يبحث مسئولون في البيت الأبيض ما إذا ينبغي استهداف إيران في سياق استراتيجية حكومة الرئيس جورج بوش لتغيير الأنظمة بعد نجاحها في الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلال العراق.
وقالت مصادر أميركية مطلعة ان مسئولي مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع (البنتاغون) سيناقشون غدا ما إذا كان ينبغي القيام بإجراءات لزعزعة استقرار نظام الحكم في طهران بدعوى وجود أدلة على أن إيران تؤوي أعضاء كبار في تنظيم القاعدة وبمخاوف من مساعي طهران لامتلاك أسلحة نووية. ويتزعم دعوات التدخل في الشئون الداخلية الإيرانية مسئولون من الصقور الذين ينتمون إلى المحافظين الجدد في مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، يستخدمون تلك الدعاوى لفرض وجهات نظرهم بضرورة أن تتبنى واشنطن إجراءات علنية وسرية لتقويض نظام الحكم الإسلامي في طهران فيما يرى مسئولون في وزارة الخارجية أنه سيكون لها تأثير سلبي بتشويه سمعة التيار الإيراني الإصلاحي المعتدل الذي يدعو إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
وعلى رغم أن مسئولا أميركيا من المشاركين في المناقشة قال «إن الخيار العسكري ليس خارج طاولة البحث» فإن مسئولين آخرين قالوا انه ما من أحد يقترح غزوا لإيران على رغم أن بعض المسئولين الأميركيين والإسرائيليين يعتقدون أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تشن غارات جوية محدودة على المنشآت والمرافق النووية في إيران إذا ظهر أن إيران على وشك إنتاج أسلحة نووية، إذ تزعم الحكومتان الأميركية والإسرائيلية أن برنامج إيران للأسلحة النووية قد يكون أكثر تقدما مما كان يعتقد في السابق، وأن إيران قد تمتلك أسلحة نووية في غضون عامين، غير أن إيران تنفي هذه المزاعم وتؤكد أن مفاعلها النووي هو لأغراض الطاقة النووية السلمية. وكانت منظمة مجاهدي خلق زعمت في مؤتمر صحافي عقدته في واشنطن يوم الخامس عشر من الشهر الجاري، أن إيران تقوم ببناء معمل لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة ناتانز، كما أنها تمتلك برنامجا لإنتاج الأسلحة الكيماوية والجرثومية قامت أخيرا بتوسيعه. وقال مسئولون أميركيون ان «المعلومات التي قدمتها مجاهدي خلق عززت صدقيتها لدى الحكومة الأميركية». وتقوم الحكومة الأميركية بدفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعلان أن إيران منتهكة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية للعام 1968، ومن المقرر أن يصدر مدير الوكالة محمد البرادعي تقريرا عن إيران يوم العاشر من شهر يونيو/ حزيران المقبل.
وقد اقترح مسئولون في البنتاغون استخدام بقايا منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في العراق التي وضعتها قوات الاحتلال الأميركي تحت حمايتها. غير أن مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي كوندوليسا رايس وعدد من كبار المسئولين الأميركيين رفضوا الفكرة قائلين إن مجاهدي خلق هي «مجموعة إرهابية» مدرجة على قائمة وزارة الخارجية لما تسميه «المنظمات الإرهابية».
وعلى رغم أن بوش وضع إيران ضمن ما يسميه «محور الشر» إلى جانب كوريا الشمالية والعراق قبل احتلاله، فإن موقفه الرسمي حتى الآن يتمثل في تشجيع الشعب الإيراني على أن يقوم بنفسه بتنحية نظام الحكم في إيران، لذلك فإن الرئيس بوش حتى الآن ينتهج مسارا وسطا مع إيران والدخول معها في سلسلة اجتماعات عبر طرف ثالث شارك فيها دبلوماسيون أميركيون وإيرانيون في جنيف تضمنت حوارات حول مسائل ذات اهتمام مشترك مثل أفغانستان والإرهاب والعراق، ولكن مع عدم محاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية، غير أن واشنطن علقت أخيرا هذه الاجتماعات عقب ادعائها بتلقيها معلومات استخبارية بوجود خلية للقاعدة في إيران بقيادة سيف العدل، ساعدت في تنظيم التفجيرات الأخيرة في العاصمة السعودية، الرياض التي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من بينهم ثمانية قتلى أميركيين. وقد حملت الحكومة الإيرانية التي نفت إيواء فارين من أعضاء القاعدة، حملت واشنطن مسئولية تعليق الاجتماعات.
وعلى رغم اعتراف مسئولين أميركيين بأن إيران سلمت بعض المشتبه فيهم من القاعدة إلى السعودية وباكستان ومنعت آخرين من دخول أراضيها فإن رامسفيلد قال: «لا يوجد شك في أن هناك اليوم كبار زعماء القاعدة في غيران وهم مشغولون». كما زعم مسئول استخباري أميركي كبير أن خلية سيف العدل التي يعتقد أنها في منطقة نائية من جنوب شرقي إيران قرب الحدود مع باكستان كانت تعمل بموافقة جزء من الحكومة الإيرانية.
ويعمل إلى جانب صقور البنتاغون تحالف من المنظمات اليهودية الأميركية وأنصار الكيان الصهيوني في الكونغرس وبعض مراكز البحث الأميركية اليمينية والملكيين الإيرانيين من أنصار رضا بهلوي الابن المنفي لشاه إيران السابق. وهذا التحالف يعتقد ان سياسة البيت الأبيض تجاه إيران حتى الآن ليست حازمة ولذلك أوجدت فرصة لظهور نشطاء خارجه، إذ بدا أن النقاش داخل الحكومة الأميركية يميل لمصلحة المحافظين الجدد الذين يتبنون تغيير نظام الحكم في طهران من خلال الضغط الدبلوماسي وحتى العمل السري.
وقال رئيس لجنة الشئون العامة الإيرانية - اليهودية في لوس أنجليس بويا ديانيم (يهودي إيراني) «إن هناك حلفا أخذ يبرز بين صقور في الحكومة الأميركية ومجموعات يهودية ومؤيدين إيرانيين لرضا بهلوي للضغط من أجل تغيير النظام». ويشبه مراقبون رضا بهلوي بالمعارض العراقي أحمد الجلبي المفضل لدى صقور البنتاغون. فبهلوي مثل الجلبي له علاقات جيدة مع الكثير من المنظمات اليهودية الأميركية، فقد تحدث أمام المعهد اليهودي للأمن القومي (جينزا)، كما ألقى خطابا في مركز سيمون ويزنتال اليهودي في لوس أنجليس واجتمع مع زعماء الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة. كما أجرى أيضا خلال العامين الماضيين اتصالات من دون ضجيج مع كبار المسئولين الإسرائيليين من بينهم ارييل شارون وبنيامين نتنياهو وموشيه كاتساف.
وكان من المقرر أن يجتمع بهلوي مع أعضاء يهود إيرانيين في منظمة اللوبي اليهودي الإسرائيلي المعروف باسم «إيباك» في مؤتمرها السنوي في شهر إبريل/ نيسان الماضي، لكنه تم إلغاء تلك الخطة، نظرا إلى انه مسئوليها شعروا بالقلق من أن ذلك قد ينظر إليه بأنه غير مناسب. لكن هذا لم يمنع قيام الجماعات اليهودية الأميركية بإبلاغ رضا بهلوي أنها ستقدم إليه الدعم الخاص وتساعد في ترتيب اجتماعات بينه وبين مسئولين أميركيين، إذ يلعب اليهود الإيرانيون دورا رئيسيا في صوغ هذه العلاقة.
وقال مسئولون أميركيون ان «توجيها رئاسيا» بشأن الأمن القومي والسياسة الأميركية تجاه إيران كان ولايزال معلقا طيلة عام بسبب النقاشات داخل حكومة بوش وبسبب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق التي أسفرت عن احتلاله.
وقد تم تأجيل اجتماع كان من المقرر أن يعقد في البيت الأبيض لطاقم بوش للسياسة الخارجية والأمن القومي يوم الخميس الماضي لبحث السياسة الأميركية تجاه إيران، إذ تم الاتفاق على عقده في وقت لاحق من الأسبوع الجاري ربما يكون اليوم الثلثاء. وعزا مسئول أميركي ذلك إلى أن حكومة بوش تريد إعطاء إيران عدة أيام أخرى لتلبية مطالب أميركية بتسليم أعضاء معتقلين لديها من تنظيم القاعدة وإلا فإن من المحتمل أن ترد واشنطن بإجراءات أكثر شدة.
وتقول مصادر مطلعة على طبيعة النقاش الدائر داخل الحكومة الأميركية بشأن إيران انه مواز للمناقشة التي جرت قبل الغزو الأميركي للعراق، إذ اشتدت حرارة معركة سياسية بين وزارة الخارجية والبنتاغون إزاء ما ينبغي عمله في إيران، «فالرئيس بوش ونائبه تشيني وغيرهما والبنتاغون يؤيدون تغيير نظام الحكم، ولكن الخارجية لا تريد التدخل في إيران،» ومن المعروف عن رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز ووكيل وزارة الدفاع للشئون السياسية دوغلاس فايث يؤيدون تغيير النظام على رغم أنهم أقل حديثا عن إيران مما كانوا عليه بشأن العراق.
ويتولى الرئيس السابق لهيئة موظفي نائب الأميركي الرئيس الأسبق دان كويل، ويليام كريستول قيادة الاندفاع نحو سياسة أكثر هجومية إزاء إيران. فقد كتب كريستول الذي يتولى حاليا إدارة ما يعرف بـ «مشروع القرن الأميركي الجديد» للهيمنة على العالم وإعادة صوغ الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية وجوارها، كتب مقالا في أسبوعية «ويكلي ستاندرد» يوم الثاني عشر من الشهر الجاري يدعو إلى الضغط من أجل عمل سري وخطوات أخرى لإحداث تغيير في نظام الحكم في طهران.
وتقول مصادر مطلعة ان مكتب «الخطط الخاصة» في البنتاغون لجمع المعلومات الاستخبارية عن العراق بدأت الآن من خلال الخبير في شئون إيران مايكل روبن بالعمل بشكل ظاهر للتخطيط لتغيير النظام في إيران. وكان روبن قبل التحاقه بالبنتاغون يعمل باحثا في معهد اللوبي اليهودي-الإسرائيلي المعروف باسم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وقد اشتكت مصادر المخابرات الأميركية بشأن ما اعتبروه ميلا من جانب «مكتب الخطط الخاصة» السرية لتلوين المعلومات الاستخبارية بشأن العراق بحيث تتفق مع خطه المتشدد، اذ كان ولايزال يقوم بمقابلة أناس وجمع معلومات استخبارية عن إيران لكي يكون مستعدا لدعم ما يسميه الصقور «الديمقراطية» في إيران. وقد أمضوا المزيد من الوقت في عمل ذلك أكثر بكثير مما قام به خبراء وزارة الخارجية الأميركية.
وفي الوقت نفسه ينشط أنصار الكيان الصهيوني في الكونغرس إذ يروج العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي توم لانتوس لمشروع قرار يؤيد شعب إيران ضد نظام حكمه، كما أن العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي سام براونباك قدم يوم الثاني عشر من الشهر الجاري تعديلا على مشروع قانون يطلق عليه «قانون ديمقراطية إيران» يدعو إلى تخصيص 50 مليون دولار لتمويل محطات الإذاعة والتلفزة للمعارضة الإيرانية في لوس أنجليس والتي معظمها يؤيد إعادة الملكية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الديمقراطية. ويدعو التعديل إلى إلزام الولايات المتحدة بدعم استفتاء شعبي مراقب دوليا يسمح للإيرانيين بتغيير حكومتهم سلميا.
وقالت الناطقة باسم «إيباك» ربيكا دينار: «إننا نؤيد الجهود الرامية إلى تشجيع شعب إيران لقطع روابط نظام الحكم الإيراني مع الإرهاب ومساعيه للحصول على أسلحة نووية».
وقد شكل أنصار «إسرائيل» وإيرانيون معارضون في الولايات المتحدة لجنة باسم «التحالف من أجل الديمقراطية» في إيران. ومن بين أعضائها المسئول في حكومة الرئيس السابق رونالد ريغان والباحث حاليا في معهد أميركان انتربرايز اليميني الذي يعتبر قاعدة المحافظين الجدد مايكل ليدن، والمدير السابق لإيباك وموريس آرميتيه، والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركي جيمس وولزي وفرانك غافني، رئيس المركز الصهيوني للدراسات الأمنية والعضو السابق في مجلس الشيوخ الأميركي بول سايمون، والمستشار النفطي روب سبحاني. وقد شارك كل هؤلاء في ندوة نظمها معهد أميركان انتربرايز يوم السادس من الشهر الجاري بعنوان «مستقبل إيران» إذ جادل ليدن في أن المساعدة الخارجية ضرورية لمساعدة إثارة تغييرات ثورية في إيران زاعما أن نظام الحكم في طهران هو على حافة الانهيار وأن الوقت حان لواشنطن من أجل إسقاطه.
غير أن الخبير في شئون إيران والمنطقة والمسئول الأسبق في مجلس الأمن القومي، غاري سيك، يقول إن صقور البنتاغون وأنصارهم يعتقدون أن الإصلاحيين في إيران هم مجرد رجال دين بوجوه باسمة، وأن تغيير النظام هو الطريق الوحيد. ويضيف سيك الذي يترأس حاليا مركز الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا بنيويورك: «إنهم يعتقدون أن الوضع في إيران ناضج للثورة، ولكنني أعتقد أن ذلك موضع خلاف كبير».
كما أن مسئولا سابقا في البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأميركية قال: إن الذين يتبنون حل تغيير النظام في طهران قد بالغوا في تقويمهم لضعف الحكومة الإيرانية. وقال الباحث في مركز صبان بواشنطن فلاينت ليفاريت إنني لا أعتقد أن نظام الحكم الإيراني ككل هو بيت من الكروت جاهز لإسقاطه»، مضيفا إن من غير المحتمل بصورة خاصة أن تكون هناك حكومة جديدة في طهران في الوقت المناسب لتلبية المخاوف الأميركية عن برنامج الأسلحة النووية وقضايا مماثلة»
العدد 263 - الإثنين 26 مايو 2003م الموافق 24 ربيع الاول 1424هـ