تحتار اميركا من اين تبدأ في حربها على الارهاب. فما ان تنتهي من حرب محدودة، حتى يعود الارهاب ليطل برأسه. تكمن معضلة اميركا في انها الاكثر قدرة في العالم، لكنها ايضا الاكثر معطوبيّة ايضا. لا تعرف اميركا من تفاوض لوقف الارهاب، كما لا تنفع قدرتها الردعيّة مع هذا الارهاب. في الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفياتي عدوا عقلانيا يمكن ردعه، وكان يحب الحياة ولديه درجة من المعطوبية. مع الارهاب، لا حب للحياة إلا في جنان الله. يسبّب الارهاب لاميركا ازمة ثقة بالنفس. فما ان يعلن الرئيس بوش من على ظهر حاملة الطائرات وقف العمليات العسكرية في العراق، حتى يعود إلى نقطة الصفر في حربه على الارهاب.
تخوض اميركا معاركها العسكرية والسياسية باتجاهات ثلاث: الاول، منع قيام اية دولة، او تحالف منافس لها. قد يؤدي هذا الامر إلى الحرب الشاملة. ثانيا، ضرب اية دولة ترعى، أو تمول او تدعم الارهاب. يندرج هذا الوضع في خانة الحروب المحدودة (افغانستان والعراق). ثالثا، ملاحقة المنظمات الارهابية اينما كانت. يطلق على هذه الملاحقات الميكرو -حروب. ويتساءل المحللون في هذا الوضع عن امكان انتصار الديمقراطيات في الحروب الصغيرة، وخصوصا ان اميركا لديها تجارب في هذا النوع من الحروب وكانت قد فشلت، تندرج فيتنام في قمة هذه الحروب.
تزامنت التفجيرات في كل من الشيشان، الرياض والدار البيضاء. العامل المشترك بينها كلها، انها ارهابية. هذا طبعا مع الاختلاف في الظروف وطريقة التنفيذ. في الشيشان، الهدف هو استقلال المسلمين عن روسيا. ترفض روسيا هذا الامر، يقاوم الشيشانيون، يصفهم بوتين بالارهابيين ويطلب دعم اميركا بسبب تقاطع المصالح. بالاضافة إلى التفجيرات، هناك خوف من عمليات ارهابية في كل من كينيا ولبنان بعد ان اعلنت السلطات اللبنانية احباط المحاولات الارهابية. لكن الامر في الرياض والدار البيضاء مختلف. فماذا عنهما؟
السعوديّة: تشير التحليلات إلى ان التفجيرات التي حصلت في الرياض هي من عمل تنظيم «القاعدة». فالاسلوب هو هو، انتحاريون يقتحمون اهدافهم لتدميرها غير عابئين بالنتائج. إذا ما سلمنا ان العمل هو من تنفيذ القاعدة، فلماذا السعوديّة؟
1- تعتبر السعودية البلد الاساسي الذي انطلق منه زعيم تنظيم القاعدة. وتعتبر ايضا ملاذا آمنا لعناصره. ويمكن للمؤمنين به ان ينفذوا مباشرة كل فتاويه بشأن ضرب الكفار لاخراجهم من جزيرة الاسلام.
2- على رغم بدء خروج القوات الاميركية من المملكة، يعرف تنظيم «القاعدة» انه سيكون الهدف المستقبلي لقوات الامن السعوديّة، لذلك كان الاستباق. يريد تنظيم القاعدة تقويض النظام السياسي في المملكة، عبر اظهاره عاجزا.
3- من خلال عمليات التفجير في المملكة، يهدف تنظيم القاعدة إلى ضرب العلاقات الاميركية - السعودية.
ما التفسير لهذه التفجيرات؟
إذا كانت القاعدة هي المنفذة فعليا فهذا يعني الامور الآتية:
1- ان التنظيم حي يرزق، وهو استعاد دوره بعد ان وصلت الحملة عليه بعد افغانستان والعراق إلى ذروتها.
2- اثبت التنظيم انه من الصعب التنصت عليه وخرقه استخباراتيا، والا فما معنى نجاحه الاخير؟ كما اثبت انه قادر على التنفيذ حتى ولو توافرت لاميركا معلومات معينة.
3- اثبت التنظيم انه استعاد ترتيبه القيادي، وأصبح قادرا على القيام بعملياته المعهودة. هذا يعني طبعا استعادته لامكاناته المادية. باختصار، أصبح لديه غرفة عمليات جديدة، مع قيادات جديدة.
هل يمكن لتنظيم آخر القيام بهكذا نوع من العمليات؟
ممكن، لانه أصبح من السهل القيام بهذه العمليات. فهي لا تستلزم وسائل معقدة جدا. إنها سلاح الضعيف ضد القوي. كما ان التجارب السابقة أصبحت ماثلة للعيان تبث على شاشات التلفزة. لكن الاكيد، ان العمليات التي نفذت في الرياض، تستلزم عملا متخصصا. لذلك هي ليست من عمل اناس عاديين، فالمطلوب للتنفيذ عمليات معقدة من التخطيط والاستعلام، كذلك الامر التنفيذي.
ما الدروس المستقاة سعوديا؟
تندرج الدروس المستقاة في ما ورد في المؤتمر الصحافي الذي عقده مستشار الامير عبد الله عادل الجبير. فماذا عنه؟
1- اعلن المستشار بصراحة عن تقصير السعودية في بعض النواحي، كما دافع عن بعض الامور.
2- الجديد في الامر، هو في «العلنية» التي لم نتعوّد عليها في الامور الداخلية والتي تتعلّق بالمملكة. وقد بدا الامر وكان الرسائل السعودية، موجهة إلى الارهابيين، كما إلى الراي العام الاميركي والكونغرس.
3- ورد في المؤتمر أمور تتعلق بالمصالح المشتركة بين اميركا والمملكة، فالعدو مشترك دون شك. كما ورد في المؤتمر، وعود تتعلق بتغييرات جذرية مقبلة تتعلق بالتعليم، الاقتصاد وما شابه.
4- يدل المؤتمر على ان السعودية ستشهد في المستقبل القريب إعادة تراتيب داخلية مهمة، وعلى رأسها الامور الامنية.
الدار البيضاء: شهد المغرب عمليات ارهابية سابقة. وهو البلد العربي الوحيد الذي يقيم علاقات مع «اسرائيل»، ولديه جالية يهودية كبيرة في الوقت نفسه. وقعت التفجيرات قرب مصالح تتعلق بكل من: اليهود، بلجيكا واسبانيا. فماذا عن التفجيرت؟
1- تختلف التفجيرات في المغرب عنها في السعودية. لم يكن في المغرب وحسب ما ورد، انتحاريون، بل كان هناك سيارات مفخخة.
2- قد يعني هذا الامر ان العمل قد لا يكون من صنع القاعدة.
3- إذا كان العمل من صنع القاعدة، فهذا يعني ان القاعدة أصبحت قادرة على العمل في اطار قاري، وحتى دولي.
4- الهدف من التفجير في الدار البيضاء هو لتوسيع رقعة القلق والاهتمام أمام اميركا لاظهارها عاجزة.
5- قد يعني ايضا هذا الامر، ان القاعدة وكالعادة تستهدف الاهداف الطريّة، إذ التركيز الامني هو الاقل. وإلا فما معنى اختيار كينيا؟
هل هناك من تفسير آخر للتفجيرات في المغرب؟
لان طريقة التفجير تختلف عن اسلوب القاعدة. ولان المصالح الاميركية لم تكن مقصودة مباشرة، يمكننا التكهن بما يأتي:
1- المقصود من التفجير هو النظام المغربي، او بالاحرى الاقتصاد المغربي. فالمغرب بانتظار توقيع اتفاق التجارة الحرة مع اميركا، الامر الذي يفتح عليه امكان تدفق رؤوس الاموال الاجنبية. الخلل الامني، يبعد الاموال.
2- المقصود من التفجير هو وضع الكثير من الضغوط الاميركية على الانظمة العربية، وابعاد اميركا عنها. أي ضرب الصداقات العربية - الاميركية.
3- الهدف من التفجيرات قرب التجمعات اليهودية، قد يضع المزيد من الضغوط على الجالية اليهودية لتشعر بأنها ليست آمنة، فتفتح بذلك طريق الهجرة إلى «اسرائيل». بذلك قد يتحقق حلم شارون باستقدام مليون مهاجر يهودي جديد على عهده.
هل يستبعد هذا التحليل ايدي الموساد الاسرائيلي عن التفجيرات؟
في الختام، وإذا كانت كل هذه التفجيرات من صنع القاعدة، يبقى على الشيخ اسامه بن لادن ان يطل علينا بشريط جديد يعلن فيه مسئوليته، فيكون بذلك يستهلك صورة ورصيد الرئيس بوش
العدد 263 - الإثنين 26 مايو 2003م الموافق 24 ربيع الاول 1424هـ