العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ

يوم بغداد الدامي... وتداعياته الإقليمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التفجيرات التي هزت بغداد «يوم الأربعاء الدامي» أثارت أسئلة بشأن الجهة المستفيدة من وراء تلك المجزرة التي أودت بحياة نحو مئة عراقي في قلب العاصمة. توقيت التفجيرات جاء بعد يوم من زيارة رئيس الحكومة نوري المالكي إلى دمشق واجتماعه مع الرئيس السوري بشار الأسد. كذلك جاء قبل الإعلان عن «الائتلاف الوطني» الطائفي - المذهبي من دون مشاركة من حزب «الدعوة».

التوقيت لا يقتصر على الفضاءات المحلية والإقليمية وإنما يؤشر إلى متغيرات في الاتصالات الدولية. فدمشق استقبلت قبل فترة امتدت إلى أسابيع مجموعة وفود أوروبية وأميركية في بادرة اعتبرت بداية انفتاح على المدار السوري تتوجت بزيارة وفد أميركي عسكري رفيع المستوى جاء للتنسيق مع القيادة السورية بشأن الوضع الأمني في العراق.

توقيت التفجيرات وجّه رسالة مبطنة وغير واضحة في دلالاتها السياسية لدمشق في اعتبار أن العاصمة السورية تحولت في السنة الجارية إلى محطة لاستقبال وتوديع الضيوف من مختلف الأطراف الأوروبية والأميركية بعد أن أظهرت واشنطن في عهد باراك أوباما حسن نية في التفاهم والانفتاح وترتيب اللقاءات الدورية ومتابعة تلك الملفات الإقليمية الساخنة.

الملف العراقي يعتبر من الأوراق المهمة التي طرحتها إدارة أوباما للتفاوض بشأنها مع القيادة السورية. فواشنطن تعتبر دمشق بوابة جغرافية - سياسية لمختلف القضايا ولابد من التعامل معها على هذا الأساس. وبما أن بلاد الرافدين تعتبر ساحة مفتوحة للنفوذ الإقليمي تعاملت واشنطن مع دمشق بصفتها محطة مهمة يمكن من خلالها أن تلعب سورية دور الطرف العربي الموازي في حال قررت أميركا الانسحاب النهائي من العراق.

إلى هذا الملف تعاملت الولايات المتحدة مع سورية بصفتها تشكل قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها في إطار التفاوض مع «إسرائيل» وما يتفرع عن الموضوع الفلسطيني من أوراق ساخنة. فهناك مسألة احتلال الجولان وإعادة فتح قناة الاتصال مباشرة مع تل أبيب أو من خلال وسطاء إقليميين (تركيا مثلا). وهناك المسار اللبناني وترسيم الحدود وإعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وضمان أمن الجنوب. وهناك أيضا المسار الفلسطيني وطبيعة المفاوضات مع حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان في الفترة المقبلة.

شكلت الملفات الثلاثة (العراقي، اللبناني، الفلسطيني) قاعدة اتصال وتواصل بين القيادة السورية ومختلف الوفود الآتية والذاهبة من واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي. وبسبب هذا الموقع الإقليمي - التفاوضي نجحت دمشق بالعودة إلى خريطة الاتصالات الدبلوماسية وبدأت تلعب دور الطرف الضامن للتهدئة في الساحات الثلاث والمحطة التي يمكن الاعتماد عليها لتسهيل السيطرة على قنوات العنف.

في العراق أظهرت سورية مواقف سياسية مرنة بطريقة التعامل مع حكومة بغداد حين استقبلت الوفود الرسمية وأرسلت بعثات دبلوماسية ووزراء إلى بغداد على أعلى المستويات. وفي لبنان أظهرت مرونة جزئية في التعامل مع النقاط العالقة حين وافقت على فتح سفارة سورية في بيروت واتبعتها بتسهيل عقد دورة الانتخابات النيابية في يونيو/ حزيران الماضي. وفي فلسطين لم تمانع دمشق استمرار التفاوض بين «فتح» و «حماس» في القاهرة بإشراف الدبلوماسية المصرية وأبدت مرارا استعدادها للمساعدة في تذليل بعض العقبات.


دمشق وفتح الأبواب

سياسة فتح الأبواب التي اعتمدتها دمشق خلال الشهور الماضية كانت حذرة ومتحفظة إجمالا ولكنها عموما وجهت إشارات إيجابية بشأن استعداد القيادة السورية إلى المزيد من الانفتاح بقدر ما تتجاوب عواصم الغرب مع حاجاتها ومتطلباتها ومخاوفها. الملف اللبناني مثلا وافقت على تداوله مع فرنسا والبحث في تفصيلاته مع الرئيس نيكولا ساركوزي منذ العام 2008. والملف الفلسطيني أيضا بدأت التفاوض بشأنه بعد انتهاء العدوان على غزة في مطلع 2009 وهي لم تعارض بشدة تلك اللقاءات في العاصمة المصرية التي تستهدف ترتيب البيت الفلسطيني قبل إعلان واشنطن مبادرتها باتجاه «الشرق الأوسط».

بقي الملف العراقي مدار نقاش غير واضح المعالم بشأن الدور السوري في المساعدة على احتواء عناصره المتفجرة. فهذه الساحة مفتوحة وهي لاتزال عرضة للانقلابات الداخلية وتداول السلطة والصلاحيات بسبب تنوع تأثير العوامل الإقليمية وتدخلها في ضبط الملف. سورية ليست اللاعب الوحيد في العراق وهي أيضا لا تستطيع وحدها أن تضبط أوراق الملف من دون شركاء أقوياء يتمتعون بمواقع لها تأثيرها السياسي في إدارة قواعد الاشتباك. هناك قوى إقليمية أخرى تلعب دورها في تحريك خيوط اللعبة في بلاد الرافدين، وهي قادرة على تعديل التوازن أو إثارة الفوضى في حال قررت واشنطن الاستغناء عن مواقعها وربما مساهمتها في صوغ مستقبل العراق وهيئته وشخصيته في مرحلة ما بعد التموضع العسكري والانسحاب الأميركي في العام 2011.

في هذا الإطار الإقليمي يمكن فهم توقيت التفجيرات التي عصفت بالعاصمة العراقية «يوم الأربعاء الدامي». فالتوقيت جاء في لحظة مهمة تستعد خلالها قوى المنطقة للتعرف على طبيعة المبادرة الأميركية بشأن «الشرق الأوسط» ودور الأطراف الإقليمية في مشروع التسوية المفتوح مباشرة على الملفات الثلاثة: الفلسطيني، اللبناني، والعراقي.

توقيت التفجيرات مهم ولكن الأخطر من ذلك مسارعة حكومة بغداد إلى تركيز الانتباه مباشرة على دمشق وتحميل سورية مواربة مسئولية إيواء أطراف عراقية اتهمت من دون أدلة دامغة أنها تقف وراء «يوم الأربعاء الدامي». فالاتهام الذي تجاوز المألوف رفع علامات استفهام بشأن أبعاد إصرار حكومة بغداد على «تدويل الأزمة» والمطالبة بلجنة تقصّي تنتدبها الأمم المتحدة.

مسارعة بعض أطراف حكومة المالكي إلى توجيه الاتهام أو على الأقل الإشارة الضمنية إلى مسئولية دمشق عن التفجيرات طرح فعلا أسئلة عن الجهة التي تقف وراء «يوم الأربعاء الدامي» والطرف المستفيد من لعبة «خلط الأوراق» ومحاولة قطع الطريق على حزب الدعوة وطموحه لتشكيل تحالف حزبي مضاد للائتلاف الذي أعلن عنه بعد المذبحة بأيام.

إشارات كثيرة يمكن التقاطها من تلك التفجيرات وتوقيتها. فهي إما أن تكون خطوة باتجاه إبعاد سورية وإزاحتها عن لعب دور إقليمي تراهن عليه واشنطن في العراق، وإما أن تكون بداية تحول في شبكة التحالفات الإقليمية في بلاد الرافدين، وإما أن تكون قنبلة دخانية للتغطية على مشهد خلفي يتم إعداده في الكواليس ويحتاج إلى هزة عنيفة للإعلان عنه رسميا حين تأتي اللحظة المناسبة.

تفجيرات «يوم الأربعاء الدامي» لم تكن عادية في موقعها وتوقيتها وتداعياتها. فالموقع (مركز العاصمة) وجّه ضربة سياسية لمشروع الأمن والدولة القوية والقادرة الذي يتفاخر به المالكي. والتوقيت جاء في لحظة تنتظر المنطقة مبادرة أميركية باتجاه «الشرق الأوسط». والتداعيات أحرجت القيادة السورية وحشرتها في زاوية الدفاع في وقت كانت تستعد للتحرك نحو لعب دور الوسيط المتوازن في الملفات الإقليمية الثلاثة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:54 ص

      خلط الأوراق

      أستغرب من تكرارك لمقولة السوريين بإن توجيه الإتهام جاء بناء على تصفيات وحسابات داخلية, إذا كان الطرفان المفترضان في الحكاية الخيالية متفقان وهم إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني على طلب المشتبه بهم في سوريا, من يلعب بعلاقاته الخارجية لحساب الداخل المنهار هو النظام في سوريا _ كما قال برهان غليون_ مقاومون بدماء اللبنانيين صامدون بأشلاء العراقيين.

    • زائر 1 | 6:12 ص

      الذي دمرو العراق

      البعث الصدامي المجرم, الدين الممسوخ بصنم النفط و الدولار واغبياء و حاقدين تجمعوا لقتل الشعب العراقي المظلوم وكتاب قد اعمو قلوبهم بأمراض كثيرة ...

اقرأ ايضاً