العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ

نحتاج إلى وسائل جديدة لعصر مختلف

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ فترة غير قصيرة والكثير منا يدعو إلى اعتماد وسائل جديدة وإدارات جديدة للنهوض ببلادنا إلى آفاق رحبة تنتظرنا، ولكن ذلك كله على المستوى النظري، أما على المستوى العملي فمازالت أساليب وإجراءات الماضي هي المعمول بها في زمن يتطلب مرونة وإبداعا مستمرا لتحقيق مستوى معيشي يحفظ كرامة المواطن ويحقق العدالة ولو بصورة نسبية، فأنظمتنا متناقضة كثيرا في جوانب مختلفة، إذ لدينا قانون عمل هو اشتراكي في الدرجة الأولى ورأسمالي في الدرجة الأولى، وهذا الخليط من المبادئ لا يعطينا حلا لمشكلاتنا، فصاحب العمل لديه رأسمالية مطلقة ويستطيع أن يتصرف من دون حدود، ولكن القانون البحريني يمنع صاحب العمل من ضبط العامل البحريني فيما لو لم يكن مناسبا.

وليس فقط قانون العمل، وإنما القوانين الإجرائية لتمرير المعاملات جميعها من زمن سحيق ويحتاج المرء إلى نفوذ معين أو إلى الواسطة لتمرير معاملاته، بل إن تخليص المعاملات البسيطة يحتاج إلى كثير من الأوراق والإمضاءات وكأنك تعيش في عصر بدائي. في الوقت ذاته لدينا منظومة مصرفية تعتمد أفضل ما هو متوافر في تكنولوجيا عصرنا لتخليص معاملات كبرى من دون الحاجة إلى الأوراق والإمضاءات التي تفرض على المواطن.

المستثمر الأجنبي يمكنه أن يذهب إلى بلد آخر ليحصل على نتيجة معاملته خلال فترة وجيزة من دون الحاجة إلى واسطة أو الحاجة إلى شخص متنفذ يدخل معه في المشروع لضمان تخليص الأوراق.

في عالم اليوم، تم استبدال الوسائل الإلكترونية بالوسائل الورقية، وهو ما يدخل في إطار الحكومة الإلكترونية. فمشروع الحكومة الإلكترونية يتمثل في تخليص المعاملات الحكومية، الاتصال بالمسئولين، إدارة شئون الصحة العامة، دفع الفواتير وإجراء التحويلات، واستحصال معلومات، والتقديم إلى مناقصة أو وظيفة، إلخ... جميعها تتم إلكترونيا.

ولكي تتم هذه العمليات إلكترونيا فإن تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية لابد أن يتحول إلى أولوية ونكون مستعدين لتبعاتها. فالحكومة الإلكترونية من المفترض أنها تلغي «الواسطة» وتلغي الحاجة إلى الوسطاء في تمرير المعاملات. والحكومة الإلكترونية تتطلب إلغاء مئات الإجراءات الحالية التي تستهلك الوقت ولا تعطي النتيجة المرجوة منها للمواطن أو المستثمر الأجنبي.

غير أن المشكلة ليست في النظرية، وإنما في تطبيقها وتحمل تبعاتها. فلدينا أنظمة كبيرة وقديمة جدا تفوق حاجتنا باعتبارنا بلدا صغيرا يتطلع إلى الأمام. وأي مسئول يصل إلى درجة معينة أو يصل إلى مرتبة وزير فإنه يبقى كذلك مدى الحياة. وحتى لو لم تكن له وظيفة فإنه يتم تعيينه مستشارا بالمخصصات نفسها ويتم خلق وظيفة إضافية بدلا من تقليل العبء على الإدارة وعلى الموازنة.

ما نحتاج إليه هو «إعادة تعليم»، بمعنى أنه علينا أن نتعلم حقائق هذا العصر وندخل فيه بعزم وتصميم من دون الالتفات إلى الوراء ومن دون اعتماد أساليب الأمس. وهذا ما ينادي به أصحاب الأعمال الذين أعلنوا استعدادهم للمشاركة في لعب دور في إدارة العملية التنموية، ولكن شريطة أن تكون هناك خطوات عملية جادة ومتتالية بصورة مدروسة واستراتيجية.

البحرين أمام فرص كبيرة في ظل الظروف المتغيرة الحالية، ولكنها لكي تستفيد من هذه الفرص فإن العمل الوطني يلزم أن يتحرر من معوقات كثر الحديث عنها. وبادئ ذي بدء فإن الخطة الاستراتيجية للبحرين خلال العشر والعشرين سنة مازالت غير موجودة. وعلى رغم تكرار هذا الحديث فإن الخطة مازالت غير مطروحة، وسبب ذلك المركزية الصارمة والتوسع البيروقراطي الذي لا يستطيع تحريك أمر ما ولا يؤثر على التوجه العام بصورة جوهرية.

والمشكلات التي يواجهها مجلس التنمية الاقتصادية والذي كان من المفترض أن يطرح الرؤية الاستراتيجية للبحرين ويساعد على جلب الاستثمارات دليل على عمق المشكلة. فالتداخل بين الصلاحيات الممنوحة لمجلس التنمية مع الوزارات الأخرى ظاهرة ملازمة لكل شيء تقريبا. والتداخل في الصلاحيات والتناسخ والازدواجية في القرارات والإجراءات أصبحت ميزتنا في كل شيء، وليس فقط في المجالس البلدية والبرلمان، وإنما في كل هيئة تنفيذية أو غير تنفيذية. فالانفتاح الاقتصادي ليس شعارا يُطلق في الصحافة، وإنما يعني تسهيل الإجراءات وتهيئة البنية التحتية.

ومثال ذلك قطاع الجامعات الخاصة. فالبحرين كانت أول بلد خليجي يسعى إلى تكوين هذا القطاع منذ مطلع التسعينات، وتقدم مستثمرون كثيرون لإنشاء جامعات خاصة، ولكن الإجراءات أخرتهم عشر سنوات. وخلال هذه السنوات العشر انتقلت الجامعات الخاصة، بما في ذلك الجامعة الأميركية، إلى الإمارات. وخلال السنوات العشر أصبحت الإمارات أكثر الدول التي تمتلك قطاعا مربحا للجامعات الأهلية.

ولعل الأمر الأهم من كل ذلك هو تطبيق مبدأ الشفافية الذي يطالب به جميع المواطنين. فلكي يستثمر شخص أمواله في مشروع كبير فإنه بحاجة إلى الاطمئنان بأن القرار الذي سيتخذ بشأنه سيعتمد على مبدأ الكفاءة والمنافسة الشريفة، فالمحسوبية تقتل الإبداع وانعدام الإبداع يقتل الاستثمارات ويقتل الطاقات ويبعث على الإحباط.

بلادنا بحاجة إلى خبراء اقتصاديين وماليين معترف بهم دوليا، وقد استعانت الدولة بخبراء قانونيين وخبراء أمن في الماضي وخبراء في مجالات أخرى، ولكن لم نسمع أن لدى الدولة خبراء على مستوى دولي في الاستثمار وفي التنمية الاقتصادية. وعودة إلى تجارب الأمم الأخرى فإنه كان دائما هناك من الخبراء الكبار (التكنوقراط) الذين حرّكوا اقتصاد هذا البلد أو ذاك، بما في ذلك اليابان التي استعانت بخبراء مثل «ديمنغ» وغيره. فهل آن الأوان لترتيب أوضاعنا بصورة استراتيجية وبعزم لا يلين؟

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً