العدد 263 - الإثنين 26 مايو 2003م الموافق 24 ربيع الاول 1424هـ

الشأن الطائفي... يؤججه من يستفيد منه

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بعيدا عن الشعارات الرسمية فإن الحس الطائفي يرتبط بجوانب كثيرة من حياتنا اليومية، وهو يبدو خافيا لدى البعض، وظاهرا بشكل جلي، وربما بصورة شاذة أيضا، لدى البعض الآخر. ومعالجة الحس الطائفي بحاجة إلى عدة أمور من بينها المصارحة بوجوده وعدم دفن الرأس في الرمال.

تاريخنا الإسلامي تشكل على أساس فئات من المجتمع، تم تحديدها مع الزمن. فهناك طبقة السلاطين وطبقة العلماء وطبقة عامة الناس. والناس كانوا مجموعات من القبائل والطوائف، وكان رئيس القبيلة وزعيم الطائفة هو المتحدث الرسمي أمام السلطان عن شأن هذه الطائفة أو تلك القبيلة. والانتماءات القبلية كانت ـ كما أوضح ابن خلدون ـ أساس تكوين الدولة الإسلامية العربية وغير العربية بعد زمن الخلفاء الراشدين. وكما أوضح ابن خلدون فإن العصبية القبلية التي تربط مجموعة من الناس الذين ينتمون إليها هي العمود الفقري للدولة العربية، وان قوتها مستمدة من قوة العصبية القبلية التي ربما تستمر ثلاثة أجيال قبل أن تضعف.

قبل ذلك كان الرابط الديني (الاخوة الإسلامية) هو الأساس لإقامة الدول الإسلامية، ولكن ذلك لم يستمر طويلا، ومنذ ذلك الحين فإن المسلمين «يحنون» إلى تاريخ فلت من أيديهم.

ما بين السلاطين والناس كان هناك علماء الدين الذين انقسموا قسمين؛ قسم منهم أطلق عليه البعض صفة «علماء البلاط»، وهم الذين يبررون للناس ما يقوم به السلطان. وقسم آخر كانوا العلماء الأتقياء الذين يخافون الله في سرهم وعلانيتهم ويحذرون السلاطين من مغبة الانحراف عن دين الله، كما يوجهون الناس إلى الارتباط بالدين من أجل سعادة الدنيا والآخرة.

غير أن علماء الدين أنفسهم كانوا مذاهب داخل الدين، وهذه المذاهب بدأت فقهية وفكرية، ولم تتحول إلى سياسية إلا في فترات لاحقة. فعلماء المذاهب كانوا يدرسون على أيدي بعضهم بعضا في المدينة المنورة والكوفة وباقي البلاد الإسلامية. وكانوا يتحاورون ويختلفون ويقيلون بعضهم بعضا على أساس سعي الجميع إلى نيل رضا الله تعالى.

الدولة العثمانية غيرت الأمر كثيرا، فبعد أن تسلم العسكر الأتراك شأن الدولة الإسلامية منذ مطلع القرن الرابع عشر الميلادي أداروا شئون الدولة على أساس الانضباط العسكري. ولذلك فإن القاضي الأكبر وشيخ الإسلام والمنصب الديني الأول أصبح بيد السلطان يعينه ويفصله متى شاء. وسارت على ذلك النهج (مع اختلاف طفيف) الدولة الصفوية وبقية الدول الأخرى. ومنذ ذلك الحين أصبح المسئول الديني الرسمي تابعا لقرار السلطان المباشر.

وهذا أدى إلى تسييس «المذهبية» بصورة أشد مما سبق، وأصبحت لدينا طائفة معترف بها رسميا، وطائفة غير معترف بها، وأصبحت هناك طبقة علماء رسمية، وطبقة علماء غير رسمية. وبالتالي أصبح هناك توزيع للمصالح الدنيوية على أساس الانتماء المذهبي والقبلي والاثني. فإذا كنت تركيا حنفيا من آل عثمان فأنت في الصدارة لدى الدولة العثمانية. وإذا لم تكن كذلك فعليك بالاقتراب من تلك الفئة بطريقة ما.

ولقد تورط الصفويون في الأمر عندما سيطروا على إيران. فبعد إعلانهم المذهب الشيعي مذهبا رسميا للدولة بدأ الناس يحاسبونهم على أساس عرقهم التركي الأصل. وهذا دفع الصفويين للادعاء بأنهم من « السادة»، أي من أهل البيت، وبذلك أسكتوا الآخرين الذين اعترضوا على نسبهم القبلي.

وهكذا دخلنا القرن العشرين، ومن ثم الحادي والعشرين وكثير من مكوناتنا السياسية والفكرية قائمة على أساس فهم طائفي. فهناك من يعتقد بأنه ـ ولأنه من هذه الطائفة أو تلك ـ على حق مئة في المئة، وانه هو الأصل وغيره ليس إلا طارئا. وهؤلاء بعضهم ليس مضطربا وإنما تشبع ذهنيا ولا يستطيع أن يتنفس أو يرى أو يسمع إلا من خلال هذه الرؤية غير الإسلامية وغير الإنسانية.

ولقد ساعد على تعزيز الطائفية النهج الذي ساد في أنظمة الحكم وفي الأحزاب الإسلامية السياسية. فجميع هذه التشكيلات اتخذت المذهب (بالإضافة إلى القبيلة في كثير من الأحيان) أساسا للانتماء. ولم تستطع الدولة القومية تذويب هذه الانتماءات، بل على العكس من ذلك؛ فعلى رغم رفع الشعارات الجميلة في الدستور والإعلام، فإن الواقع على الأرض يتحرك في الغالب على أساس غير ما هو معلن. وفي الحالات التي لم تظهر قبيلة أو طائفة بصورة واضحة، ظهرت لنا الصفة العسكرية ـ الأمنية ـ الاستخبارية لتعويض النقص في الشعور بالانتماء لما هو أكبر من الانتماءات الفرعية.

غير أن ما لدينا من شواهد تاريخية أن الفروقات الفكرية والفقهية جميعها قابلة للتقريب والتقارب وبعض الأحيان التوحد في مجالات كثيرة ومهمة. ولكن هناك من يستفيد من وجود تفريق بين الناس على أساس الانتماء العرقي (الاثني) والقبلي والطائفي، أو أي فرق آخر. وهؤلاء المنتفعون شخصيا من التفريق السياسي على واحدة من الأسس المذكورة ليس من مصلحتهم أن تتجه الجهود إلى طريق يؤدي إلى نهاية مصالحهم الذاتية، حتى لو كانت تلك المصالح وهمية، ولا وجود لها على الأرض.

وفي البحرين نحن بحاجة إلى حركة ثقافية تصحيحية تقف أمام هذه النزعات غير الإنسانية التي يعيش عليها البعض، الذي لم يجد له هدفا ساميا في حياته. والحركة الثقافية يلزم أن تكون أهلية لكي يكون أثرها بعيد المدى

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 263 - الإثنين 26 مايو 2003م الموافق 24 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً