العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ

كل شيء عن عبدالرحمن منيف في ترحال الطائر

الوسط - حسام أبوأصبع 

تحديث: 12 مايو 2017

تختلف مظاهر الولع من شخص لآخر... ويظل هذا الولع باستمرار- وإن بدا غريبا أحيانا - في حيز ضيق، وسري غالبا، ويتمظهر في شكل أناني، ولكن حين يأتي هذا الولع على غير هذه الشاكلة، كما هو الحال مع الأديب السعودي محمد القشعمي المولع بأدب عبدالرحمن منيف، فحتما ولابد، أن تكون النتيجة مختلفة، بل ومغايرة لأفق التوقع. ومن نتائج هذا الولع إنجاز كتاب يحمل عنوان: «ترحال الطائر النبيل» والذي يمثل في تجل من تجلياته خلاصة سعيدة ومفيدة لهذا الولع، ليكون دليلا لافتا لكل قارئ تلتقي اهتماماته وميوله مع صاحب مدن الملح.

لقد ارتأى القشعمي أن يخرج إلى النور حصيلة القصاصات والكتب والمقابلات التي جمعها عن منيف طيلة سنوات من البحث والتنقيب، والمتابعة اللصيقة - كما يفيد الكتاب - اعترافا بالقيمة الأدبية العالية للرجل، وإيمانا منه بالدور المهم الذي لعبه ويلعبه لا على صعيد الإبداع السردي فحسب، بل على مستوى كل ما اهتم به، وأولاه العناية والاهتمام هذا من جهة. وليقدم، من ثم، لكل باحث أو دارس خريطة شبه مكتملة ترشده إلى كلما يخص منيف بوصفه كاتبا ألمعيا، وبوصفه منظرا في قضايا الفنون والجمال، وبوصفه صاحب رؤى سياسية ثاقبة، وغير ذلك مما تنطوي عليه سيرته الإبداعية من زخم وتنوع كبيرين من الجهة الأخرى.

إن صدور مثل هذا الكتاب، والذي نأمل أن يكون بداية لتعبيد طرق راسخة في الاعتناء بكتابنا المبدعين بخطوات شبيهة، لهي خدمة جليلة تستحق منا التوقف عندها، وإزجاء آيات الشكر إلى واضعها ومصنفها، فكل هذا الرصد المبذول في سبيله الكثير، سيسهل من مهمة كل باحث ساع إلى هذا الأديب الكبير قراءة أو نقدا، بحثا أو تمحيصا، اذ يوفر الكتاب مادة شاملة عن منيف.

وقد أورد القشعمي في مقدمة كتابه عبارة ذات دلالة طريفة، وردت على لسان منيف نفسه والتي وصف فيها القشعمي بابن جني باعتباره عالما بشعر المتنبي أكثر مما يعلم المتنبي نفسه بشعره. وعلى رغم تصريح المؤلف بأنه دفع هذا الكتاب إلى المطبعة باستعجال حتى لا تفوته مناسبة بلوغ منيف السبعين، فإن المادة الكبيرة التي نجح في جمعها لربما تؤكد صدقية قول منيف نفسه.

والكتاب المذكور يعد خطوة ثانية أكثر شمولية من كتاب صدر قبل سنوات بعنوان «الكاتب والمنفى» 1992 لمنيف نفسه، وإن تشابكت بعض الخيوط، ولكنها خطوة متقدمة على مستوى التوثيق، وعلى مستوى الجدة.

يتألف الكتاب من مدخل مختصر عبر فيه الكاتب عن تقديره لمنيف ومنجزه، ومن عدة فصول أو أبواب، بحث في أولها نسب منيف استنادا إلى عدد من المراجع التاريخية، وبالروايات الشفاهية، مع سرد موجز للبدايات الأدبية والسياسية في سيرة منيف بتقديم مداخل للدوافع والأسباب التي دفعته إلى الخوض في هذين العالمين شديدي الالتصاق، وتأثير كل منهما على الآخر. في الفصل التالي ثمة مختارات مجتزة من عدة مصادر تتمحور حول كيف يكتب منيف رواياته، وعن التجربة المشتركة التي جمعته بالراحل جبرا إبراهيم في «عالم بلا خرائط»، وهناك فصل مخصص جمع فيه القشعمي الشهادات التي قيلت عن أدب منيف من لدن طائفة واسعة من النقاد والأدباء، أما الفصل التالي ففيه ثبت كل ما ألف منيف وكتب على جميع الأصعدة سياسيا، واقتصاديا، وأدبيا، وفنيا، في صيغة كتاب، أو كتاب مشترك، أو دراسة أو مقالة، أو مقدمة لعدد من المؤلفات، بالإضافة إلى مسرد بالحوارات واللقاءات التي أجريت معه.

كما يضم الكتاب ثبتا ببليوغرافيا بما كتب عن منيف، سواء في مؤلفات خصصت بالكامل له، بما فيها الرسائل العلمية غير المنشورة، أو في شكل دراسة منشورة داخل كتاب، إضافة إلى الدراسات والمقالات المنشورة في الدوريات والصحف.

أما آخر محتويات الكتاب فكانت عبارة عن عرض للجوائز الأدبية التي حصل عليها، مع تقديم للأسباب التي ارتأت لجان التحكيم على أساسها استحقاقه وتميزه الإبداعي.

إن هذه المحاولة الجادة على رغم اضطراب بعض أبواب التصنيف والتبويب فيها، لهي جديرة بالعناية، ولعلها تكون خطوة أولى في سبيل توثيق متكامل، هو في النهاية خدمة لكل طالب علم أو مستزيد.

محمد القشعمي. ترحال الطائر النبيل. بيروت: دار الكنوز الأدبية، ط1، 2003 ، 174 صفحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً