم ( ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا )

    • زائر 9 | 7:02 ص

      المقصود غير المقصود

      المقصود من هذه القصة ومافيها هي الرحلات المكوكية التي تقوم بها السلطة هذه الايام من خلال الزيارات لبعض المجالس والديوانيات والالتقاء ببعض الرموز سواء السياسية او غيرها وما يدور من احاديث في المجالس الخاصة وكيف تفطب وتعبس بعض وجوه القوم اذا تحدث احد الجالسين عما يعانيه المواطن البحريني من هموم سياسية واقتصادية كذلك تشير القصة الى انه لا احد يجرؤ ان يقدم النصيحة الى ولاة امر هذا البلبد واذا حصل شيا من هذا القبيل فانك ترى بعض الوجوه تقول ( رفقا بأمير المؤمنين، فقد أتعبته)

    • زائر 8 | 4:19 ص

      مقالك بمثابة الكلمة التي كانت لابد ان تقال

      كون الستري ينتمي لمذهب علي بن ابي طالب عليه السلام يحمله مسؤوليه اكبر للحفاظ على ذات علي المقدسة و يتطلب منه إلا يقحمها في العراكات السياسية أياً كان هدفه دنيا ام آخره .. عبارة ثقيلة تشبه امير المؤمنين بأي رمز سياسي لا اعتقد انها وليدة اللحظة او عفوية على الاطلاق خصوصاً في هذا الوقت .. رد سماحة الشيخ عيسى قاسم أطال الله عمره على الموضوع كان محاولة لتهدئة الوضع و احتواء الازمة خاصة بعد ان سعى السعيدي لمقاضاة الستري .. تبقى الاعمال بالنيات و لكل امرء ما نوى

    • زائر 7 | 4:18 ص

      هل أنت أحدهم يا سيد ؟؟؟

      سؤال هل أنت يا سيد "قاسم حسين" أحد هؤلاء الذين توغلوا في السياسية أو الكتابة السياسية الذين لا يمكن حملهم على محامل الخير قلت أو كثرت ؟؟؟ وشكرا

    • زائر 6 | 4:09 ص

      لغة هادئة من السيد

      السلام عليكم
      اليوم أعجبني -إلى حد ما- مقال السيد قاسم حسين، لغته أكثر هدوء، وبعيدة عن الانفعال والتحامل كما كان في مقاليه السابقين.
      أرى بين حروفك استدراكاً لعدم حملك لسماحة السيد الستري على محمل خير واحد. وفي هذا خير. أن تستدرك ما قلته في حق أخيك، خير من أن تصمت أبداً.
      غفر الله لك ولنا ولجميع المؤمنين،
      وحفظ الله قاسم والستري وكل علماءنا العاملين بإخلاص وشجاعة كل في موقعه،
      لك تحيتي،
      ورمضان كريم،

    • زائر 5 | 3:46 ص

      ما أسهل أن تلتمس لنفسك العذر

      في الأزمنة التي يكثر فيه المتعصبون والمرتشون، والمتملقون والمتساقطون، من الصعب أن تحمل الغارقين في لجج السياسة على سبعة محامل من الخير.
      و
      في الأزمنة التي يكثر فيه المتعصبون والمزايدون، والمتحزبون و مرضى النفوس، من السهل أن تسوء الظن و تجرح كرامة المؤمنين و تسقط الشرفاء و من السهل التبرير إلى المعاصي و الذنوب و لكن الله بالمرصاد و يومئذٍ الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره.

    • زائر 4 | 3:37 ص

      كلام حق يراد به باطل

      إحدى حكم الإمام علي (ع) حين كشف المزايدين و حين فضح أصحاب الطنطات و حين فضح المتصيدين هي : كلمة حق يراد بها باطل.
      نعم ليس حباً في الأمير و إنما غاية في نفس يعقوب.
      السلام عليك يا أمير المؤمنين .

    • زائر 3 | 3:10 ص

      لمزت فأخطأت

      لم أكن أعتقد بأنك لازلت على إصرارك يا سيد، فالذي دافعنا عنه - نحن القراء - بقولنا احمله على محمل جد ينتمي إلى مدرسة أمير المؤمنين كما أنت منتمي لها، أما ما أوردت فهو من مدرسة المعتزلة، وخير لك أن تقلب في صفحات تاريخ الإمام الحسن (ع)

    • زائر 2 | 12:50 ص

      صدقت

      صدقت وصح لسانك فمرشد تيار الوفاق خفف كثيرا من اللهجة تجاه كارثة الستري واثنى عليه وحمله على خير ولم يقبل بفرضية انه يسعى لمقد البرلمان
      والنتيجة مزيد من الاصرار ورمي المنتقدين باقذع الاوصاف
      مثل انهم هندوس وحلوليون بعصبية منقطعة النظير فهل بقي مجال لحمله على الخير؟

    • زائر 1 | 8:41 م

      !!!!!!!!!!!!!!

      (من الصعب أن تحمل الغارقين في لجج السياسة على سبعة محامل من الخير.) اذا يا سيد احمله على محمل واحد من الخير هذا اذا كنت تمتثل لاوامر سيدنا ومولانا امير المؤمنين حيث قال في حديث له احملوا اخيكم على سبعين محملا من الخير

اقرأ ايضاً