العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ

الحقوق الأساسية ليست قابلة للمساومة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

خلال الندوة التي أقامتها جمعية المنبر الديمقرطي التقدمي يوم أمس الاول دار الحديث حول محصلة الاصلاحات السياسية في البحرين، وهو سؤال حرج لعدة اسباب. فمن ناحية وقف المخلصون من ابناء هذا البلد خلف مشروع جلالة الملك سعيا إلى تعزيز مسيرة الاصلاح التي بدأت منذ مطلع العام 2001، ونحن الآن ندخل السنة الثالثة فماذا حققنا؟

بادئ ذي بدء، فإن الاصلاح بشكل عام يمكن تقييمهمن خلال النظر الى ثلاثة مستويات في هذا المجال... المستوى الأول هو التعامل الانساني، والمقصود بذلك انتقال طريقة التعامل بين الحاكم والمحكوم من لغة العنف وانتهاكات حقوق الانسان والغربة السياسية داخل وخارج الوطن إلى اسلوب التعامل بالحسنى وعدم ايذاء الطرف الآخر. فحتى الاسير في الحرب (وهو العدو الذي يحمل السلاح بقصد القتل) اذا وقع في الاسر وجبت معاملته بالحسنى وعدم ايذائه بأي شكل من الاشكال. هذا هو المستوى الأول، وأعتقد أننا حققنا ذلك بدليل ان السجون أفرغت، والانتهاكات والعنف توقف، وانتقلنا إلى اساليب التعامل الانساني.

المستوى الثاني عندما نتحدث عن الاصلاحات وموضوع الحقوق الاساسية، وفيما اذا كانت هذه الحقوق اصبحت مضمونة أم لا. أما المستوى الثالث من الاصلاحات فهو المشاركة الفعلية والكاملة في القرار السياسي والاقتصادي وفي توزيع الثروات بصورة عادلة. وأعتقد اننا نراوح حاليا عند المستوى الثاني مع محاولات للولوج إلى المستوى الثالث.

ولكن الغرابة هي ان بعض الجهات الرسمية بدأت تتراجع عن المستوى الثاني، ذلك لان موضوع الحقوق الاساسية يعتبر امرا ملازما لطبيعة الانسان وليس من المسموح المفاوضة عليه. فالمفاوضة على حقوق الانسان الاساسية هي اهانة للكرامة الانسانية وهي محاولة لارجاع المجتمع البشري الى مجتمع التوحش والعنف. فالحقوق الاساسية هي: حق الانسان في التعبير (لانه حيوان ناطق واذا منعته من النطق ارجعته الى صفة حيوان غير ناطق)، وحق الانسان في التجمع والتنظيم (لان الانسان اجتماعي بطبعه وليس متوحشا يأكل قويه الضعيف كما في الغابة)، وحق الانسان في العيش الكريم (لانه ليس حيوانا يقبل بالحياة الرذيلة ويعيش في الاوساخ وبصورة مذلة لا يقبلها الذوق الانساني).

واشتقاقا من هذه الحقوق الاساسية تأتي الحقوق الاخرى المرتبطة بها بشكل جوهري. ولا يمكن لاي نظام سياسي يحترم بني الانسان ان يتفاوض في هذا الحق او ان ينتقص منه بأي شكل من الاشكال. ولا يمكن ربط هذا الحق بالقانون، لان القانون ينبع من الحق وليس العكس. فالحق الاساسي حق ثابت وهو نقطه الصفر الذي تنطلق منه العملية السياسية وليس محطة للانتقاص او الحذف.

وهذا ما هو مستغرب من وزارة الإعلام التي أصدرت قانون الصحافة والنشر الذي يصادر حق الانسان الاساسي في النطق والتعبير عن الذات. وهذا القانون الجائر اهانة لكل انسان لانه يصنف التعبير عن الرأي جريمة يعاقب عليها من خلال جرجرة رئيس تحرير هذه الصحيفة او تلك والتحقيق معه كما لو كان مجرما حاول السطو او سطا على مصرف.

إن هذا الاستخفاف بحقوق البشر الاساسية انما هو محاولة لإرجاع الامور الى مستوى التعامل الوحشي والاغترابي الذي يتعامل مع الناس وكأنهم حيوانات موبوءة يجب عزلها في السجون وتسليط السجانين عليهم لمجرد انهم مارسوا القدرة التي وهبهم الله اياها وهي «النطق».

إنه ايضا استخفاف بأهل البحرين أن تصدر وزارة الاعلام قانونا مخالفا لكل الوعود التي اطلقتها القيادة السياسية، بل انها مخالفة للجنة تفعيل الميثاق التي اصدرت مبادئ قانون للصحافة والنشر متطور، إلا ان الوزارة رمت ذلك الاقتراح جانبا وشرعت قانونا يحاول تحويل اهل البحرين الى مجموعة من الحيوانات غير الناطقة.

إنها ايضا إهانة كبرى أن تقول وزارة الاعلام انها تطبق القانون وتدعي هذا هو معنى «سيادة القانون». القانون يلتزم بالحق الاساسي للبشر ويعبر عن ارادة الامة. أما هذا القانون فهو يحتقر الانسان ولا يعبر عن ارادة شعب البحرين. انه يعبر عن إرادة فئة معينة لا نعرفها ولا نود معرفتها.

ثم ننتقل إلى حق التجمع والتنظيم الذي يعاني ايضا من بعض الاستنقاص، والحمد لله ان اهل البحرين اليوم يجتمعون في مجالسهم ونواديهم ومساجدهم ولا يتم اعتقالهم بعد ذلك كما كان الحال قبل عدة سنوات. وهذا انجاز حقيقي لهذه الفترة. ولكن حق التجمع يتبعه حق التنظيم السياسي والنقابي. ولحد الآن كانت الحكومة تراوح في مكانها وتمنع اقامة النقابات المهنية (نقابة محامين، مهندسين، اطباء، صحافيين... الخ) وتعرقل اكتمال اقامة نقابات عمالية حقيقية (للعمال والموظفين في القطاع الخاص والقطاع العام والمؤسسات الوزارية). فموظفو الوزارات ممنوعون من النقابات والعمال الآخرون ليس لهم حق التفاوض الجماعي الذي تعتبره منظمة العمل الدولية اساس العمل النقابي.

ومرة أخرى، فإن التفاوض بشأن الحقوق الاساسية يعتبر اهانة لان الحقوق الاساسية غير قابلة للتفاوض بحسب الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فالمادة الأولى من الاعلان تقول: «يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم ان يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء». أما المادة الثانية فتقول: «لكل انسان حق التمتع بالحقوق والحريات كافة الورادة في هذا الاعلان، من دون اي تمييز...». المادة الثلاثون من الاعلان (الاخيرة) تنص على أن «ليس في هذا الاعلان نص يجوز تأويله على انه يخول لدولة تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه».

ولعل الرسالة الموجهة إلى من يحاول إحباط حركة الاصلاح عبر حرمان الناس من حقوق اساسية: احترام اهل البحرين أولا (لان البحرينيين ليسوا بالغباء الذي يعتقده بعض المسئولين)، وقراءة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ثانيا، وعدم مخالفة توجيهات القيادة السياسية الداعية للاصلاح ثالثا، والاتعاض بما يجري في هذه الدنيا رابعا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً