العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ

إزدواجية القرار الدولي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا نالت الولايات المتحدة ما تريده من الأمم المتحدة. فالدول التي عارضت الحرب اضطرت تحت ضغوط المصالح و«الدوافع الإنسانية» إلى الموافقة على نتائج الاحتلال الأمر الذي فتح باب «عودة الاستعمار» تحت مظلة مجلس الأمن واتفاقات جنيف الصادرة في العام 1949.

وأخطر ما تضمنه القرار الدولي 1483 هو الاعتراف بسلطة ومسئولية قوات الاحتلال عن العراق والعمل على توفير الظروف التي تسمح له «بتقرير مستقبله السياسي بحرية». إلا أن القرار تضمن أيضا وضع مسئولية الاحتلال تحت إشراف الأمم المتحدة ومندوبها المعين من قبل الأمين العام حتى يتم التنسيق بين الجهتين من خلال السلطة المحلية.

لم يهمل القرار 1483 دور الأمم المتحدة إلا أنه أخضع المنظمة الدولية لإدارة محلية تابعة للاحتلال وفي الآن تملك صلاحيات إشرافية تتابع مجرى ما يحصل في العراق سواء على مستوى استمرار البحث عن «أسلحة الدمار الشامل» أو على مستوى ملاحقة مواقيت تنفيذ إجراءات سلطة الاحتلال المتعاونة مع حكومة محلية يفترض أن تعين أو تنتخب لاحقا.

خلاصة القرار الدولي هي الازدواجية على مختلف المستويات والمراحل. فهناك سلطة احتلال مباشرة تقابلها هيئة مشرفة من الأمم المتحدة، وهناك صلاحيات تنفيذية تملك قراراتها قوات الاحتلال تقابلها لجان معينة من مجلس الأمن تلاحق الإجراءات من دون صلاحيات مباشرة. فالأمم المتحدة باتت وفق القرار الدولي مجرد هيئة عامة تشرف على مراقبة الاحتلال قانونيا ولا تملك حق التدخل في شئون العراق من دون العودة إلى «السلطة المحلية» وهي سلطة منتدبة من قبل القوات المحتلة كما تنص عليها اتفاقات جنيف.

هذه الازدواجية في الصلاحيات مرتبطة بازدواجية أخرى لها صلة بالمراحل والتوقيت. ففي كل مرحلة تعود سلطات الاحتلال إلى مجلس الأمن والأخير بدوره يقوم بدراسة تطورات كل فترة ليتخذ فيها قرارات لها صلة بالظروف الجديدة التي تظهر في العراق سواء في قطاعات الانشاءات والإعمار والنفط والتجارة أو بالإدارة السياسية وما لها وعليها من إملاءات واصلاحات.

الغائب الأكبر عن القرار الدولي كان العراق. فكل ما قيل وذكر جرى باسمه إلا أن نص القرار لا يذكر دور الدولة في الحاضر والمستقبل إذ تركت الأمور قيد البحث والتداول في إطار مجلس الأمن بين سلطة الاحتلال والأمم المتحدة حين يعاد النظر في كل خطوة وفي مرحلة بعد مرحلة.

غياب العراق عن صنع حاضره ومستقبله يعني أن مصير الدولة بات رهن تطور العلاقة المزدوجة بين الاحتلال والأمم المتحدة. فإذا رأى الاحتلال أن دول مجلس الأمن باتت أكثر قابلية للموافقة على الأمر الواقع والتكيف مع النتائج السياسية المترتبة على وجود القوات الأميركية تبدأ سلطة الاحتلال بالتنازل على صلاحياتها التنفيذية وتسليمها خطوة خطوة إلى إشراف الهيئة المنتدبة من الأمم المتحدة. وهذا الأمر يتطلب سنوات وسنوات تكون خلالها واشنطن قد أمسكت بمختلف أوراق الدولة وأحكمت سيطرتها على إدارتها ومؤسساتها ووزاراتها وبرامجها وعلاقاتها العربية والدولية.

القرار ينص على العودة إلى الأمم المتحدة في كل فترة للبحث في شئون العراق ومصيره... إلا أنه يشرط أي تعديل في بنوده بموافقة مجلس الأمن. والموافقة تتطلب قبول الولايات المتحدة وبريطانيا بأي تغيير وهذا يعني أن الأمر يحتاج إلى تنازلات دولية من الدول الأخرى لتمرير أي قرار جديد يتعلق بمصير العراق ومستقبله.

العودة إلى الأمم المتحدة مسألة مهمة ولكنها خطيرة في معناها القانوني لأنها تربط تعديل القرار الدولي بموافقة مجلس الأمن والأخير يخضع بدوره إلى حق النقض (الفيتو) الذي قد تستخدمه الولايات المتحدة إذا رأت أن التعديل المطلوب يخالف مصالحها ولا يتطابق مع شروطها.

هناك أكثر من حقل ألغام في القرار 1483. فهو كان نتاج تسوية بين دول الضد ودول الاحتلال إلا أن بنود القرار جرى ترتيبها ضمن شروط المحتل وتحت سقف النتائج التي أسفر عنها العدوان. وربط تعديل القرار بمجلس الأمن يمكن أن يتحول في المستقبل إلى منطقة مزدوجة يتجاذب فيها أصحاب المصلحة في التعديل مع أصحاب المصلحة في إبقاء الوضع في العراق على ما هو عليه إلى فترة طويلة... وأطول مما نتصور

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 261 - السبت 24 مايو 2003م الموافق 22 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً