العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ

فشلت في الخروج من جروح الوطن ولغتي تخلت عني

المحرق - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

يقول الروائي الجزائري واسيني الأعرج إن علاقة عشقية خاصة جعلته يطرح خيار اللغة الفرنسية الموروثة، ويلتصق بلغته العربية، لا بوصفها لغة تحفظ الهوية، وإنما بوصفها خيارا يحمل النجاة من الموت... وبعد أن ترسخت هذه القناعة طويلا وعلى مدى سنوات متباعدة اكتشف الأعرج أن الفرنسية في ظل الإكراهات المسلطة عليه كانت بمثابة خيط النجاة... بعد أن أصبحت العربية تضيق بأهلها، ويرفض أهل هذه اللغة نشر نتاجاته الإبداعية!

وقال الأعرج في الأمسية التي نظمها مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة مساء الاثنين الماضي إن حكايات الجدة وخصوصا تلك المتصلة بالأجداد المورسكيين، بما فيها من أساطير، وبطريقة سردها المتألقة، كانت بمثابة الحافز الأول، لاختبار هذه المساحة، التي كان الطموح وقتها يتوقف عندها ولا يتجاوزها.

وحول مفهومي الذاكرة والمنفى وارتباطهما تمحورت الأمسية الجميلة، التي زاد من وهجها التلقائية في الحكي، والتنويع في العرض. وقد قسم الأعرج أمسيته زمنيا إلى أربع مراحل، سمى الأولى مرحلة الجرح الأول، وذكر فيها أنه ينتمي إلى جيل فتح عينيه على الحرب، فأنا من مواليد العام 1954، وعندما انتهت الحرب كنت في الثامنة، وقد كانت هذه الحرب مصدرا دائما للإلهام والإبداع، لكن هذا المصدر ليس مصدرا مقدسا، لأن دائرة التقديس للفعل البشري تلغي كل إمكان للتطور والمسائلة. فهذه الحرب أخذت مني والدي وأختي، لذلك لا يمكن أن أكون حياديا في هذه العلاقة... فهذا الفقدان والخسران يدفعني إلى تأمل عنصر الثورة بمزيد من النقد والبحث عن إجابات مقلقلة عوض التاريخ الرسمي، وما يمثله من خطاب غير مستقيم، لإدراك ما وصلنا إليه في التسعينات.

ويعقد الأعرج مقارنة بين جيله والجيل السابق استكمالا لفكرة الجرح الأول بالقول: كان الجيل السابق من كتاب الرواية في الجزائر يكتب بالفرنسية، وهذا الجيل وهو الجيل التأسيسي الذي آمن بالثورة، لدرجة أنه لم يسائلها حتى لا تفقد قدسيتها باستثناء الطاهر وطار في روايته «اللاز»، لكن الجيل الذي أنتمي إليه كان جيلا من مميزاته القدرة على النقد.

أما المرحلة الثانية فقد أطلق عليها مرحلة اليوتوبيا أو الاستشراف المتفائل، يقول: كان هذا الجيل ممتلئا بالخيارات الجديدة للبلد مثل الخيار الاشتراكي، والتنوير، والمجتمع الحيوي الذي يسوده العدل، مع عدم الاهتمام بنقد تطور الأشياء، على عكس الجيل الجديد المعني بنقد الجيل السابق عليه لجهة التسييس والأدلجة، ومن ناحية القيمة الأدبية.

وتاليا كانت مرحلة الخيبة، باسم الليبرالية تم تدمير كيان الدولة، وهو كيان هش، وأصبحت القيم الثقافية تتراجع لصالح قيم أخرى.

أما المرحلة الأخيرة فيقول عنها الأعرج: هي المرحلة التي تغير فيها الوضع في الجزائر حتى وصل إلى مرحلة من البدائية والبشاعة منذ العام 1993 بسبب تيار يختبئ وراء الإسلام، هذا التيار وإن سرق حقه في الانتخابات، إلا أن القتل كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات، وفي ضوء ضعف الدولة جهازا. وسط هذه الوضعية كان للمثقف الجزائري موقف من الدولة ومن هذه الجماعات، فلا الدولة راضية عنه، ولا هذه الجماعات، ولذلك تم اغتيال الكثير من المثقفين... وبقيت أنا حيا لا بالمصادفة، وإنما بإرادة. وكان الثمن أن خسرت بيتي، وهذا يعني انتفاء المكان، ومن هذه اللحظة بدأ المنفى، فلجأت إلى منزل إحدى الصديقات أنا وزوجتي وأولادي، لكن هذا المكان كانت به نافذة تطل على البحر، وهنا بدأت كتابة ذاكرة المكان، وقبلها أنجزت رواية «سيدة المقام» التي رفض الناشرون العرب نشرها، وقد نشرتها لاحقا دار الجمل بألمانيا، ولم تصدر في الجزائر، وصودرت في القاهرة. هذا المنفى اللغوي جعلني أنتقل بعد أن انتقمت من اللغة الفرنسية بعشق العربية، إلى الانتقام من العربية بالكتابة بالفرنسية، إذ لم تنشر رواية «ذاكرة الماء» بالعربية، إلا بعد أن صدرت الطبعة الرابعة بالفرنسية! وفي نهاية المحاضرة يخلص الأعرج إلى أنه وجد أن موضوع الثورة والوطن قد استنفد جهده وطاقته، ويضيف: لقد حاولت أن أقيم مصالحة ذاتية بالابتعاد عن الوطن، وأكتب شيئا يخصني... أكتب عن الحب مثلا، لكنني وجدت أن كل شيء مترابط، ومازلت على حالي بحسب الوضع الأول





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً