العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ

رؤية بشأن التأمينات الاجتماعية (1-2)

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ابتداء اعتقد ان القيادة السياسية التنفيذية في البلاد تناست الفلسفة الحقيقية من وراء إنشاء مؤسسات الضمان الاجتماعي كالتقاعد والتأمينات الاجتماعية، فالأصل أن مثل هذه المؤسسات وجدت في المجتمعات الرأسمالية بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي أوصلت هذه المجتمعات إلى حافة الانهيار والثورات وتفشي البطالة، وبعد أن حلت الآلة محل الإنسان في الأعمال الصناعية، وكثرت واشتدت المخاطر الاجتماعية على العمال وراح ضحيتها الكثير من الأفراد والأسر نتيجة لأمراض المهنة أو الإصابة أو العجز أو الوفاة أو التقاعد أو البطالة، ومن هنا تبلورت فكرة الحماية أو الضمان الاجتماعي لدرء المخاطر.

ولذلك كان من المفترض أن تكون هذه الفلسفة الاجتماعية السياسية المتمثلة في حقوق العمال وحمايتهم، حاضرة أمام أية سياسات أو استثمارات بهدف تنمية هذه المستحقات، وكان واضحا منذ صدور مرسوم بقانون التأمين الاجتماعي رقم (24) لسنة 1976م الذي صدر في 29 يونيو/حزيران 1976، أن هناك رغبة في تحكم الحكومة المطلق في هذه المؤسسة، فالمهيمنون على مجلس إدارتها هم ممثلو الحكومة (9) بمن فيهم الوزير، بينما في دول المجلس كافة التمثيل الحكومي أقل، بل اتجهت الحكومة إلى إضافة أعضاء لا نجد لهم مقابلا في الدول الأخرى، كوجود المدير التنفيذي للعمليات المصرفية في مؤسسة نقد البحرين، ومدير عام الهيئة العامة لصندوق التقاعد، ومدير عام للشئون القانونية، وكان للتمثيل العمالي وأصحاب الأعمال في المجلس تمثيل غير متساو (3) لكل منهما، ويتم اختيارهم من قبل الحكومة، في حين يتم اختيارهم في الكويت مثلا بترشيح الجهات التي يمثلونها (الغرفة واتحاد العمال).

أما على صعيد مسئولية الحكومة تجاه هذه المؤسسة، وموضوع مساهمة الموازنة العامة في تمويل التأمينات الاجتماعية أمام أية أزمة، فالنص القانوني واضح ولا يمكن للحكومة أن تتهرب من هذه المسئولية، فالفقرة (5) من المادة (15) تقر بأن على الحكومة أن تقرض من الخزنة العامة للدولة عند الاقتضاء إلى الصندوق لسد العجز الذي قد يظهره تقدير المركز المالي اكتواريا، وعلى رغم أن النص لا يلزم المساهمة بصفة دورية وثابتة، لكنه يؤكد سد عجز التأمينات من الموازنة العامة، ولكنه أيضا يوضح أن هذه المساهمة لا تمثل إيرادا نهائيا للتأمينات، بل هي قرض لابد من سداده إلى الموازنة لاحقا، ويبدو واضحا أن سلطنة عُمان ودولة الكويت هما الوحيدتان في تحديد قانونهما بالتزام الحكومة بدعم التأمينات واعتبار الدعم إيرادا نهائيا غير واجب الرد، فسلطنة عُمان تلزم الحكومة بالدفع من الخزانة العامة بواقع (5 في المئة) من الأجور الشهرية للمؤمن عليهم، ودولة الكويت تساهم بمقدار (10 في المئة) من مجموع مرتبات المؤمن عليهم خلال السنة، علما بأن مجلس إدارة التأمينات في اجتماعه رقم (5) في 20 مايو/أيار 2002 ناقش هذا الخيار في أن تقوم الحكومة بدعم الموازنة بواقع (6 في المئة)، غير أنه رفض هذا الاقتراح بسبب إشارة الخبير الاكتواري إلى أن جميع دول الخليج تتجه إلى عدم مساهمة الدولة في تمويل أنظمة التأمينات، وهي إشارة غير صحيحة حرفت القناعات وأعطت تعاطفا مع دراسته الاكتوارية التي أكد فيها وجود الإفلاس الاكتواري بحلول العام 2023م، في حال التعامل مع الصندوقين (أ) و(ب) معا.

تحليل الأرقام

من واقع النظرة السريعة إلى تطور الإيرادات والمصروفات السنوية للتأمينات، يستشرف المرء عدة ملاحظات، بل وأسئلة لا أجد الإجابة الشافية لها بحكم غياب الشفافية والمعلومات والبيانات الأخرى، فعلى سبيل المثال هناك مخالفة واضحة في بعض السنوات للمادة (11) من القانون التي تنص على عدم إجازة مجلس الإدارة السماح بأن تتجاوز النفقات الإدارية السنوية (7 في المئة) من الموارد الناتجة عن الاشتراكات المدفوعة من أصحاب العمل المؤمن عليهم، إلا بقرار من مجلس الوزراء، على ألا تتجاوز (10 في المئة) من تلك الموارد، ففي العام 2000م وصل إلى (7,2 في المئة)، وفي العام 1998م وصل إلى (7,6 في المئة) والعام 1997م وصل إلى (7,3 في المئة)، وفي العام 1994 وصل إلى (8,1 في المئة) و1993 وصل إلى (8,3 في المئة)، والعام 1992 وصل إلى (8,8 في المئة)، والعام 1991 وصل إلى (9,3 في المئة) بل في العام 1990 تجاوز الحد المسموح إذ وصل إلى (11 في المئة).

ويلاحظ أن بند المصروفات الأخرى كان لا يتجاوز في السنوات الأولى، أي من 1998 ولغاية 1987، مبالغ بين (11) و(17) ألف دينار ماعدا سنة 1980 إذ بلغ (97) ألف دينار وعام 1987 بلغ (21) ألف دينار، ثم يختفي هذا البند سبع سنوات ليبرز مرة أخرى العام 1995 بمبلغ وقدره مليونان ونصف مليون دينار، الأمر الذي يفرض علينا طرح علامات استفهام كبيرة عن هذا المبلغ الكبير في بند غير واضح جهة الصرف، ثم يختفي هذا البند مرة أخرى خمس سنوات أخرى ليظهر من جديد العام 2001 بمبلغ (144) ألف دينار... وأترك للقارئ أن يتأمل ويستنتج ما يراه مناسبا.

على صعيد استثمار

أموال التأمينات

من الطبيعي أن يترتب على تكوين الاحتياطي العام والاحتياطات الخاصة وجوب إدارة هذا الاحتياطي إدارة كفؤة، تهدف إلى الحفاظ على قيمته الحقيقية خشية تآكلها بسبب التضخم، وتحقيق عوائد مالية من استثماره استثمارا منتجا لكي تصبح هذه العوائد مصدرا من مصادر تمويل نظام التأمينات.

وهناك شروط متعارف عليها في هذا الشأن منها أن يبتعد الاستثمار عن المخاطرة، ويجب أن تكون الاستثمارات قابلة للتحويل إلى سيولة نقدية بسهولة، وأن تحقق أفضل عائد ممكن، وفي كل الأحوال يجب ألا يخرج هذا الاستثمار عن الأغراض العامة للتأمينات الاجتماعية.

فهل مارست هيئة التأمينات كل ذلك؟ هل كانت لديها إدارة استثمارات كفؤة ونزيهة وبعيدة عن المحسوبية أو الفساد، هل مارست الحكومة مع استثمارات الهيئة الشفافية ولم تستغلها لصالحها، واقترضت منها ثم طلبت اعتبار هذا القرض من الديون المعدومة، هل استثماراتها كانت سليمة وتدر عائدا؟... كل هذه الأسئلة بعيدة عن الدراسات الاكتوارية التي تركز على الصناديق (الاشتراكات)، وتهمل عائد الاستثمار وكفاءته، وخصوصا الاحتياطي، وواضح من الدراسة الاكتوارية لخبير التأمينات ان جميع فرضياته ابتعدت عن الإشارة إلى كفاءة إدارة الاستثمارات عند إشارتها إلى مردود الاستثمار، كما أن الدراسة لم تعط أية إيضاحات أو لم تكشف عن الاحتياطي العام وسياسات الاستثمار لدى الهيئة وهل هي منخفضة ومتركزة النسبة العظمى منها في البلاد ونوعيتها.

إن مفصل المسألة وجوهرها يقع في بند الاستثمارات وأين تذهب عائداتها، أو أين تمر قبل أن تستقر النسبة المعلنة في بند عوائد الاستثمارات. وواضح من إحصاءات الهيئة ان هناك نموا في عوائد الاستثمارات، إذ بدأت العام 1980 بسبعة الآف وستمئة دينار لتنتهي العام 2001م بـ (34) مليون و(370) ألف دينار، مع وجود تساؤل كبير عن سبب انخفاض هذا العائد مرة واحدة العام 2001م، إذ كان في حال صعود، ففي العام 1994 كان في حدود (19) مليون دينار ليرتفع إلى 29 - 31 - 36 - 36 - 38 -40 مليون دينار في السنوات من 95 ولغاية 2000م على التوالي، وفجأة يهبط العائد العام 1991 إلى (34,3) مليون دينار؟!.

كما لابد من الحصول على أجوبة مقنعة عن عدم انسجام بين المصروفات الاستثمارية والعوائد الاستثمارية، ففي سنوات تكون عوائد الاستثمار مرتفعة وكذلك المصروفات الاستثمارية، وفي سنوات أخرى هناك انخفاض نسبي في العوائد مع ارتفاع غير معقول في المصروفات الاستثمارية، إلى درجة تصل في سنة 1990م إلى 13,5 مليون دينار أمام عوائد العام نفسه الذي كان في حدود (15,7) مليون دينار.

أعتقد المسألة المفصلية هنا ألا يتم التقييم فقط على توقعات الدراسات الاكتوارية التي هي بحد ذاتها عليها جدل كبير إذ تدخل منهجية الخبير الاكتواري في حسم اتجاه الدراسة وتركيزه على فرضيات معينة وتجميد عوامل أخرى قد تكون لها تأثيرات في تغيير نتائج الدراسة، هذا فضلا عن أن الدراسات الاكتوارية لا تأخذ مسألة الاستثمارات ضمن إيرادات التأمينات تحت تبرير انها غير مضمونة، وتركز فقط على الاشتراكات في مقابل المصروفات، والمطلوب بالتالي أن يوضع في الاعتبار بند الإيرادات الأخرى وخصوصا الاستثمارات الضخمة واتجاهاتها وشفافيتها وعدم المساس بعوائدها للمصلحة الشخصية أو عدم استغلالها في اقتراض شخصي ومصلحي لصالح أفراد ذوي نفوذ قوية في الحكم.

والمسألة المفصلية الثانية المهمة هي الكشف عن جهة الاستثمارات وعوائدها وكيفية التصرف فيها، وليس فقط التدقيق في المسائل المحاسبية وتحليل البيانات، إذ ان الأمر الأخير قد لا يثمر ما تم الحديث عنه بكثرة، ولا يكشف ما تم التصريح به من قيام مجلس الإدارة وبقرار من الوزيرين في العمل والشئون الاجتماعية والمالية والاقتصاد الوطني بإلغاء القرض الحكومي واعتباره من الديون المعدومة على رغم ضخامة هذا المبلغ الذي هو بحاجة إلى كشف تفصيلي عنه

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً