العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ

رؤية بشأن التأمينات الاجتماعية (2-2)

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ابتداء أعتقد ان الحكومة تناست الفلسفة الحقيقية من وراء إنشاء مؤسسات الضمان الاجتماعي كالتقاعد والتأمينات الاجتماعية، فالأصل أن مثل هذه المؤسسات وجدت في المجتمعات الرأسمالية بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي أوصلت هذه المجتمعات إلى حافة الانهيار والثورات وتفشي البطالة، وبعد أن حلت الآلة محل الإنسان في الأعمال الصناعية، وكثرت واشتدت المخاطر الاجتماعية على العمال وراح ضحيتها الكثير من الأفراد والأسر نتيجة لأمراض المهنة أو الإصابة أو العجز أو الوفاة أو التقاعد أو البطالة، ومن هنا تبلورت فكرة الحماية أو الضمان الاجتماعي لدرء المخاطر.

بالنسبة إلى تصريحات الشيخ عيسى بن إبراهيم بشأن إفلاس الهيئة اكتواريا فإنها لم تكن زلة لسان، وإنما صدرت هذه التصريحات لعدة أسباب وأهداف بعضها معروف وبعضها مخفى، فعلى صعيد الأسباب والأهداف المعروفة، يبدو أن رئيس الهيئة لم يتمكن من انتزاع قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على توصيات الدراسة الاكتوارية وقرارات مجلس إدارة الهيئة التي اعتمدت هذه التوصيات، إذ ان هذه القرارات من شأنها أن تحسن من الوضع المالي للهيئة ولكنها تخلق احتجاجات شعبية كبيرة وكذلك إضرارا بقطاع الأعمال الذي تم التعامل معه في الفترة الماضية كالابن المدلل إذ تم تخفيض نسبة مساهمته العام 1986 تحت تبرير الركود الاقتصادي آنذاك لتصبح النسبة الإجمالية من 18 في المئة إلى 12 في المئة.

وكان ذلك بضغط من القطاع الخاص، كما قامت الحكومة ضمن حلولها الترقيعية لحل مشكلة البطالة بتشجيع التقاعد المبكر، وقررت تنفيذ التقاعد المبكر الإجباري للمنشآت الحكومية التي يتم تخصيصها، وغير ذلك من الإجراءات التي بدأت نتائجها تظهر حاليا، ولكن بعد أن استفاد المواطن من امتيازاتها وأصبحت نوعا ما حقا مكتسبا له من الصعوبة التراجع عنه إذ ان ذلك من شأنه أن يخلق تمييزا كبيرا بين المتقاعدين الحاليين الذين قرروا التقاعد أمام الامتيازات المعطاة لهم وبالتالي لا يجوز سحبها منهم بعد أن تم تشجيعهم وإغراؤهم للتقاعد، وإذا ما تم تنفيذ هذه التوصيات ولكن من دون أثر رجعي، فمن الواضح أن ذلك سيخلق تمييزا كبيرا بين المتقاعدين الجدد والقدامى.

لذلك أعتقد بأن التصريحات الصادرة عن الشيخ عيسى تهدف إلى الضغط لقبول توصيات الدراسة التي امتنع مجلس الوزراء عن الموافقة عليها وهي كالآتي:

1- ربط التقاعد المبكر ببلوغ سن (50) للرجل و(45) للمرأة، مع خفض المعاش بواقع 5 في المئة عن كل سنة تقل عن السن الاعتيادية للتقاعد.

2- رفع سن التقاعد المبكر تدريجيا إلى (55) للرجل و(50) للمرأة.

3- رفع سن التقاعد الاعتيادي تدريجيا ليصل إلى (65) للرجل و(60) للمرأة.

4- أن يتم تنفيذ هذه التعديلات مباشرة على أن يكتمل تنفيذها خلال الـ (15) سنة المقبلة.

5- رفع الاشتراكات فورا إلى (21 في المئة) لكلا الصندوقين ومن ثم زيادتها تدريجيا لتصل إلى (24 في المئة) وذلك خلال السنوات المقبلة.

6- تغيير معامل حساب المعاش من متوسط السنتين الأخيرتين المعمول به حاليا إلى متوسط آخر (10 سنوات)، أو تعديل الأجور المفتعل مثل تحديد الحد الأقصى للأجر الخاضع للاشتراك، ووضع حد للزيادة السنوية التي يحصل عليها المؤمن عليه خلال السنوات الخمس الأخيرة قبل التقاعد.

7- عدم السماح للمتقاعدين مبكرا بالاستفادة من نظام الحد الأدنى للمعاش.

8- إلغاء العمل بنظام إضافة المدة الافتراضية والبالغة خمس سنوات، وكذلك نظام شراء مدد الخدمة السابقة.

أما الأسباب والأهداف غير المعلنة فأعتقد أن أهمها إشعار الرأي العام بوجود أيادٍ قوية تتدخل في مصير عوائد الاستثمارات وتوجهها لصالحها، بمعنى آخر وجود فساد مالي كبير قد يكون أكبر من طاقة وامكانات مجلس إدارة الهيئة من منعه، ولذلك فالشفافية وفضح مثل هذه الأمور يساعد على لجم شبح الاستمرار في التهام حقوق ومصالح الغير، وكان من المفترض أن يكون الوضع أكثر شفافية في ظل العهد الجديد ويكشف عن هذه الأيادي المتلهفة دوما للتلاعب.

أما بشأن لجنة التحقيق التي شكلت من قبل المجلس النيابي بحسب المادة (69) من دستور 2002م، فأتمنى أن تصل إلى نتائج مفيدة لشعبنا وللذين ينتظرون كشف الحقائق، على رغم قناعتي بأن صلاحيات اللجنة لن تتجاوز تقديم نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز (4) أشهر، من دون تمكن المجلس من محاسبة أو متابعة أو سن تشريع أو غير ذلك بحسب القيود الواضحة في دستور 2002م، متمنيا أن تكون هذه المحطة فرصة تاريخية لهم بألا تعميهم الشجرة (المفرقعات والمكتسبات الصوتية والإعلامية) عن رؤية الغابة (الصلاحيات المحدودة في الدستور بشأن السلطة التشريعية). وأن يعلنوا بجرأة، بعيدا عن هاجس المقاطعة وإفشال حامليها أو إنجاح المشاركة ولو إعلاميا وتضخيم الممارسات والرغبات والطلبات العامة، وليتم الضغط المشترك للحصول على مكتسبات حقيقية تمكن النواب من تحقيق مسائل ملموسة تشريعا ورقابة ومحاسبة فعلية.

وأخيرا أتمنى أن تكون إشاعة ما يتداول بشأن محاولات بعض النواب وبعض أعضاء مجلس الشورى من تقديم طلبات غير رسمية (تحت الطاولة) لتحسين أوضاعهم التقاعدية، وحصولهم على أقصى معاش تقاعدي (80 في المئة) من الراتب الحالي لهم من دون أن يدفعوا شيئا، والحكومة كعادتها ستكون سعيدة بإرضاء السلطة التشريعية وتوفير سبل الراحة والاستقرار كافة لهم ليكونوا حقا نوابا يقارعون الباطل والفساد من دون خوف!، وإذ إن موضوع التحقيق في إفلاس التأمينات مرتبط بموضوع التقاعد وإذ ان الأولى (لممثلي الشعب!) أن يكونوا البادئين بأنفسهم في تطبيق القانون، وعدم استغلال مناصبهم، والحفاظ على المال العام، لذلك أتمنى أن تكون تلك الأقاويل مجرد إشاعة وليست حقيقة قد تؤدي إلى المزيد من هز ثقة المواطن بهذه السلطة التشريعية التي ناضل شعبنا عقودا من الزمن للوصول إليها.

لقد أكدت منظمة العمل الدولية في قرارها الصادر عن دورتها التاسعة والثمانين العام 2001م جملة من المبادئ بشأن التأمينات الاجتماعية أهمها أن تكون الإعانات مأمونة وغير تمييزية، وينبغي أن تدار المخططات بدقة وشفافية، على أن تكون الكلف الإدارية منخفضة قدر الامكان، وأن يكون هناك دور قوي للشركاء الاجتماعيين (العمال وأصحاب العمل)، وأن تشكل ثقة السكان بنظم الضمان الاجتماعي عاملا أساسيا لنجاحها، ولكي توجد الثقة، يصبح الحكم السديد والعادل أمرا جوهريا. كما أكدت المنظمة مبدأ التقييم الاكتواري والحاجة إلى إجراء حوار اجتماعي بشأن الافتراضات التي ستستخدم في هذا التقييم وعند وضع خيارات السياسة العامة لمعالجة أي خلل مالي.

وعلى صعيد الحلول قصيرة المدى، فإن الخطوة المهمة المطلوبة تتمثل في دمج المؤسستين المسئولتين عن الضمان الاجتماعي في البلاد (التقاعد والتأمينات الاجتماعية) وتوحيد المزايا للمواطنين في القطاعين الخاص والعام، مع أهمية تنفيذ بعض التوصيات الصادرة عن دراسة الخبير الاكتواري وخصوصا زيادة نسبة الاشتراكات، مع قيام الحكومة بدفع نسبتها إلى الهيئة المندمجة مع إيجاد آليات شفافة ودقيقة لحساب المعاش التقاعدي بموجب متوسط الراتب الحقيقي وليس الراتب الوهمي المرتفع لبعض المناصب العليا التي تؤثر بالمتوسط على حقوق المواطنين الأكثر احتياجا والأكثر فقرا. ويتم تشكيل الإدارة الخاصة بتفعيل بند التأمين ضد التعطل وإنشاء صندوق لدعم العاطلين عن العمل ويتم تخصيص نسبة من الاشتراكات لهذا البند والصندوق مع ضخ الحكومة ابتداء بمبلغ لبدء المشروع الذي عليه إعداد استراتيجية استثمارية لخلق فرص عمل جديدة، وإعداد برامج تدريب وتأهيل متطورة تعكس احتياجات سوق العمل، وتفرض مقاييس مرتبطة بالتوظيف والإحلال للمواطنين عند تقديم أي قرض أو المساهمة في أي مشروع استثماري بحيث يكون أحد العوائد وجود فرص عمل جديدة تخلق إغراء أكبر للعاطلين من استمرار اعتمادهم على إعانة البطالة، وهذا ما أكدته استنتاجات منظمة العمل الدولية في هذا الشأن حينما أشارت إلى ضرورة تصميم إعانات البطالة على نحو لا يجعلها تخلق تبعية أو تقيم حواجز أمام العمالة، بحيث تؤدي فعالية التدابير إلى جعل العمل أكثر إغراء من الناحية المالية من تلقي إعانات الضمان الاجتماعي، ومع ذلك يجب أن تكون الإعانات كافية.

وعلى صعيد الاستثمارات فقد أصبحت الحاجة ضرورية إلى إدارة كفؤة وشفافة ونزيهة وجماعية للرقابة الحقيقية من الشركاء الاجتماعيين من الاتحاد العام لعمال البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بالشفافية وحقوق المواطنين

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً