تجدد العمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة والنشاط الارهابي في حكومة شارون وتفجيرات الرياض والدار البيضاء... معطيات تركتها «الوسط» بين أيدي كتاب ومحللين رصدوا فيها الواقع ودلالة الارهاب فيه فيقول سليمان الأزرعي:
تقف مجتمعات الشرق اليوم أمام تحولات محورية جديدة. ولا نغالي اذا قلنا انها على ابواب ولادات اجبارية ولا بد منها. إذ تشكل الولادات استحقاقات لازبة لتوازنات القوى العالمية التي أفضى بها انهيار المعسكر الاشتراكي في مطلع التسعينات.
وقد كانت نظم الشرق غير الديمقراطية بما فيها نظم شرقنا العربي ابناء مدللين يستحقون غضّ الطرف عما يأتونه من انتهاكات بحق رعاياهم ومواطنيهم طالما ظلت الولايات المتحدة والغرب الاوروبي بحاجة الى تعبويتهم لشعوبهم في مواجهة المد الشيوعي.
اما اليوم، ومع قيادة القطب الواحد، وحاجته الى اسس جديدة تضمن تقبل فعاليات سوق العولمة بكل ما تحويه من بضاعة اقتصادية واجتماعية وثقافية، فينبغي على تلك النظم ان تتدبر امورها مع مخلفاتها التعبوية القديمة التي اصبحت من بضاعة الماضي، وان تلتمس آليات جديدة للتفاهم مع جمهورها، وتتوقف ـ اي النظم ـ عن الاستحواذ والاستبداد والتفرد بالحكم، مع ضرورة تعطيل كل آليات التعبئة السابقة، التي كانت تسهم في البقاء في الحكم، عن طريق تبني (القيمة العليا) (الدينية) او (القومية) او(الوطنية) كل بحسب الحصان الذي يمتطيه.
ويضيف الازرعي باتت مخرجات تلك الحقبة المنصرمة عقبة لا بد من ازاحتها عن وجه نظم الشرق الاستبدادي، ولا بد من اعتماد الادوات الجديدة، واهمها فتح قنوات المشاركة الشعبية، والبحث عما يعزز شرعية الحكم.. وهكذا تتوصل نظم الحكم المطلقة الى صوغ دساتير وقوانين لم يكن التوصل اليها فيما مضى يتم بأقل من ثورة اجتماعية قد تعطل مسيرة الاستقرار الداخلي في هذا القطر او ذاك لسنوات وربما عقود، عدا عن الكلفة البشرية.
وبغض النظر عن الدوافع وصدق النوايا التي تقف وراء تلك التحولات المهمة في بعض أقطارنا التي يدير شئونها حكام أذكياء التقطوا الرسالة بشكل مبكر، فإن المثقف العربي لا يملك الا ان يبارك تلك التحولات، وان يسهم في حماية المناخات الصحية الآمنة والهادئة لاستكمال الظواهر الديمقراطية شروطها الانسانية والعصرية..
غير أن مخرجات الماضي التي تحاصرها حركة تقدم الحياة ما انفكت تعبّر عن نزقها وتتجلى في شكل ارهاب أعمى... إرهاب لا يدرك نتائجه الخطيرة وأبعاده المستقبلية غير اولئك المثقفين الذي دفعوا ثمن الكفاح من أجل الديمقراطية فيما مضى.
فالارهاب الأعمى لا تتوقف خطورته على ما يلحق بالابرياء والمرافق من خسائر، بل ـ وهنا الأخطر ـ بما يتركه من نتائج على الحياة السياسية في هذا القطر الذي يقف على ابواب التحول او ذاك.
ثم يؤكد : فالارهاب لا يستدعي من الجهات الرسمية المزيد من الحرية والمشاركة وتعميق المسيرة السياسية في القطر المستهدف، بل يستدعي المزيد من الذعر، واليقظة، وعدم الثقة، والضيق بالرأي الآخر، والتطير من المعارضة، واخيرا استحداث المزيد من القوانين والنظم والتعليمات التي من شأنها الانتقاص من موضوعية الحرية والديمقراطية والحريات السياسية! الأمر الذي يلحق أشد الاضرار بالمسيرة الوطنية ويؤجل نضوج الظواهر السياسية التي يناضل المثقفون من أجلها كطموح وهدف..
الارهاب اذن يستهدفني ويستهدفك ويستهدف كل مثقف، ويستهدف الوطن. وعليه، فان اي مثقف يصفق للارهاب بوصفه عملا بطوليا وتضحويا انما يصفق لدماره، ويصفق للعودة بوطنه الى الوراء صوب الأجواء العرفية، والجاهزية الرسمية القائمة على الذعر وانعدام الثقة والتي تلتمس اول ما تلتمس ـ من الحلول والادوات ـ الردة والتراجع عن اي تحول ايجابي جاء بفضل هذا الحاكم المستنير، او بفضل استحقاقات التحول العام في حركة سير العالم.
ويلجأ الباحث الأزرعي الى القول: ان مثقف العالم الثالث سيخسر آخر ما تبقى له من طموح، وهو الحرية والأمل في التحول الديمقراطي في وطنه، اذا ما سكت عن هذا الارهاب الاعمى، وفبرك له الذرائع والمبررات، وأطلق على مرتكبيه الالقاب والاسماء، التي تتعارض مع جوهره الحقيقي كفعل إجرامي موجه ضد المجتمع، وضد امل المثقف في وطن يسوده مناخ هادىء يشكل ضمانا للتحولات الاجتماعية السلمية.
اما محمد الفرا فيجد الأمر بسيطا «نظريا» فالقضاء على الارهاب بعلاج الاسباب .
ثم يضيف: لقد أعادت التفجيرات المروعة في كل من الرياض والدار البيضاء خطر الارهاب الى الواجهة من جديد، وسلب الاضواء التي كانت مسلطة على العراق وما يستجد فيها من حوادث بعد احتلال القوات الأميركية والبريطانية لها وإسقاط النظام فيها، كما صرفت الاهتمام عما يجري على الساحة الفلسطينية بعد تشكيل محمود عباس اول وزارة فلسطينية برئاسته، وانشغل الناس بما سمي خريطة الطريق.
ويبدو ان هذه التفجيرات كانت مفاجئة للولايات المتحدة التي ظنت انها تمكنت من القضاء على الارهاب، وخصوصا بعد ان ألقت القبض على عدد من رموز القاعدة معتقدة أنها نجحت في تفكيك بنى الارهاب وشلت فاعليته.
ويقول الفرا ان خطر الارهاب يتهدد الجميع لا يفرق بين مذنب وبريء، ولا بين عدو وصديق، ولا بين كبير وصغير،فهو ظلامي الفكر عشوائي الاتجاه ينطلق من مجهول الى اي مكان. وهو ليس وليد هذا العصر وحده، ولكنه نتاج أزمنة متعاقبة وتراكمات مختلفة، وليس مقصورا على أمة واحدة، ولا محصورا في دين واحد او عقيدة واحدة، وهو موجود في جميع الأزمنة والعصور ولكنه اتخذ اشكالا وصورا وانماطا متعددة، فالاغتيال - على سبيل المثال - شكل من اشكال الارهاب. والقتل والتدمير وسفك الدماء صور لأنواع الإرهاب يولد انواعا وأشكالا مختلفة من الارهاب. والارهاب يصدر في الغالب عن افراد او جماعات تشعر بانعدام التكافؤ في القوة وغياب التوازن، ولا يمكن القضاء عليه بالجيوش ولا بالقوة وحدها لانه قادر على التحصّن والتخفي والتستر واكتساب المناعة، ولكن يمكن مكافحته بعلاج اسبابه ودوافعه، ومواجهته سياسيا وبالطرق السلمية بإحقاق الحق ونشر الحرية والعدالة والمساواة بين البشر ومكافحة الظلم والطغيان والفساد، والتي تشكل البيئة المناسبة للارهاب. وبطبيعة الحال فإن اسباب الارهاب ودواعيه كثيرة لا يمكن بحثها في مقال واحد الا ان أهمها الاحساس بازدواج المعايير ورفض سياسة الكيل بمكيالين. ولا شك في ان العدل وحده هو الذي ينشر الطمأنينة ويجعل الجميع يدركون انهم امام نظام دولي يحترم كل اطرافه ولا يميز بين شعوبه.
ومن أسباب الإرهاب الحساسيات التاريخية التي لاتزال كامنة في وجدان امم الشرق وشعوب الغرب وقد فوجئنا بعد حادث نيويورك وواشنطن طغيان كثير من النعرات على السطح، وان غليانا تاريخيا بدأ يعبر عن وجوده فإذا ذاكرة الامم تستعيد ما كنا نسيناه، واذا اطروحات العصور الوسطى تطل علينا من جديد في عملية تصنيف احمق للديانات والحضارات والثقافات، واذا الذين يريدون ان يبحثوا عن عدو يستهدفونه، بدأوا يتحدثون عن الخطر الاسلامي بديلا عن الخطر الشيوعي الذي زال.
والارهاب غالبا ما يصدر عن أفراد او جماعات تشعر بالظلم والقهر وعدم القدرة على تحقيق آمالها وتطلعاتها وطموحاتها ولو وجدت القنوات المناسبة التي بها ترفع الظلم والقهر عن نفسها وتحقق آمالها لما سلكت طريق الارهاب والذي هو تعبير عن العجز واليأس والقنوط. والأمة العربية اليوم تعاني من احباط عظيم ويأس كبير ولا ترى بارقة أمل في المستقبل فقد منيت بكثير من الهزائم والنكبات والنكسات حتى اصبح تاريخها الحديث والمعاصر سلسلة من المصائب والهزائم والنكبات.
اذا كانت الولايات المتحدة جادة في مكافحة الارهاب فانه ينبغي عليها تبني سياسة عادلة في الشرق الاوسط تنهي بها الاحتلال الاسرائيلي وترفع الظلم عن الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، لو تبنت الولايات المتحدة سياسة كهذه فانها ستنزع فتيلا يسبب كثير من الازمات ويحفر هوة كبيرة من انعدام الثقة بين العرب والولايات المتحدة فالانحياز الاميركي لـ«إسرائيل» افقدها ارضية كبيرة وشعبية مطلوبة كان يمكن ان تتمتع بها لو لم تنزلق الى سياسة الكيل بمكيالين والمضي وراء منطق ازدواج المعايير ويوم تصبح حقوق الانسان الفلسطيني متكافئة مع حقوق الانسان اليهودي فان نظرة العرب ستتغير كما ان الحماس للاتجاهات المعادية للسياسة الاميركية ستختفي تدريجيا. وعن البعد الدولي في علاج الاسباب يتوقف عنده حالة الامريكان بعد 11سبتمبر/ ايلول 2001 فيقول : ان محاولة الولايات المتحدة اقامة تحالف دولي ضد الارهاب لا بد ان تكون متوازية مع اجراءات اخرى حتى تتحمس الشعوب - وليس الحكومات فقط - للحملة الاميركية اذ ان فاقد الشيء لا يعطيه فاذا شعرت الشعوب العربية والاسلامية ان المطلوب منهم دعم السياسة الاميركية فقط من اجل متابعة الارهاب مع مواصلة مواقفها نفسها في مناطق مختلفة تثور فيها نزاعات اقليمية فان الجماهير سترفض ذلك وستقوم بعملية ضغط على الحكومات والانظمة قد تكون من نتائجها اوضاع جديدة لا تسعد بها الحكومة الاميركية ولا تستقر معها الانظمة الصديقة لها. ان المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة مطالب اليوم بالبحث في اسباب الارهاب ودوافعه بدلا من اطلاق المسميات بغير ضابط او رابط على نحو يمس مشاعر الامم ومعتقداتها وبطبيعة الحال فان الحرب ضد الارهاب ليست نزهة كما تعتقد وانها ليست مهمة سهلة تستطيع القيام بها على نحو غزوها واحتلالها لكل من افغانستان والعراق واسقاط النظام فيهما.
واخيرا يقول الفرا مؤيدا الازرعي وعموم من اشار الى علاقة الشرق بالغرب بعد سطوة الارهاب ان العرب والمسلمين مستعدون لدفع نصيبهم وفيما يمليه عليهم الواجب والمساهمة في عمل يؤدي الى الاستقرار الدولي ولكنهم في الوقت نفسه لا يقبلون ان يكون كل شيء على حسابهم واستنزافا من رصيدهم، نحن جميعا ابناء البشرية الواحدة نسير في قارب واحد ونواجه جميعا الارهاب بلا هوادة ولكننا ايضا نطلب العدالة والانصاف ورفع الظلم عنا والالتزام بالمساواة والتخلي عن الكيل بمكيالين
العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ