العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ

سلام الشرق الأوسط ومزاج السيد بوش

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تعتبر عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم السليب، في مقدمة المطالب الأساسية وطليعة الحقوق الطبيعية التي تتفق مع مبادئ وميثاق هيئة الأمم المتحدة، كما نص عليها القرار الدولي رقم 242. ولأن حكومة المتطرفين في تل أبيب بزعامة أرييل شارون، عازمة هذه المرة أيضا، على نسف جهود السلام وتعطيل مبادرة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش التي تحمل اسم (خريطة الطريق) وتدعو إلى إعلان دولة فلسطينية في العام 2005، فإنها ترفض رفضا باتا التفاوض بشأن مشكلة اللاجئين المنتشرين في الوطن العربي وسائر أنحاء العالم. وتدعو مبادرة بوش بهذا الشأن، إلى التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتوصل إلى حل وفاقي. غير أن «إسرائيل» تصر على أن يتخلى الجانب الفلسطيني عن حقه في المطالبة بعودة لاجئي 1948 وهو العام الذي تأسست فيه الدولة العبرية على أرض فلسطين، عام النكبة، حين تم تشريد الشعب الفلسطيني وظلت مشكلته حتى اليوم عقبة في طريق نمو وتطور وازدهار منطقة الشرق الأوسط برمتها، نتيجة الحروب التي عرفتها المنطقة وفشل الجهود السياسية في إقناع «إسرائيل» بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين والجلاء عن الأراضي العربية التي ما زالت تحتلها حتى اليوم.

حسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش أربعة ملايين لاجئ فلسطيني في جنوب لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة. رئيس الوزراء الفلسطيني المتوج حديثا ويسعى لإثبات الوجود وكسب ثقة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج محمود عباس، لا يستطيع بدء عمله بالتنازل عن أهم مطلب للفلسطينيين، وقد رفض المطلب الإسرائيلي وطالب بحل عادل لمشكلة اللاجئين. أبومازن نفسه مثل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات من لاجئي 1948، وهو مولود العام 1935 في مدينة صفد في شمال فلسطين وفي عام النكبة تشرد مع أسرته إلى سورية. تشيع «إسرائيل»، من خلال المحادثات الثانية مع مسئولين في الغرب، أن عودة اللاجئين يحمل معها خطرا ديموغرافيا ومعنى ذلك أن عودة أربعة ملايين لاجئ إلى وطنهم الذي هو «إسرائيل» اليوم، سوف يؤدي إلى زيادة عدد السكان المسلمين عن عدد السكان اليهود. حتى اليسار الإسرائيلي الذي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية وعقد صلح مع الفلسطينيين، يعارض عودة لاجئي 1948 ويقول سياسيون أمثال وزير العدل السابق جوسي بيلين إن هذا العامل الديموغرافي سيؤدي إلى نهاية الدولة العبرية.

اليسار الإسرائيلي على خطأ، يدحضه التاريخ الحديث. لسنوات طويلة هيمن البيض في جمهورية جنوب إفريقيا على البلاد ومارسوا سياسة التفرقة العنصرية ضد الغالبية السود. ما حدث بعد العهد الطويل للحكم الظالم، معروف للجميع. فقد حصل السود على حقوقهم ونشأ وفاق سياسي واجتماعي أتى بالسود إلى السلطة وفي مقدمتهم نيلسون مانديلا ورفاقه الذين أمضوا في السجون سنوات طويلة وكانوا بنظر البيض إرهابيين وبنظر العالم مناضلين. لكن البيض لم يخسروا شيئا من الحقوق التي يكفلها لهم النظام الأساسي. لكن التغيير الذي حصل في جمهورية جنوب إفريقيا، لم يأت من فراغ، وإنما نتيجة الضغط الدولي والدعم الإعلامي لحقوق السود والرفض القاطع للتفرقة العنصرية. أوجه الشبه بين فلسطين وجمهورية جنوب إفريقيا كبيرة جدا، واعتماد حل بالطريقة نفسها، يضمن حقوق كافة الأطراف. غير أن «إسرائيل» ليست مستعدة لقبول حل لا يتفق مع الحل الذي ترتئيه وهو حاليا: إبقاء الأمور على حالها. لذلك يريد شارون في زيارته المقبلة نهاية هذا الشهر إلى واشنطن السعي لإقناع الرئيس الأميركي أن يعدل الكثير من البنود التي تتضمنها مبادرته وتأجيل الإعلان عن دولة فلسطينية مؤقتة وفي كل الحالات: وقف تنفيذ خطة الطريق.

تقول «إسرائيل»: هناك أربعة ملايين سبب، تدفعنا لرفض عودة اللاجئين، والمقصود هنا اللاجئين إذ يجرى في الوقت الحالي مناقشة حل وسط سبق وأن طرحته إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ويقضي: تخلي الفلسطينيين عامة عن حق العودة، السماح بعودة عشرات الآلاف منهم إلى «إسرائيل» اليوم، في إطار لم الشمل، أما الغالبية منهم فيمكن توطينهم في أراضي الدولة الفلسطينية المقبلة، كما بوسع آخرين الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي أو الحصول على تعويضات مالية.

ليس هناك نقص في الحلول، وحلول الوسط، ومبادرات السلام، وجميعها لا تشكك بحقوق الفلسطينيين، لكن ينقص إسرائيل، الجرأة للاعتراف بحقوق الفلسطينيين والاستعداد للتنازل عن هذه الحقوق. كما هناك نقص وتقصير من قبل المجتمع الدولي وعدم الثقة بنزاهة الوساطة الأميركية. فجولة وزير الخارجية الأميركي الأخيرة للشرق الأوسط، لم تكن أكثر من خطوة دبلوماسية تدعو إلى تنفيذ خطة الطريق، ومن دون الضغط على «إسرائيل»، تعلم واشنطن أن بدء التنفيذ غير ممكن. الثابت بعد نهاية حرب العراق أن الطريق إلى فلسطين لا يمر عبر بغداد كما قالت واشنطن قبل الحرب لكن حرب العراق زادت المطالب الدولية بأن تعمل واشنطن من أجل حل المشكلة الفلسطينية. لكن إذا كان عند بوش استعداد جدي لذلك فهذا موضع شك أيضا.

في القريب سوف ينهمك الرئيس الأميركي بحملة انتخابات الرئاسة وشارون يعرف ذلك جيدا وكأنه يطّلع على المذكرة اليومية لبوش ويعرف مواعيده. السلاح الذي سيدخل به بوش المعركة الانتخابية هو: حرب أفغانستان التي تمت في إطار محاربة الإرهاب بعد هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ليس هناك مكان لنزاع الشرق الأوسط في الحملة الانتخابية لأن بوش لا يرغب في المغامرة وخسارة أصوات المسيحيين المتطرفين ومنهم كثيرون ينتمون للحزب الجمهوري. يتوقع بوش الحصول هذه المرة على دعم قوي من قبل اللوبي اليهودي الذي أيد منافس بوش، آل جور في الانتخابات السابقة ويبني الرئيس الأميركي حساباته في هذا السياق على ما قدمه من خدمات إلى «لإسرائيل»: فقد أنهى نظام صدام حسين وكان هذا يشكل خطرا على أمن الدولة العبرية، كما عزل عرفات. سيطالب بوش بتنفيذ خطة الطريق وسيوفد وزير الخارجية باول مرات ومرات إلى المنطقة ليلعب دور الجرذ المتنقل من جحر لآخر لكن الرئيس الأميركي لن يضغط على شارون لتنفيذ ما لا ترغب «إسرائيل» بتنفيذه. يعلم شارون أن الفلسطينيين ضعفاء وأن واشنطن لا تستطيع الضغط عليه على الأقل ليس قبل انتخابات الرئاسة المقبلة.

لكن واشنطن وحدها قادرة على حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه مسألة لا تحتاج إلى نقاش، لكن بوش يريد الفوز مجددا بمنصبه ولن يقدم على خطوة يعارضها اللوبي الأميركي المؤيد لـ «إسرائيل» وكل ما سيقوم به لن يتعدى كونه لعبة دبلوماسية لا تهمه نتائجها

العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً