الانتخابات النيابية في الأردن تهم البحرينيين لعدة أسباب. فالنظام السياسي البحريني أخذ عدة أمور من النظام السياسي الاردني بما في ذلك مفهوم الميثاق الوطني ونظام المجلسين. وعلى رغم اختلاف في عدد من الأمور فإن موقف الاسلاميين في الأردن في الانتخابات النيابية حريّ بالدراسة وأخذ العبرة.
في نهاية العام 1989 جرت انتخابات المجلس النيابي بعد فترة طويلة من الزمن انتظرها الاردنيون منذ 1967 عندما تعطلت الحياة النيابية اثر الهزيمة النكراء التي تكبدتها الجيوش العربية على يد الكيان الصهيوني. وقد تم اعادة انعقاد مجلس 1967 في العام 1984 وثم جرت انتخابات نيابية في الأعوام 1989 و1993 و1997 وفي هذا العام تمر الاردن في انتخابات مماثلة.
وقد جاءت عودة الحياة النيابية في العام 1989 بعد انتفاضات بسبب الضائقة الاقتصادية التي عانى منها كثير من الاردنيين، وبسبب تأزم سياسي نتيجة كل العوامل الداخلية والاقليمية المحيطة. خلال فترة السبعينات والثمانينات تماسك النظام الاردني لوجود تحالف وتعاضد بين المسئولين التنفيذيين في الدولة والنخبة التجارية المسيطرة على القطاع الخاص والمرتبطة بالاردنيين الذين كانوا يعملون في دول الخليج بصورة داعمة للاقتصاد الاردني. ويدعم هذا النظام التعاضدي سند عسكري - أمني في الأجهزة المعروفة بحرفيتها منذ انشاء الدولة الاردنية.
الحياة السياسية على مستوى العمل الحزبي تعطلت في الاردن منذ أواخر الخمسينات، لكن الاسلاميين الداخلين في اطار حركة الاخوان المسلمين ظهروا الى السطح وبقوة في منتصف الثمانينات نتيجة المد الاسلامي في المنطقة. وقد برزت قوة الاسلاميين في 1984 عندما حل الملك حسين المجلس الاستشاري ودعا أعضاء المجلس الذي انتخب قبيل حرب 1967 للانعقاد لاجراء تعديل دستوري لفك الارتباط بالضفة الغربية.
ومع الاستعداد لانتخابات 1989 ظهرت الحركة الاسلامية كأقوى اتجاه سياسي في البلاد على الاطلاق، إذ استطاع الاسلاميون حصد 34 مقعدا من أصل 80 مقعدا في المجلس النيابي. وهذا حدا بالحكومة الأردنية برئاسة مضر بدران إلى تخصيص خمس وزارات للاخوان المسلمين، وتسلم أحد قادة الاخوان رئاسة المجلس المنتخب (المجلس المنتخب كان يحتوي على 80 عضوا، بينما يحتوي المجلس المعين 40 عضوا). وفي العام نفسه جرت الانتخابات الطلابية الاردنية، وحصد الاسلاميون 82 مقعدا من أصل 85، وبذلك سيطروا على النشاط السياسي في البلاد.
وفي العام 1991 طرحت هيئة ملكية مشروع الميثاق الوطني (الأردني) الذي طرح رؤية دستورية معدلة لدستور الأردن الصادر في 1952. وقد ساندت الحركة الاسلامية الميثاق الوطني واعتبرته مخرجا للأزمة السياسية، على رغم علمها بأن الميثاق أعطى مجالا مفتوحا للسلطة التنفيذية لتحديد قوانين اللعبة السياسية. وقد نتج عن الميثاق السماح بالحياة الحزبية، وتم بعد ذلك تشكيل قرابة مئة حزب سياسي أردني.
الميثاق أعطى صلاحيات للسلطة التنفيذية، والأخيرة باشرت صلاحياتها، وقامت بتغيير قانون الانتخابات. فبدلا من نظام الانتخابات على أساس حجم الأصوات، أدخلت تعديلات رأت فيها الحركة الاسلامية أنها تهدف الى إضعاف المناطق (وخصوصا المدن) التي سيطر عليها الاخوان المسلمون. فقد اعتمد القانون نظام المناطق، وأعطى مقاعد أكثر للريف والمناطق النائية، وقلل الثقل السياسي للمدن التي تسيطر عليها الحركة الاسلامية. وهذا التغيير في قانون الانتخابات أدى إلى تقليل عدد المقاعد التي حصلت عليها الحركة الاسلامية في العام 1993 من 34 الى 22.
طالب الاخوان المسلمون بارجاع قانون الانتخابات قبل التعديل وعندما لم يستجب لهم قاطعوا انتخابات العام 1997، ما أدى الى وصول 62 عضوا مؤيدا من قبل الحكومة الى المجلس المنتخب ولم يحصل الاسلاميون المستقلون واليساريون إلا على ثمانية مقاعد.
ومنذ خروجهم من مواقع النفوذ تغيرت المعادلات السياسية وأصبح الاخوان المسلمون أضعف بكثير مما كانوا عليه، ولم يستطيعوا الاستمرار في الأعمال التي كانوا يمارسونها، لأن سلطة القانون وأنظمة الدولة تعاملت معهم على أساس اللعبة السياسية.
وهكذا نأتي الى انتخابات هذا العام، والتي ستجرى في 17 يونيو /حزيران (بعد تعطيلها سنتين، اذ كان المفترض أن تجرى الانتخابات في العام 2000). مجلس النواب لهذا العام سيكون 105 مقاعد بعد زيادتهم بحسب مرسوم ملكي لموافاة الزيادة في السكان ، ولكي يفسح مجال لوصول سبع نساء على الأقل. والنساء بدأن يتنافسن على الحصول على هذه المقاعد المخصصة لهم ودخلت حملة الانتخابات سبعون امرأة على الأقل.
الاخوان المسلمون تخلوا عن مقاطعتهم السابقة، ولم يعودوا يطرحون النقاط التي طرحوها من قبل وقاطعوا انتخابات 1997 على أساسها. بل انهم طرحوا هذه المرة 29 شخصا، بينهم - ولأول مرة في تاريخ الحركة الاسلامية - امرأة. فخلال فترة غياب نفوذهم حدثت أمور كثيرة لم يستطيعوا التأثير فيها، مثل ما حدث للاسلاميين الفلسطينيين الذين ولدوا وعاشوا ونشطوا في الأردن مع اخوانهم في الحركة التي تتبع أساسا الاخوان المسلمين. وهؤلاد طرد بعضهم من الاردن وتم اسكات البقاين ولم يستطع الاخوان الاردنيون مساعدتهم وهم خارج البرلمان والحكومة. ولقد خرجوا أيضا من مواقع كثيرة، ان لم يكونوا قد أجبروا على الخروج منها بسبب ضغط الظروف، وبحسب ضوابط العملية السياسية (بنود الميثاق الاوطني) لتي ساندوها وعززوها بوجودهم داخل الحكومة والبرلمان.
عاد الاخوان المسلمون الى الساحة في حال أضعف مما كانوا عليه من قبل، كما أنهم عادوا من دون أن تتحقق مطالبهم التي من أجلها قاطعوا انتخابات 1997. عادوا وجماهيرهم منهكة من الحوادث الاقليمية وتبعاتها في داخل الأردن... عادت الحركة الاسلامية الأردنية بعد أن كانت تمسك بالشارع الأردني بصورة شبه منفردة الى واقع يختلف كثيرا عمّا كان عليه الوضع سابقا.
وعودتها تطرح سؤالا مهما عن مستقبل مقاطعة الانتخابات البرلمانية في البحرين: فهل سنرى عودة المقاطعين وقواعدهم منهكة بعد سنوات من الآن من دون أن تتحقق مطالبهم؟ الزمن سيخبرنا بذلك ... ولكن شواهد التاريخ امامنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ