رد الشيخ عيسى أحمد قاسم على الكثير من الأسئلة والإشكالات التي طرحت خلال الصحف المحلية والمحاضرات والندوات، وكذلك حديث الشارع في ندوة «الأحوال الشخصية بين الشرع والقانون» والتي نظمت في مأتم سار الكبير مساء أمس الأول، مؤكدا أن القانون الذي يصوت عليه المجلس الوطني «حرام» لأن الأمور الشرعية ستكون عرضة للتغيير.
ومن أهم هذه الأسئلة «أين تكمن المشكلة التي تدعوكم إلى رفض هذا القانون؟ وهل انتم ترفضون القانون جملة وتفصيلا، أم أنتم ترفضون آليات طرح القانون؟ وهل رفض قانون الأحوال الشخصية الموحد يعني محاولة لخلخة الوحدة الوطنية التي يسعى الجميع إليها؟ هل تم أخذ رأيكم كعلماء دين بشأن المسودة المطروحة الآن للأحوال الشخصية؟ أنتم متهمون بتهميش الكثير من قضايا المجتمع (كالتجنيس والبطالة الفساد) بينما تحاولون إعاقة بعض القوانين التي يراها البعض انها تخدم المجتمع وعلى سبيل المثال قانون الأحوال الشخصية؟ هناك بعض الدول الإسلامية والعربية كالكويت وإيران مثلا تطبق هذا القانون فما الفرق بيننا وبينهم؟ وكذلك التساؤل بشأن عبارة الشيخ قاسم «خائن لدين ومتخاذل عن نصرته».
الرد على كتاب الصحافة
تناول الشيخ قاسم الرد على الإشكالات التي طرحها أحد المشايخ في كتاباته عن «ان الآراء الاجتهادية تبقى دائما محترمة»، واتفق الشيخ معه في هذه النقطة مؤكدا أنه كان يرددها دائما، وأنه من ابرز الناس ممن يصرون على احترام المذهب والرأي، ولكن المورد الموجود ليس مورد اجتهاد وان ينتقل حق التشريع من يد الله وسنة الرسول (ص) والمعصومين (ع) ومن أذن الرسول له في أن يستنبط هذه الأحكام، وتنقل من هذه اليد إلى يد المجلس الوطني الذي يحتوي على مختلف التخصصات، وليس كل أعضائه يتقيدون برأي الشريعة أو قادرين على استنباط الحكم الشرعي وقد لا يوجد بينهم من يمتلك هذا الموقع»، مؤكدا أنه خلاف ذلك لابد من التمسك باحترام المذاهب واحترام الآراء والاجتهاد.
تخوين غير الموقعين
وتطرق إلى كلمة له نقلتها الصحف، وعلق عليها أحد الكتاب وهي «من لم يوقع على العريضة الرافضة لتقنين الأحوال الشخصية عن طريق المؤسسة الوضعية خائن لدينه» وانتقدها ورأى أنها تخطئة للآراء الاجتهادية الأخرى وتحامل عليها وإدانة لها.
فرد عليه بالقول إنه «لابد لنا أن نتعامل مع الكلام تعاملا علميا»، وضرب مثلا بالقول: «ما كان مسكرا كان إثما» مشيرا إلى انها «إطلاقات موجودة، وقد خرجت منها جماعات لا ترى الخمر حراما بحسب اجتهادها، فلا تشملها هذه المقولة، وكذلك لا تشمل الجاهل بالحكم أو الموضوع».
وأضاف «عندما نقول من لا يوقع العريضة فهو خائن لدينه، أي الذي علم أن هذا منكر، وأنه أنكر هذا المنكر ولم يقصد استخدام أسلوب آخر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأما إذا استخدم أسلوبا آخر راجحا يكون خائنا لدينه... طبعا... لا». وقال: «من اطلع على الحكم وعلى الموضوع وترك التصدي للمنكر، فهذا لدي إنسان غير وفي لدينه ولم يتحمل الأمانة التي حمله الله إياها في الدفاع عن الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمثل خيانة للدين بهذا المقدار، وليس خروجا عن الدين»، مؤكدا أنه أكثر إحساسا «بخطر التكفير والحركات التكفيرية» وبما تمثله هذه الحركات من انحراف عن الإسلام.
«قانون الأحوال» وإيران
هو أحد الإشكالات التي طرحها الشيخ نقلا عن الكثير ممن تساءلوا عن وجود هذا القانون نفسه في إيران وقال: «يطرحون إيران وكأنهم يلزمونني بإيران كوني شيعيا»،
وأضاف «إن الجمهورية الإسلامية لها قانون معتمد من جهة شرعية ولا يلغي اعتماد هذا القانون الاجتهاد، فيمكن أن يأتي على رأس الدولة بعد مرشد الجمهورية فقيه آخر فيعدل في قانون الأحوال الشخصية، أما المجلس الوطني ليس جهة شرعية، وان أقوالهم لن تكون حجة في ديننا».
مشيرا إلى ان أحكام إيران «مكيفة تكييفا شرعيا وليس تكييفا وضعيا، وذلك لوجود مجلس صيانة الدستور والذي أرجع الكثير من القوانين التي قدمها مجلس الشورى لعدم توافقها مع الشريعة الإسلامية».
علماء الدين والتقنين
وأشار أيضا إلى بعض الأطروحات التي تتبنى فكرة أن هناك علماء دين وافقوا على التقنين، وأكد احترامه لهؤلاء العلماء الذين ذكروا وغيرهم مؤكدا أن الحجة محصورة في قول المعصوم وفعله.
ولفت الشيخ نظر الموجودين إلى «ان علماء السنة وافقوا على تقنين الأحكام الشرعية ولم يوافقوا على الأحكام الوضعية»، إذ يمكن تحويل الأحكام الشرعية من لغة فقهية إلى لغة قانونية وهي دور صياغي للمواد فقط من غير تغيير أي شيء ولو بـ «مقدار شعرة» في المضمون، «ولكن أن يحكم رأي النائب أو مجموعة النواب وما وافقت عليه الغالبية يكون مادة قانون بغض النظر عن أنها وفق الشريعة، فهذا تقنين وتشريع».
وقال: «هناك من يقول إن الخليفة عمر (رض) مارس تقييد القضاء بالقياس والمصلحة، إلا ان الحجية في مذهبي مختصة بالمعصومين (ع)، ولا الزم الآخرين بذلك، وحجية الصحابي مأخوذة عن الأخوة السنة وأحترم رأيهم».
تعطل القضاء في المحاكم
وفي هذا المجال تحدث الشيخ عن غياب الرقابة وغياب الاهتمام وسوء الإدارة والروتين الرسمي، مشيرا إلى أنها كلها ساعدت على سوء حال القضاء في البحرين، مؤكدا أن «الحكم الشرعي ليس هو السبب، والقاضي الكفاءة هو من يستطيع فهم الحكم الشرعي بما لا يحوجه إلى البحث عن المسألة بحثا كثيرا والتعطل فالقضايا منشؤها هذا البحث».
وتطرق أيضا إلى القوانين الموجودة التي تمس الدين عندما قال إن دين الدولة هو الإسلام، والإسلام مصدر رئيسي للتشريع، ولكن المادتين لا تطبقان، مستدلا أنه لا يوجد قانون يعاقب الزاني والزانية لأنهم في حال توافق، ولا يوجد قانون الربا أوقانون يمنع بيع الخمر «وبعد ذلك نقول إن دين الدولة الإسلام».
«الأحوال» والوحدة الوطنية
وتطرق الشيخ إلى من يربط موقفه بمسألة الوحدة والطائفية، مؤكدا بدوره «إن القانون تكريس للطائفية» لأنه سيقوم لمذهب على مذهب وهذا يمثل «جبرية طائفية» وإلغاء المذهب الآخر.
وقال: «القانونان الشرعيان عدل مذهبي وانفتاح مذهبي وحرية مذهبية وتبادل احترام مذهبي، ولا تعني الوحدة المذهبية أن نصلي صلاة واحدة أو نصلي صلاة العصر بالطريقة الشيعية والمغرب بالطريقة السنية».
... ومتى أخذ رأي العلماء
قال: «من نحن حتى يؤخذ رأينا؟ وما هو وزننا في هذا البلد؟ وما وزن الدين كله؟ وأخذ رأينا لا يعطي الشرعية للقانون إذا خرج من المجلس الوطني، ولا نرضى بأن يخرج منه حتى لو باركنا له كلنا، لأنه سينجح في المرة الأولى ليغيَّر في المرات المقبلة بالطريقة الوضعية»
العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ