العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ

العالم بعد الحرب على العراق... جردة حساب أوليّة !

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

أظهرت الولايات المتحدة للعالم وللمشكّكين في صدقيتها، انها عازمة على استعمال قوتها العسكريّة عندما تدعو الحاجة. وهي بذلك تكون قد أحدثت صدمة نفسيّة لدى الحلفاء كما الاعداء. انطلاقا من هذا الوضع، بدأ العالم يعيد حساباته ارتقابا للمراحل المقبلة. وطُرح في هذا المجال الموضوع الاساسي الآتي: هل ما جرى في العراق هو حرب منفصلة في الزمان والمكان، أم انه حملة من حرب تشمل العالم كلّه؟ ويبدو ان الجواب على هذا السؤال الحيوي، قد بدأ يظهر، من خلال السلوك الأميركي، بعد حسم الحرب على العراق، إذ يمكننا القول «نعم إن العراق هو حملة من حرب كبيرة جدا». في هذا الإطار، تبدو الولايات المتحدة مرغمة على القيام بما يأتي: استغلال النصر وزخمه قبل خبو بريقه. التحضير للمراحل المقبلة استنادا لنتيجة المرحلة الاولى.

لذلك نسأل هنا ماذا يجري في العالم بعد الحرب على العراق؟

في البُعد الأميركي: بعد هبوط طائرته على حاملة الطائرات لنكولن، وردّه التحيّات العسكريّة، وهو الرئيس المدني، راح بوش يتحدّث عن المشكلات الداخليّة الاقتصاديّة تجنبا للخطأ الذي وقع فيه والده. كذلك الامر تستمر المحاولات الأميركية لتركيب حكومة عراقيّة مؤقتة. لكن القلق الأميركي «إذا كان هناك من قلق» يتمثّل في العثور على اسلحة الدمار الشامل، والتي كانت السبب الرئيسي للحملة على العراق. وقد يسأل المرء عنها، أين هي؟ وكيف اختفت؟ وماذا عن صدقية محاضرة كولن باول في الامم المتحدة؟ ولماذا اتخذ الرئيس صدّام هذا الموقف المتشدّد إذا لم تكن هناك اسلحة فعلا؟ فهي إذا لم تكن موجودة أصلا، وأصر الرئيس صدّام على موقفه، فقد يعني هذا سذاجة سياسية من الدرجة الاولى. وإذا كانت موجودة، فأين هي، وهل هربت إلى مكان آخر كما يدعي الأميركيون؟ هل الرئيس صدّام وطني إلى هذه الدرجة، كي يصرّ على موقف يتعلّق بكرامة العراق؟ اسئلة محيّرة.

قصف الرئيس بوش العرب، الفلسطينيين، والعالم الاسلامي بـ «خريطة الطريق»، ملقيا العبء على الضحيّة كالعادة. وهو لم يتابع ما اطلقه، وبدا كانه خجول في طرحه لهذا الحلّ. أو ان هذا الحل، هو السبيل الوحيد المتوافر حاليا، نظرا إلى قرب مسافة الانتخابات الأميركيّة. فهل خريطة الطريق هي لتقطيع الوقت؟ إذا كان الجواب بالنفي، فلماذا هذه البرودة الاميركية - الاسرائيلية في التعامل مع الموضوع؟ فهل ستُكلف دولة عربية في تعبيد الطريق لها فلسطينيا؟

تطرح اميركا في مجلس الأمن مشروع قرار لرفع العقوبات عن العراق. وفي دراسة اولية لهذا المشروع يمكننا استنتاج ما يأتي:

تسعى أميركا من هذا الطرح إلى اعطاء المعارضين فرصة لتصحيح سلوكهم، وإلا فما عليهم إلا ان يتحملوا العواقب. فمن روحية مشروع القرار، تسعى أميركا إلى قوننة الاحتلال للعراق.

كذلك الامر تريد ضرب الأسس السابقة لمشروع النفط مقابل الغذاء. فبدلا من ان تكون الامم المتحدة هي المشرف الاساسي على المال العراقي، ستصبح الامم المتحدة مراقبا معنويا يبدي رأيه، والقرار هو لاميركا.

تريد اميركا اختبار الدول المعارضة لها وحشرهم في مجلس الامن. فبعد التصويت على هذا القرار، ستعرف اميركا بصورة لا لبس فيها، سياسات الدول الكبرى تجاهها.

طرحت اميركا هذا المشروع - القرار في هذا الوقت بالذات وفي نيتها استغلال النصر العسكري، وذلك قبل تكتل المعارضين لها في جبهة واضحة المعالم.

تحضّر لجنة خاصة من الكونغرس الاميركي مشروع قرار يتعلّق بمتابعة التجارب النووية، كذلك الامر تحديث البنى التحتيّة لهذا المشروع. سيؤمّن هذا القرار مبلغ 15 مليون دولار اميركي للقيام بابحاث على القنبلة الضخمة والتي تستعمل ضد الملاجئ العميقة تحت الأرض (300 متر). وهي ستكون بقوة 10 كيلوطن، أي ست مرات أقوى من القنبلة التي استعملت ضد هيروشيما.

في البُعد الاوروبي: عندما نقول اوروبا، قد نعني بذلك اكثر ما نعني الدول الكبرى المعارضة لاميركا. تحاول فرنسا مدّ بعض الجسور مع اميركا، وفي الوقت نفسه، تحاول تكوين جبهة مضادة. فهي اعلنت استعدادها لمشروع رفع العقوبات عن العراق. وهي طالبت بتطبيق القرار 520، والمتعلق بانسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان، وهذان الامران تريدهما اميركا وتسعى لتحقيقهما. لكن المستقبل القريب سيظهر نوايا فرنسا في مجلس الأمن، اما في الموضوع اللبناني، فان اميركا ليست بحاجة إلى فرنسا. هذا في شق التعاون، اما في شق الجبهة المضادة، فإن فرنسا تسعى إلى تكوين جبهة كبيرة للوقوف في وجه اميركا. وإلا فماذا يعني زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للصين وعرض التعاون الاقتصادي والعسكري، ومرض السارس يقض مضاجع العملاق الاصفر؟ كذلك الامر، ماذا يعني محاولة فرنسا تكوين جبهة عسكرية مؤلفة من: فرنسا، المانيا، بلجيكا واللوكسمبروغ؟ في هذا الوقت، يبدو ان اميركا تحاول إعادة ترتيب انتشارها العسكري ايضا في اوروبا، كما تفعل في الشرق الاوسط. فهي، وكما يظهر ستنتقل من الغرب الاوروبي إلى شرقه، أي إلى بولندا، بلغاريا وبعض الدول الاخرى. ويبدو هذا الامر طبيعيا، حتى ولو لم يكن هناك خلاف مع المانيا. فالدول الجديدة هي أقرب جغرافيا إلى مناطق الاهتمام الاميركي الجديد، وهي طبعا اوفر على محفظة دافع الضرائب الاميركي. ويبقى السؤال الاساسي، هل سيطبق الرئيس بوش نصيحة كوندليزا رايس والتي تقول «مسامحة روسيا، اهمال المانيا ومعاقبة فرنسا».

في البُعد الآسيوي: يحتل مرض السارس مركز الصدارة في قلق الدول الآسيوية. فهو قد يقضي على كل ما بنته هذه الدول من تقدم في المجال الاقتصادي. تبدو الصين، وكأنها المتضرر الاكبر من هذا المرض. اما اليابان، فهي اصلا في مشكلة اقتصاديّة مزمنة. لكنها وبعد الحرب على العراق، بدأت التفكير في تعديل الدستور لمزيد من تسليح جيشها للعب دور امني اكبر في المستقبل القريب. وعندما ننتقل إلى كوريا، قد نعني القنبلة الموقوتة والمستعدة للانفجار في اي وقت. وهي قد تؤذي المحيط المباشر لها، اكثر من أذية اميركا. لذلك نرى هدوءا أميركيا في هذا المجال. وقد طلبت اميركا حديثا من كوريا.ج، إعطاءها مساحات إضافيّة في جنوبي العاصمة سيئول لتعيد انتشار قواتها. ماذا يعني هذا الامر؟ قد يعني هذا الامر، الانسحاب الاميركي من خطوط التماس، وترك عبء القتال «إذا ما حصل»، على القوات الكورية الجنوبية. وقد يعني هذا الامر، وضع عبء مالي قد يصل إلى 14 مليار دولار اميركي، على الحكومة الكورية كي تستغني عن المساعدة الاميركية العسكريّة.

فاجأت كل من الهند وباكستان العالم في هذا الغزل الاخير بينهما. فهما يريدان معاودة المفاوضات والعلاقات الدبلوماسية. حتى ان الرئيس مشرّف، كان قد اقترح نزع السلاح النووي. ماذا يعني هذا الامر؟

- الخوف من الهيمنة الاميركية، وخصوصا ان الهند تعتبر نفسها الديمقراطيّة الاكبر عددا في العالم. اما باكستان، فقد تكون هدفا مستقبليا لاميركا، لانها وحتى الآن، لا تزال ملاذا للقاعدة. هذا عدا عن المشكلات الاقتصاديّة والتي يعاني منها الرئيس مشرف. فهو متهم بانه ساعد الاميركيين على اشقائه الافغان، لكن من دون أية مكافأة مهمة تذكر.

- تريد باكستان الانفتاح على محيطها الجغرافي المباشر. وهي قد بدأت بإيران، وتحاول حاليا مع الهند. تحلم باكستان بان تكون الممر الرئيسي للغاز الايراني المتجه نحو شبه القارة الهندية.

- باختصار، يريد الاثنان التفلت من القبضة الاميركية، وإلا فما معنى قيام الهند بمناورة بحرية مشتركة مع روسيا قرب جزيرة سوكوترا «بحر اليمن»؟

في البُعد الشرق الاوسطي الكبير: بعد الحرب على العراق، أتت خريطة الطريق المقلقة. لم يكن هناك من ردّ فعل عربي مهم عليها، على رغم انها لا تعالج الموضوعات الاساسية، والتي خاض العرب كل حروبهم من أجلها. يبدو العراق الآن في مرحلة انتقالية حرجة جدا. وإن أي خطأ اساسي الآن، قد يبدو قاتلا على المدى البعيد. خفّت الآن الضغوط العلنيّة على سورية، فهي وكما يقال نفذت بعض المطالب التي وضعتها اميركا. لكن المستقبل قد يُظهر ما هي الجزرة التي قدّمتها اميركا لسورية. تحاول ايران حاليا توسيع بيكار علاقاتها، خصوصا مع العرب. فهي قد اعدت زيارات رسميّة لكل من لبنان واليمن. هذا عدا عن إبداء استعدادها للانفتاح على مصر. يبدو الوضع التركي مقلقا في هذا الوقت. فبعد الانتقاد الذي وجهه وولفوويتز للعسكر التركي لانه كان غير فاعل قبل الحرب على العراق، بدا علنا ان هناك مشكلة بين الاسلاميين في السلطة السياسية وبين العسكر العلماني. فهل سنشهد انقلابا عسكريا ثالثا في تاريخ تركيا؟

عادت العمليات الانتحارية على طريقة تنظيم القاعدة للظهور بكثافة. لذلك يمكننا توقع المزيد منها، الامر الذي قد يضع الكثير من الانظمة العربية تحت ضغوط اميركية كبيرة. فهل سنرى نحر المبادئ الديمقراطية التي تبشّر بها اميركا، لصالح البُعد الأمني عبر إطلاق يدها ضد حريّة شعوبها؟

أصرّت المملكة السعوديّة على الانسحاب الاميركي العسكري من أراضيها بعد انتهاء الحرب على العراق. نفّذت اميركا الطلب السعودي، وبدأت بإعادة انتشارها. ويبدو انها في صدد القيام بحملة شاملة لتحديث المملكة وفي كل الابعاد.

في الختام، يمكننا القول ان الحرب الاميركية على العراق، قد أحدثت فعلا الصدمة السيكولوجيّة التي ارادتها اميركا، في العالم بشكل عام، وفي الشرق الاوسط بشكل خاص. لذلك يبدو الشرق الاوسط مملا في هذا الوقت. وإلا فما معنى صمت أبو الهول العربي تجاه العراق، وتجاه القضيّة الفلسطينيّة؟ فإذا لم يعد لدى العرب اي خيار عسكري، على الاقل يمكنهم قول «لا» سياسية.

عميد ركن متقاعد، واستاذ محاضر

العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً