العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ

الوطنية ليست حب الأرض التي تعيش عليها فحسب بل حب الماضي واحترام الأجيال السابقة

قيل قديما «لفتة من قائد تحيي أمة... وغفلة من قائد تجهل أمة» والمتأني في هذه المقولة يدرك عمق الفجوة التي تفصل بيننا في الوعي وبين الوعي في بعض دول أوروبا، ففي الوقت الذي ينجز فيه الفنان العربي بما أنتجه عقله من فنون وما أفاضت به قريحته من أعمال وابداعات وابتكارات لأعمال من شأنها ان تضيف إلى ما بنى عليه الأجداد والآباء يقابل في عالمنا العربي بالتجاهل والتغافل هذا ان لم يكن التهميش، بينما في العالم الغربي تجدهم يبحثون عن هذه العقول لتكريمها ايمانا منهم بما قدمته هذه العقول من انجازات ثقافية وفنية وحضارية لصالح الانسانية من دون وضع أي اعتبار لتباين الثقافات أو اختلاف المشاعر وهذا ما حدث لمحدثي عادل خليل زليخ في هذا اللقاء السريع بعد ان طاله التكريم من وراء الحدود العربية والاقليمية لما قدمه من أعمال فنية وابتكارات ذات جودة عالية بينما لم يصله تكريم القريب...

وهل تصدقون ان من فاز بجائزة العصر والقرن العالمية هو مهدد اليوم بالفصل التعسفي من شركة طيران الخليج التي يعمل بها مديرا لأحد المراكز البحثية؟

وبعيدا عن هذا وذاك لنتابع ما أفرزه هذا اللقاء:

يقول: ان الحصول على هذا التكريم العالمي قد كان بالنسبة إليّ غير متوقع وخصوصا بعد ان اصبت بالاحباط جراء عدم فوز أي أعمال لي في مختلف المعارض الرسمية المحلية والعربية التي شاركت فيها، ناهيك عما نظمته من معارض خاصة ولن اذيع سرا اذا اعترفت بأنني مازلت لم أفهم على أي أساس يتم اختيار اللجان التي تعمل على فرز وتحليل الاعمال الفنية والابتكارية والمعايير التي تعتمدها اثناء التصنيف، كما أعتقد ان حصولي على هذا التكريم الذي جاء من خارج الحدود العربية والاقليمية هو بمثابة رد اعتبار لما قدمته من عروض وشاركت به من أعمال ولم يكتب لي النجاح في الفوز بأي جائزة، فكما تعلم أننا شاركنا في العامين الماضيين في الكثير من المعارض الرسمية والأهلية المحلية والعربية. وقدمنا في مشاركاتنا هذه ما بين 150 و200 عمل فني وابداعي وابتكاري تشتمل على الابداعات الفنية التي تعتمد على تطويع الخشب وتوظيفه لانتاج اعمال مبتكرة في مجال تطوير العمارة الفنية البحرينية والخليجية التراثية ومن ثم وضعها وفق مسار وقالب عصري يستجيب لمتطلبات العصرنة كما يحملنا على احداث نقلة نوعية بأساليب مبتكرة ومطورة لنماذج من الاثاث المنزلي الموروث الذي يتسم بالبساطة بقصد اعادة تأهيله عبر اضافة بعض اللمسات والمعاني الفنية والحرفية ليكون متناسقا مع متطلبات الاستخدامات العصرية التي تلاقي القبول والرضا من الناحية النفسية والذوقية والشكلية والخدماتية وتهيئتها للاستخدامات المتعددة الاغراض... كذلك قمنا بابتكار وانتاج مجسمات صغيرة لبعض المتكآت والكراسي والابواب والنوافذ والاسقف والاثاث المنزلي القديم بصورة تتناسب مع روح العصر وأذواق الاجيال المتعاقبة لوضعها في موضع التوثيق العائلي والاجتماعي والمؤسساتي تخليدا لماضي الاجداد والآباء أعتقادا منا وفي وعينا ان الوطنية ليست حب الارض التي تعيش عليها وانما حب الماضي واحترام الاجيال السابقة.

ايضا وفي بحثنا الابتكاري والابداعي قمنا بإحداث مسحة تقنية لبعض انواع المجسمات الفنية التي استعارت في مضمونها المراكب الشراعية القديمة كالبوم والبانوش ومراكب الصيد الاخرى لاظهارها بالمظهر الفني المتطور والممزوج بثقافتين، الثقافة العربية بأصالتها وعنفوانها الفني والفنون الغربية المعمدة بالتقنية المحدثة ولم نغفل في هذا السعي الدائب عن ابراز الاشكال الفنية لانواع متعددة من ألعاب الاطفال الشعبية التي كانت في العقود الماضية جزءا من ادوات الترفيه والتسلية اليومية في المنازل والاحياء والسكك في البحرين والخليج، اذ اعتمدنا اضافة الاساليب الحديثة إلى جوهر آلياتها ونظمها الفنية مع الحرص على عدم المس بالجانب الفني لهذه الألعاب حفاظا منا على أهمية خصوصيتها المحلية والخليجية واحتراما لمبدأ تواصل ثقافات الاجيال.

أسأله: كل الفنون العالمية التي تم تطويرها وتحديثها على يد المبدعين ركزت على اساليب تطويرها على ما بنى عليه وانجزه الرعيل الأول من الفنانين والحرفيين من أجل الوصول بها الى مراتب العصر من دون اي اغفال أو الغاء لتلك الانجازات التي خلفها الاوائل... فلماذا لا نوظف هذا المخزون الموروث من هذه الفنون والصنائع والحرف لمعطيات العصر بعد وضع البصمات المطلوبة من دون الاخلال بما بنى الرواد والأوائل؟

فيجيب: انني أعتقد ان مثل هذا التوجه اغفل في الوعي المحلي والعربي طوال فترة كبيرة من الزمن، ولذلك فهم الآن يعملون على اطلاق مبادرة وان جاءت متأخرة الا أنها خطوة تصب في الاتجاه الصحيح وذلك بعد ان تنبهوا الى حجم الاثر لما خلفه هذا الاغفال على الهوية وعليه فقد تنادوا الى عقد مؤتمر سيعقد في البحرين خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول تشارك فيه دول الخليج لبحث موضوع عصرنة العمارة الخليجية واستخداماتها في واقع الحياة.

ويقول: للأسف العالم نسي العصر الخشبي وركز فقط على العصر الحجري مع كل ما أثبتته الوقائع التاريخية ان العصر الحجري اندثر الى غير رجعة فيما بقي العصر الخشبي صامدا على رغم حدة المنافسة الشرسة لمنتج العقل البشري الحديث للمواد الكلاسيكية في مواجهة الخشب، ومن المتوقع ان يبقى الخشب وكل فنونه وابداعاته واستخداماته الى ما لا نهاية له خلال القرون المقبلة نظرا إلى ما يتمتع به الخشب من قدرة على البقاء حيا ولمرونته وقدرة الانسان على تطويعه لتوظيفه في الحياة العامة والخاصة في الكثير من الاستخدامات. ودليلنا على ذلك تعدد اساليب وانواع المنتج الخشبي واقبال الاجيال المتعاقبة عليه من اجل اقتناء معطياته سواء للاستخدامات الحيوية أو الكمالية وكل ذلك يعود إلى قوة العلاقة الجامعة بين الانسان بوصفه كائنا بشريا ينبض بالحياة والخشب كمادة تتقمص الحياة من شكل إلى آخر، على رغم حالات الجور العشوائي الذي يتعرض له بفعل التدمير الجائر للبيئة والزحف الصناعي والعمراني.

ويضيف: ان الدول التي ركزت على الخشب كمادة وسلعة استطاعت ان تغزو العالم. فالحضارة الخشبية الأميركية والانجليزية والايطالية والفرنسية والفارسية استطاعت بفضل التخطيط الاستراتيجي ان تبقي مادة الخشب أحد العناصر التي يحسب لها حساب عبر الازمان. فمثلا لو عدنا الى المعطيات الموروثة من هذه الحضارة سنجد ان أرقى وأفخم سيارات النخب في العالم كانت الاجزاء الكبرى من هياكلها تطعم بالخشب وأشكاله الفنية والهندسية مثل سيارات «الرولزرويس» وصناعة الورق التي لاتزال الى اليوم تشكل عصب الحياة لكثير من الصناعات الخدماتية والسلعية تعود في اصلها إلى الحضارة الخشبية وبفضل التخطيط النوعي لها توافرت لها ظروف استمرارية البقاء والمنافسة ليس كشكل فني وانما كسلعة عالمية تخضع لنظرية العرض والطلب بأشكال وألوان مختلفة تلبي الاذواق والامزجة كافة وحتى الطبقات... وقس على ذلك ما نراه اليوم من كماليات فنية خشبية الاصل في المنازل والمكاتب المعاصرة وما ينطبق على هذا ينطبق على أشكال وصناعات الآلات الموسيقية الوترية وآلات النفخ التي كانت ولاتزال تصنع بأشكال فنية متينة من الخشب.

في اعتقادي - والكلام لمحدثي - ان البحرين مؤهلة بحكم عقول أبنائها وثقافة اجيالها المتعاقبة لأن تلعب دورا رئيسيا ورائدا في هذا المجال بل من الممكن بشيء من التخطيط ان تستثمر هذا الجانب كأحد الروافد الاقتصادية باعتبارها دولة تعتمد في اقتصاداتها على التنويع ولكي يتحقق ذلك علينا ان نبدأ من الآن التفكير بصوت مسموع من أجل التخطيط الاستراتيجي الشامل لهذه المادة واعتمادا على هذا الكم والنوع التاريخي الموروث لدينا لاعادة تدويره ثقافيا وفنيا وتجويده سلعيا واقتصاديا... ومن خلال رؤيتي الخاصة فان البحرين كما أرى قد خطت خطوات جادة في هذا الجانب ولعل من أهمها رعاية ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ومبادرات قرينة ملك البلاد الشيخة سبيكة التي بادرت في السنوات الأخيرة عبر زياراتها للمعارض باصدار توجيهاتها للمعنيين في الوزارات المختلفة وخصوصا وزارة الصناعة لتقديم التسهيلات كافة إلى أبناء البحرين المؤهلين في هذا التخصص. وما مشروع وزارة الصناعة الذي بدأت بتنفيذه من عدة سنوات لتطوير الحرف والفنون والصناعات الخشبية الا البداية الصحيحة التي تتطلب قوة دفع أكبر.

هامش لابد منه...

حصل الفنان الحرفي والمدير التنفيذي لمؤسسة العريش لاعمال الخشب الفنية والابداعية عادل خليل زليخ على جائزة القرن الدولية للجودة والابداع وجائزة العصر للاعمال الفنية في جنيف وذلك اثناء فعاليات المؤتمر الخامس لتكريم العقول المبدعة في العالم والذي عقد في الخامس من شهر مايو/أيار الجاري في قاعة المؤتمرات بفندق انتركونتننتال بمدينة جنيف بحضور ممثلين في مجال الفنون والثقافة والابداع والجودة. كما حضره مشاركون من رجال أعمال وقياديين في الادارة من حوالي 60 دولة وكذلك رجال السلك الدبلوماسي المعتمدين بجمهورية سويسرا الاتحادية.

وتم اختيار الاعمال الفنية والابداعية الفائزة من 60 دولة من اصل 166 دولة شاركت منها مؤسسات وممثلون وشركات فنية وثقافية وادارية وابداعية، اذ تم تكريم الفنان البحريني عادل خليل زليخ بجائزة القرن والعصر الدولية تكريما له على ما ظهرت عليه اعماله الفنية والابداعية من تميز يتطابق مع مواصفات ومعايير التطور الابتكاري والحرفية العالمية عبر ما قدمه من منتجات ومصنفات فنية تأخذ بروح الاصالة والمعاصرة والجودة والنوعية في مختلف المعارض الخاصة والرسمية على المستوى المحلي والعربي والدولي.

وقال الرئيس التنفيذي لمنظمة .ة. خوسيه بريتو ان المؤسسات والأفراد الذين شملهم التكريم يعتبرون بالنسبة إلى قطاع واسع من المهتمين والمراقبين رموزا للابتكار الفذ وقدوة للجميع.

فيما قال عادل خليل زليخ في معرض تعليقه على الفوز بجائزة القرن و





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً