العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ

مدينة الضجر

تختفي المرايا، وتسقط في القاع السحيق إلى حتفها مدينة الضجر، وعند التوغل تتصاعد طبقات الظلام، لتأخذك المدينة بأبعادها المبهمة. للتو... تراك تغادر الكون بأمنية النفاذ إلى أصل الحياة، حتى تعثر وبكثرة على تفاصيل محرجة يتحوطها الورد والزينة والصلصال والآنات، يحذوك سعيا حثيثا، إلى حيث تناطح الفرسان الرياح.

عندما تتكئ على شيء بعد الخفي الحنين، تـدخلك مدينة الضجر إلى الجوف منتصرا، منتشيا، أجوفا، ثم ما تلبث بالتواري إلى أبعد المدى عند البوابات المرصوفة، المتهتكة، لتجد قامتك آخذة بالتقلص في وضع بين العبث وأضلاع المربع، إذ الحدود التي شيدت بإحكام. وقتها لا عليك إلا أن تعقد المقارنات بين هذا وذاك، فهناك الشوارع المعلقة والزوايا الخلفية، إذ تدون سيرة هذا وذاك، وعندما يوصد التاريخ منافذه، تتوقف الحركة عن البث، وعندما يقهر اختلاء الفجر بالشمس، وتمنع المراكب من احتضان المرافئ لحظتها يبدأ قصف الثغرات، حينها لا عليك إلا الاختيار بين التواطؤ مع مدينة الضجر أو اتخاذ الثبات ارتكازا، لبدء النهوض مرفوع الرأس، مشدود الهامة، وقتما تشاء، حتى لا يلتفت الحارس إليك، وقتها دع الضجيج يعلو، والتزم الصمت واجعل عيونك جوالة حيثما كان، فمدينة الضجر مشبوهة مشوهة حتى مطلع الفجر.

يخالجك اليقين، وينطوي الشعور ثانية على الحنين، والجميع يحبو في طريق الانتشاء، هاهي الجلوة تدعوك من جديد، لكنها اليوم، بلا التزام، أكثر وجاهة، ونشك في أن تكون أكثر نزاهة، تجعل التناظر بينك وبين مدينة الضجر قياما وقعودا، فالعبء ثقيل، وكل النهايات المعطوبة تستدعي العبور، هكذا بمقدورك صيانة النواقص، فالمدينة تحتاج إلى الرجم، الى القصف، الى التوقف عن القلق، والبدء بحديث نظيف، كلام جديد، فاقع بالأمل، فقط لو لم يكن الجمال أكثر هيبة من ذلك العجوز القائل: عليك بالأسباب الناطقة، فالحقيقة لن تكشف مستور مدينة الضجر إلا بالتورط إدمانا أكثر فأكثر، عندها سيكون الاحتفاء بالأكثر تخمة، وفي واقع الأمر سيبلغ الشجب الزبى، وسيستمر الانتقال بين الدهاليز، إنه فن من فنون الاستشراء، خيط رفيع سيقود الحكواتي إلى الأمكنة التائهة التي لا يحكمها منطق، سوى المرور بزوايا الصمت الأبله وانحسار الأخلاق، سيشطر الحريق أفق الرابية الغافية في الأكاذيب، سيحطم علوها وهوسها المتعاظم في القلب والضمير، هذا ما يثير الحفيظة والضغينة ويجعل الهدوء يتسلل، ويكون السقوط ملحا، أقرب جاذبية وإبداعا واتساقا بالأخلاق التي سترسم الخط الفاصل بين الظالم والمظلوم في مدينة الضجر.. «يا للضجر»!!

كاتبة من البحرين





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً