دام زمن حفل عيد الميلاد نحو ساعتين، وكاد أن ينتهي بكارثة تعيد للبنانيين ذكريات الحرب الأهلية الأليمة التي استمرت 16 عاما. لكن شاءت رحمة الله بتاريخ الخامس من أبريل/نيسان الماضي أن يتعطل صاعق عبوة ناسفة من النوع الثقيل كانت موجودة داخل سيارة مفخخة خارج مطعم (ماكدونالدز) في ضاحية الدورة خارج بيروت. فقد انفجرت في البداية عبوة داخل حمام المطعم وهرع الأطفال مع أولياء أمورهم مذعورين إلى الخارج إذ كان من المنتظر أن تنفجر السيارة المفخخة وداخلها مواد متفجرة زنتها 55 كلغ. وقال عميل في الاستخبارات الألمانية إن تعطل الصاعق حال دون وقوع مجزرة رهيبة. لكن العبوات التي انفجرت في الدار البيضاء وقبلها في الرياض تمت بصورة أكثر تنظيما وقد توصلت تحليلات الاستخبارات الألمانية لهذه العمليات إلى أنها على المرجح من عمل وتخطيط تنظيم «القاعدة» لأنها ترمى ولا تعير اهتماما لهوية وعدد الضحايا. والعنصر الجديد الذي طرأ على نشاطاتها انها أدارت ظهرها لأوروبا والولايات المتحدة إذ تم تشديد الإجراءات الأمنية بصورة عالية، وأصبحت تركز نشاطاتها داخل دول عربية، وتحديدا أهدافا أجنبية في العالم العربي مثل المؤسسات والجمعيات والمنظمات وكذلك الجاليات اليهودية. وفي النهاية فإن أعمال العنف هذه موجهة إلى أهداف ترمز للغرب. النتيجة المرة التي أعلنتها الاستخبارات الألمانية في تقرير للمستشار الألماني جيرهارد شرودر: «القاعدة مازالت على قيد الحياة، وأنها مازالت كما في السابق قادرة على تنفيذ أعمال عنف وتشكل تهديدا لأمن الغرب والشرق العربي الإسلامي على حد سواء». وعلمت هذه الصحيفة أن المستشار شرودر بعث رسالة عاجلة إلى ولي العهد السعودي الأمير عبدالله عرض فيها استعداد ألمانيا لمساعدة سلطات الأمن السعودية في مكافحة الإرهاب.
بعد تفجيرات الدار البيضاء تتوقع الاستخبارات الألمانية وفقا لمعلومات نشرتها صحيفة «فيلت أم زونتاغ» يوم الأحد الماضي أن تنظيم «القاعدة» سيخطط لأعمال عنف جديدة، وقالت الصحيفة إن أجهزة دول صديقة لألمانيا نبهت من مغبة وقوع أعمال عنف جديدة في شمال وشرق إفريقيا وكذلك في السعودية وأفغانستان. وأفضت الصحيفة إلى القول إن «القاعدة» أعادت بناء تركيبتها ورتبت أمورها المالية وأصبحت مجددا قادرة على تنفيذ أعمال عنف في أماكن متعددة وفي زمن واحد. وذكرت معلومات الاستخبارات الألمانية أن «القاعدة» تستحوذ على مؤيدين كثيرين في السعودية وكذلك في اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت. ونقل عن تقرير جهاز «بي ان دي» أن أسامة بن لادن يعيش وفقا لتحليلات أجهزة الأمن الألمانية في مناطق تقع على الحدود بين أفغانستان وباكستان كما ان هناك فوجا جديدا من قياديي التنظيم يشرفون على تخطيط النشاطات الجديدة لا تعرف أجهزة الأمن الغربية والعربية والإسلامية هويتهم، ما يعني أنه من العبث مواصلة التحقيق مع الفوج القديم من قادة التنظيم. وقال عميل ألماني: الواضح أن أسامة بن لادن يشرف على «القاعدة» من بعيد، وأنه بالوسع مواصلة نشاطات التنظيم من دونه. وتجد تحليلات الاستخبارات الألمانية مقارنة بين الخلايا الثورية للجيش الأحمر- الجماعة الألمانية الإرهابية التي روعت الألمان في السبعينات - إذ تم اعتقال الجيل الأول من قادة التنظيم، بادر ماينهوف ورفاقه، ثم قام الجيل الثاني من قادة هذه الجماعة بمواصلة أعمال العنف التي استهدفت رجالات النظام السياسي والاقتصاد في ألمانيا. ونبهت الاستخبارات الألمانية لخطر تعرض قوات الحماية الدولية في أفغانستان لهجمات جديدة لأن «القاعدة» تعتبر القوات الدولية في أفغانستان قوات احتلال ينبغي محاربتها مثلما تمت محاربة الجنود الروس في الثمانينات وأجبروا على الرحيل. ويشارك 2400 جندي ألماني في هذه المهمة التي تجرى تحت قيادة ألمانية هولندية مشتركة. واعترفت صحيفة «واشنطن بوست» بأن حرب أفغانستان أضعفت «القاعدة»، لكن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق ساعدت في زيادة عدد مؤيدي هذا التنظيم.
يعتبر تحليل الاستخبارات الألمانية تراجعا واضحا عن تقييم سابق إذ ساد الاعتقاد حتى وقت قريب بأن الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة على رأس تحالف دولي لـ «القاعدة» في أفغانستان إذ تم تدمير معسكرات التدريب التابعة لها كما فر قادتها إذ تجري ملاحقتهم وكان عددهم 25 شخصا بينهم من قتل وآخر ألقي القبض عليه وكان بينهم خالد شيخ محمد الذي اعتقل في باكستان وكان بنظر المحققين الرأس المدبر لأعمال العنف التي نفذتها «القاعدة». بينما خسرت «القاعدة» أفغانستان كمرتع للتدريب والتخطيط لنشاطاتها إذ عاد نحو ألف من أتباع التنظيم إلى بلدانهم، وهكذا نشأت خلايا إقليمية داخل مجموعة من الدول العربية والإسلامية وخصوصا في السعودية إذ الاستخبارات الاميركية كانت تراقب مجموعة من الأشخاص الأمر الذي دفع واشنطن إلى الطلب من الحكومة السعودية زيادة إجراءات الحراسة على مناطق سكنية خاصة بمواطنين أجانب، لكن هذا أيضا لم يسهم في تجنب وقوع التفجيرات الأخيرة. يقول عميل في الاستخبارات الألمانية ان التفجيرات الأخيرة في الرياض كانت عملا تقليديا لتنظيم «القاعدة» والهدف: إنزال أكبر عدد ممكن من الإصابات في صفوف المدنيين الأمر الذي ينطبق على تفجيرات الدار البيضاء إذ انفجرت العبوات الناسفة في وقت واحد وفي أماكن متفرقة. وكان منفذو العملية قد أجهزوا أولا على حرس الحواجز الأمنية التي أقامها السعوديون خارج الأحياء السكنية في الرياض. قبل ذلك كان المهاجمون قد نجحوا في حل رموز باب أمني يقود إلى الحي الذي يسكنه في الغالبية مواطنون أجانب. بين المهاجمين الذين قتلوا في الحادث السعودي خالد محمد الجهيني وكان هذا قد حارب في أفغانستان في مطلع التسعينات وظهر على شريط لتنظيم «القاعدة» في مطلع العام الجاري، إذ دعا إلى القيام بعمليات انتحارية. في الأسبوع الماضي حذرت ألمانيا رعاياها من السفر لعدد من الدول العربية ودول إسلامية في جنوب شرق آسيا والفلبين ولكينيا وتنزانيا في شرق إفريقيا إذ تعتقد الاستخبارات الألمانية أن «القاعدة» تخطط لأعمال عنف ضد أهداف غربية في هذه الدول. غير أن القائمين على الأمن في ألمانيا يشعرون بارتياح حين يتحدثون عن الوضع الأمني في ألمانيا وأوروبا بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي يجري منذ وقت العمل بها والمراقبة الدقيقة لتحركات الأشخاص المشتبه بهم. ويعتقد جهاز «بي ان دي» أن «القاعدة» ستقوم خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر بعمل كبير في مستوى هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ضمن إجراءات وقائية في أوروبا، وتحديدا في بريطانيا وفرنسا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا، يجري تضييق الخناق على المشتبه بهم، ويقول تقرير الاستخبارات الألمانية إن نحو مئتي شخص يشتبه في تعاطفهم مع «القاعدة» يخضعون لمراقبة البوليس السري، وقال عميل في الجهاز الألماني بي ان دي: «يحتاج الشخص الذي يخضع لمراقبتنا إلى استخدام عصا موسى السحرية كي يختفي عن أنظارنا. مجرد أن ترصد أجهزة استراق سمع المكالمات الهاتفية اسم أسامة بن لادن أو «القاعدة» أو قنبلة، تصدر إشارات إنذار ترشد على الفور إلى رقم الهاتف». وهكذا نجح الألمان في التعرف على صوت عدد من مسئولي «القاعدة» حين كانوا يعملون لتشكيل خلايا في أوروبا. ويشرف مكتب الجنايات الفيدرالي (البوليس السري) في الوقت الحالي على 65 دعوى ضد إسلاميين متطرفين، وتم إصدار 40 مذكرة إيقاف ضد أربعين منهم. وبعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 قامت سلطات الأمن الألمانية بإيعاز من وزير الداخلية أوتو شيلي التابع للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بعملية تمشيط واسعة شملت العرب والمسلمين في ألمانيا وخصوصا الطلبة في مدينة هامبورغ إذ تم التخطيط فيها لهجوم الحادي عشر من سبتمبر، لكن هذه العملية لم تسفر عن نتائج تذكر ما قدم الدليل على أن غالبية العرب والمسلمين في ألمانيا يرفضون أعمال العنف، لكن وسائل الإعلام الألمانية نادرا ما تشير إلى ذلك
العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ