العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ

الذين نحبهم

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

صادف يوم أمس الأربعاء مرور عقدين كاملين على رحيل الشاعر المصري أمل دنقل. إن حضور دنقل في الذاكرة والوجدان لا يقتصر على مناسبات وفاته أو ميلاده... بل هو حضور يتجذر في أقانيم الخيبة، وأوقيانوسيات الهزائم العربية، التي هي أحد وجوه هذه الجغرافيا التي لم تتعلم بعد كيف يمكنها أن تنفض غبار الهزائم الأولى، بدلا من جرجرة طوابير إضافية منها.

صرخات دنقل... هذا الجنوبي الذي رسمت الشمس الحارقة ملامحه... تدوي الآن في ذكرى استسلامه للمرض الذي أنهكه وجعله هيكلا عظيما تدب فيه الحياة - على ما يروي أصدقاؤه الذين لازموه اللحظات الأخيرة من عمره القصير- إن مقاومته للمرض كانت فريدة، ولكن... هل أصبح شعره في اللحظة التي نصدر عنها مقاوما للزمن، بعد كل هذه السنوات... لا نعلم إلى أي مدى تصل الآن هذه الصرخات التي أطلقها سابقا... لكن ما نعرفه أن دنقل حفر اسمه في اللوحة الشرفية لقلة قليلة ظلت متمسكة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة بما آمنت به، وظل صوته يثير الكثير من القلق، على رغم وقوعه في تقريرية مقلصة لنواحي الإبداع الحق.

إن استعادة دنقل اليوم ذات دلالة بعيدة عن الطابع الاحتفالي التقليدي، استعادته ربما تجيء في سياق الحنين إلى زمن كانت فيه قصيدة واحدة كفيلة ببث قشعريرة على آلاف الجلود.. وكان شطر أو سطر شعري واحد كافيا لتحريك مشاعر الآلاف في غير قطر ومصر، ذاك الزمن وإن كانت فيه المرارات أكثر غلظة وقسوة، إلا أنه يحمل إلينا شيئا جميلا مما نفقده في أيامنا هذه.

ودنقل كقيمة، وكحالة استثنائية يبعث فينا حنينا لذلك الزمن الذي لم نتصالح معه بعد، ولم نتعاف منه حتى اللحظة... إن دنقل يمثل جانبا مضيئا من لوحة مهووسة يتكدس فيها الغريب الشاذ، والمؤلم الجارح... إن شاعر السبارتاكوس، ولا تصالح، وزرقاء اليمامة، والكعكة الحجرية، رغم السنوات لاتزال روحه ترفرف، تلك الروح التي استبطنت الفجيعة بلحظاتها العابرة، وأطيافها، ونتائجها الراسخة، كانت مدركة لكل أبعاد الفجيعة والتوجع، وهذا تؤكده اللحظة.

إن أمل دنقل وهو يحضر اليوم بعد أن أقلق الوعي السائد آنذاك، وبعد أن خرج إلى قلب الحلبة عاري الصدر يلعن أسباب القهر، ويخز الساكنين بوخزات مؤلمة... يظل بوصفه قيمة انحازت للفقراء، وبكونه سحابة قرمزية رفضت هدم الروح، ويبقى - كذلك - مثالا على الالتفات كلية إلى نسوغ مجتمعه، ولأنه كان قد مد جذورا قوية بعمق في أوردة ناسه، فقد ظل حاضرا... ولايزال





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً